لغز زيارة زيلينسكى المفاجئة للولايات المتحدة.. رسائل واتفاقات ترسم ملامح الجبهة الشرقية.. ومؤشر على تغيير مجريات الصراع
فى مشهد بدا استعراضيا، من حيث العلاقات والقوة والقدرة على تحمل تبعات الحرب مع الدب الروسى، أجرى الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، زيارة مفاجئة خارج بلاده للمرة الأولى منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحديدًا للعاصمة الأمريكية واشنطن التقى فيها بنظيره الأمريكى جو بايدن، واكتنف الزيارة مستوى عالٍ من السرية حتى اللحظة الأخيرة من الإعلان عنها والتى حملت فى طياتها رسائل واتفاقات عدة رسمت ملامح الجبهة الشرقية للأوكرانيين والأمريكيين وقبل ذلك الكرملين، خاصة أنها جاءت فى أعقاب إنهاء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين زيارته لمينسك بعد لقائه بنظيره البيلاروسى ألكسندر لوكاشينكو.
غضب روسي
كانت زيارة زيلينسكى لواشنطن أثارت غضب روسيا التى استخدمت الدرون الانتحارية والصواريخ فى تدمير البنية التحتية لأوكرانيا تاركة الكثير من السكان دون كهرباء أو تدفئة فى فصل الشتاء القاسى خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذى دفع موسكو لفتح ملف التهديدات من جديد محذرة من عواقب غير محددة لمن يخالف رغبتها ويدعم كييف فى إشارة غير مباشرة إلى واشنطن التى قررت تزويد كييف بصواريخ باتريوت، قائلة إنه لا فرصة للسلام مع أى دولة غربية مستمرة فى دعم كييف.
وبحسب شبكة «بى بى سي» الأمريكية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد من أوائل الدول التى التزمت بتقديم الدعم العسكرى اللازم لأوكرانيا منذ بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا بـحوالى 18.5 مليار دولار، مؤكدة استمرارها فى دعمها بالمزيد لتلحق بها فى المرتبة الثانية ألمانيا بـ حوالى 2.3 مليار دولار والمملكة المتحدة بحوالى 1.9 مليار دولار، ومن ثم العديد من الدول الأخرى.
وعلى الجانب الآخر من زيارة زيلينسكى لواشنطن التى اعتبرت بمنزلة مؤشر واضح على تشكيل مرحلة تحول فى مجريات الصراع وتوازناته ميدانيا وسياسيا، وذلك بعد أن أعلنت أمريكا منح كييف منظومات الدفاع الجوى من طراز باتريوت، التى يتوقع أن تشكل سلاحا ردعيا فعالا ضد الهجمات الروسية، كشف بوتين عن ملامح خطط بلاده العسكرية والردعية للعام المقبل، مؤكدا أن قوات بلاده النووية جاهزة بـ91%، مشددًا على الاستعداد القتالى للقوات النووية بالمنظومات فرط الصوتية والصواريخ العابرة للقارات الجديدة والتى تعد بمنزلة ضمان لسيادة روسيا ووحدة أراضيها.
وردًا على التساؤلات المثارة بشأن مسار الحرب الروسية الأوكرانية بعد زيارة زيلينسكى لواشنطن واستعراض بوتين للنووى قال الدكتور مهدى عفيفى، عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، إن زيارة زيلينسكى المفاجئة لم يعلن عنها لأسباب أمنية لكنها مجهز لها مسبقًا منذ الاتصال الذى وقع بين بايدن وزيلينسكى فى 19 ديسمبر الجارى، عندما دعاه لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية حتى يضمن الدعم الأمريكى من الكونجرس خاصة أن 2023 ستشهد تغييرًا فى مجلس النواب وستنتقل السيطرة للجمهوريين.
وأضاف: تلك الزيارة لها معان كثيرة على رأسها حشد الدعم من ممثلى الشعب، وفى نفس الوقت إشارة للعالم أجمع وروسيا بالأخص بقوة هذا الدعم وأيضا أنه فى عز تلك الحرب يمكن لأمريكا دعم الحلفاء الحقيقيين وضمان أمن أوكرانيا.
مجريات الصراع
وعن مسار الحرب أشار عفيفى إلى أن هناك 2 بليون دولار تم دفعها لأوكرانيا، إضافة إلى 45 بليون دولار من المساعدات التى يشرف عليها الكونجرس مع مساعدات أخرى قادمة فى المستقبل، وأن تلك الزيارة فرصة للقاء زيلينسكى بقيادات الحزبين الجمهورى والديمقراطى والقيادات العسكرية والساسة المختلفين والمهاجرين من أصول أوكرانية والذى يعد التواصل معهم أهم ما يمكن أن نراه فى أمريكا لدعهم وطنهم الأم.
