عذاب ليلة بين عامين!
من ليلة شجن إلى صبح يتنفس. من إحساس بالزحام الداخلى، ضجيج بجوانب القلب، يرج الضلوع، إلى وحدة من حولى. من صور تتوالى في الذاكرة، تحمل وجوه الأحباب، من رحل ومن بقى، من تخلى ومن مكث، من أحلام لم يعد يكفي الوقت المتبقى للتشبث بها بجدية، من صوت بعيد يبشر ويملأ الروح بالأمنيات. من هذا كله إلى صبح عابر وطئ ليل الأمس بسلاسة، ومر على شجون الانتقال بين عامين مر السحاب بين الجبال.
أشرق صبح ٢٠٢٣ اشراق النور على الظلمات، واشراق العدل على الظلم، وإشراق الروح عند التجلي. قاسية قاسية ليلة ميلاد العام الجديد، مخاض الزمن أعتى من الآم مخاض أم في مولود يسعى للنور.
لقد خرجوا جميعهم، فتلك أيامهم، ابق أنت وحدك. تمضغك الساعات الأخيرة، تتذكر دورة الزمان. ألم تخرج من قبل وتترك؟ بلى! ففيم إذن العتب وفيم الشجن وفيم المباكتة للنفس؟ خروجهم فرحين، ساهرين هو خروج من عتبة عام يغلق بواباته العالية، يطوى صفحاته الثقيلة بالأحداث، إلى رحاب عام جديد مستبشرين بأماني جديدة يحققونها.
الساعة الأخيرة من العام
نختار الوحدة لأن الضوضاء بداخلنا مؤلمة، لا يسمعها سوانا، وحين نقرر الإفراج عن ذواتنا، وندلف من باب السجن الذاتي، إلى شمس الصبح الدافئة، فإننا نحطم قيد الإحساس بالزمن الذى وضعنا أقدامنا فيه وأيدينا فيه، طوعا واستسلاما. لماذا تبدو نهاية العام كأنها نهاية أحلام، نهاية إنسان، نهاية علاقة؟
الأفول بعده سطوع. الغروب بعده شروق. الرحيل يعقبه بعث. دورة الكون السرمدية. ما أثقلها من دورة. ما أثقل الساعة الأخيرة من العام، وما أقسى الدقائق الأخيرة قبل الثانية عشرة من منتصف الليل، تشعر كأن جبلا يتململ فوق صدرك، يتحرك ببطء، يهرس الضلوع.
لا صوت. لا حركة. إنما هو جمود مع بلوغ الدقات تمام الثانية عشرة، تمام المنتصف بين يوم مات ويوم يولد. بين عام مات وعام يخلق. تمام التجلي لقدرة الله على الإفناء وعلى الإحياء. بالنسبة للبشر فهم يهتفون، ويصرخون ويحتضنون بعضهم البعض فرحا بموت زمن ومولد زمن..
الزمن الذي رحل لم يمت، والزمن الذي جاء لن يموت، إنما هو مقياس عمر البشر والمكان. حين نترك بصماتنا على وجه الزمن فهو التاريخ، تاريخ ما فعلنا وما جرى، وحين يترك الزمن بصماته علي وجوهنا فهى الخيوط الدقيقة الرفيعة، في الكهولة، تتجمع وتتعمق لتقذف بك نحو الشيخوخة.
ولقد تنفس الصبح اليوم مشرقا، غير مكترث بهذه الترهات، وفي لا مبالاته هذه أعظم الدروس، إذ على الأرواح المتسكعة هذه أن تغتنم روعة الدفء الإلهي السابغ على الأرض في دورتها الزمنية الجديدة عبر فواصل سميناها شهورا وسنوات لنعرف "متى"، متى هي دلالة السؤال عن الزمن، عن التاريخ..
لم يعد مهما أن تعرف متى لأن الزمن قادم قادم، بل المهم أن تعرف كيف، لأن كيف هو الحالة، هو أسلوب حياة.. ومادام الصبح سطع، فانطلق معه وانس شجون ليلة الأمس الثقيلة، واستبشر فإنك لا تعلم كم يحبك الله فأحبه سعة روحك وقدر النور الذي يفيض منه سبحانه بجنبات نفسك.
كل صبح وأنتم في نور ونور.