وتابع: فى الناحية الأخرى، يحاول بوتين حشد الدعم من الدول الحليفة له، لكن هناك فرقًا بين دعم المجتمع الأوروبى والولايات المتحدة ودعم دولة لروسيا، فالمؤشرات كانت واضحة من البداية أن إيران وراء دعم روسيا بالطائرات المسيرة، وهذا لن يسكت عليه الغرب وأمريكا حتى لو تخيل الكثير عكس ذلك، فالإدارة الأمريكية تعلم جيدا أن ما تقوم به إيران هو محاولة للضغط فى قضايا أخرى ولكن لكل مقام مقال.
ومن جانبه قال ألكسندر هوفمان المستشار الروسى فى الاتصالات الاستراتيجية والسياسية، أن فهم التأثير الذى يمكن أن تحدثه زيارة فولوديمير زيلينسكى لواشنطن على مسار الحرب يستلزم التفكير فى نتائجها ثم الإعلان عن حزمة مساعدات عسكرية كبيرة أخرى بقيمة 1.85 مليار دولار، بما فى ذلك أنظمة باتريوت وإمدادات ذخيرة المدفعية.
وأوضح أن اشنطن تعمل على تعزيز الدفاع الجوى الأوكرانى لكننا نتحدث عن مجمع واحد ولن يغير الوضع استراتيجيًا فى ساحة المعركة، إذ لا يزال الدعم الغربى متعلقًا بالنظام الدفاعى، وليس أنظمة جديدة للأسلحة الهجومية الحديثة.
وأضاف: سيستغرق الأمر بعض الوقت لتدريب الموظفين الأوكرانيين على بطاريات SAM. ومع ذلك، يمكن الافتراض هنا أن الجانب الأمريكى بدأ فى القيام بذلك مقدمًا، كما فعل سابقًا مع أنظمة الأسلحة الأخرى.
وتابع: مع نقص ذخيرة المدفعية، يعانى الجانب الأوكرانى بالفعل من مشكلات، لكن لا ننسى أن الحفاظ على الضجيج الإعلامى حول نقص الأسلحة والذخيرة لا يخدم مصالح الأوكرانيين فقط، بصفتهم الجانب المحتاج إليهم، ولكن أيضًا المؤسسات الصناعية العسكرية التى تنتجها كمستفيدين تجاريين، إلى جانب المساعدة العسكرية لمرة واحدة، يمكن لواشنطن تخصيص ما يصل إلى 45 مليار دولار إضافى لكييف كجزء من مشروع قانون الميزانية السنوية والذى سيسمح للبنتاجون بشراء ذخيرة من المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى للجانب الأوكرانى.
واستكمل: مع ذلك ليس من المؤكد أن مشروع القانون سيمر عبر الكونجرس، إذا لم يتم اعتماده يوم الجمعة، إذ سيتم النظر فيه أوائل يناير قبل التشكيل الجديد لأعضاء الكونجرس.
وتابع: خلال زيارة زيلينسكى للكونجرس من بين 213 جمهوريًا، كان 86 فقط حاضرا فقط فى مجلس النواب، وبعضهم لم يرحب بظهور زيلينسكى لاسيما أن مبادرة تخصيص 45 مليار دولار لمساعدة كييف، كانت الخلفية السياسية الداخلية لزيارة زيلينسكى للولايات المتحدة فى هذا التوقيت.
وأضاف: «من الواضح أن القرارات التى تم الإعلان عنها عقب زيارة زيلينسكى لواشنطن قد اتخذها الجانب الأمريكى مقدمًا ولم تحظ سوى بتغطية عامة، إذ يضم مكتب الرئيس الأوكرانى فريق علاقات عامة مبدعًا مثل نظرائهم فى الحزب الديمقراطى الأمريكى، ويتمتع العديد منهم بخبرة كبيرة وإن لم تكن عالمية فى العلاقات العامة والإعلان والإنتاج فى الماضى، حيث تُستخدم هذه الكفاءات بنشاط خلال النزاع المسلح، ولا يُعد تنظيم زيارة زيلينسكى للكونجرس استثناءً.
واستطرد: «إنه أمر رمزى أن يطير زيلينسكى إلى الولايات المتحدة فى أول زيارة رسمية له خارج أوكرانيا منذ 24 فبراير على متن طائرة حكومية أمريكية، وهناك بعض المقارنات فى هذا مع زيارة الرئيس الفيتنامى الجنوبى نجو دينه ديم إلى واشنطن قبل 65 عامًا. كما سافر إلى الولايات المتحدة على متن طائرة حكومية أمريكية، ويعيد الاحتفال الطقسى لزيارة زيلينسكى لواشنطن بشكل لا يصدق المؤامرات النموذجية لأسوأ حلقات الحرب الباردة.
نقلًا عن العدد الورقي…،