ترويض الأفعى الأمريكية.. كواليس تطبيع العلاقات بين الخليج وإيران لإبعاد واشنطن عن التلاعب بأزمات الشرق الأوسط
تعرف بلدان الخليج جيدًا أن السياسة الأمريكية منذ تاريخها، تجيد فقط اللعب على الأزمات الإقليمية والدولية وتدويرها حسب مصالحها، ولهذا لا تسعى مطلقا لحل أى أزمة، بل إشعالها وسكب المزيد من الحطب عليها، ثم ابتزاز كل طرف على حدة.
ويبدو أن السيناريو الأمريكى لم يعد مناسبا للمنطقة، فإنهاء سياسة لى الذراع التى تستخدمها أمريكا ضد دول الخليج عبر التخويف من البعبع الإيرانى والعكس، لجعل دول الخليج وطهران تحرصان على إنهاء الخلافات بينهما بعيدا عن واشنطن.
وتشتهر السياسة الأمريكية بابتزاز الدول من خلال استغلالها لقضايا وأزمات للضغط على حكوماتها للانصياع لرغبات واشنطن، ودائمًا ما كانت أمريكا تستغل إيران كورقة للضغط على دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية.
وتارة تستخدم الترهيب النووى الإيرانى وأسلحة طهران، وتارة أخرى تهدد بسحب قواتها وأسلحتها من دول الخليج وتركهم وحيدين فى مواجهة التهديد القادم من طهران، وتارة تهدد بمنع توريد أسلحتها الدفاعية مثل منظومة صواريخ باتريوت التى تستخدمها المملكة فى الدفاع الجوى.
يحدث ذلك على الرغم من العداوة التقليدية الخاصة منذ تولى النظام الملالى لمقاليد الحكم، واعتقال موظفى السفارة الأمريكية فى طهران، بالإضافة إلى الهجمات التى تشنها أذرع إيران ضد القوات الأمريكية فى العراق وسوريا.
تطبيع العلاقات بين إيران والخليج
تحاول دول الخليج وإيران بذل المزيد من الجهد لتطبيع العلاقات بينهما، فيما يطلق عليه تطبيع الضرورة، من أجل ترويض الأفعى الأمريكية وتجنيب منطقة الشرق الأوسط لعبة الابتزاز بمشكلاتها وأزماتها.
كانت الخطة الأمريكية لخلق حرب طائفية بين السنة والشيعة فى منطقة الشرق الأوسط، باستخدام حليفتها إسرائيل، التى تسعى دائمًا لتأجيج المنطقة فشلت بدرجة كبيرة بعد أن وجه شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب نداء إلى علماء الطائفة الشيعية لعقد حوار (إسلامي-إسلامى) بهدف نبذ الفتنة والنزاع الطائفى، فى وقت تشهد دول عدة فى المنطقة وحول العالم توترات على خلفية مذهبية.
وتوجه الطيب فى كلمة ألقاها فى ختام ملتقى البحرين للحوار «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني»، فى حضور البابا فرانسيس فى ميدان صرح الشهيد فى قصر الصخير الملكى، «بنداء إلى علماء الدين الإسلامى فى العالم كله على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، إلى المسارعة بعقد حوار إسلامى إسلامى جاد، من أجل إقرار الوحدة والتقارب والتعارف تُنبَذ فيه أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفى على وجه الخصوص.
دعوة شيخ الأزهر للمصالحة السنية الشيعية
وقال شيخ الأزهر: «هذه الدعوة إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشيعة، فإننى على استعداد، ومعى كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثلِ هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معًا على مائدة واحدة».
وحدد الإمام الأكبر هدف الاجتماع بـ«تجاوز صفحة الماضى وتعزيز الشأن الإسلامى ووحدة المواقف الإسلاميَّة»، مقترحًا أن تنص مقرراته «على وقف خطابات الكراهية المتبادلة، وأساليب الاستفزاز والتكفير، وضرورة تجاوز الصِراعات التاريخية والمعاصرة بكلِّ إشكالاتها ورواسبها السيئة».
مؤتمر بغداد 2 وكواليس التفاوض
قبل التفاوض تشترط دول الخليج على إيران من أجل عودة العلاقات، التراجع عن دعمها لجماعات ترغب فى إثارة الفوضى فى دول الخليج العربى، وهو ما دفع هذه الدول لقطع العلاقات مع طهران.
وفى مؤتمر بغداد 2 الذى استضافته المملكة الأردنية الهاشمية وشاركت فيه عددا كبيرا من الدول العربية بالإضافة إلى إيران وتركيا والاتحاد الأوروبى، دعا وزير الخارجية الإيرانى، أمير عبد اللهيان دول الخليج إلى عقد مفاوضات على مستوى وزراء الدفاع والخارجية للتفاوض من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها.
وأوضح عبد اللهيان أنه أجرى لقاء مع وزير الخارجية السعودى، الأمير فيصل بن فرحان على هامش المشاركة فى مؤتمر بغداد 2، مشيرا إلى أن بن فرحان أكد على استعداد المملكة للتفاوض مع طهران.
عودة سفراء دول عربية لإيران
وأعادت دولتا الإمارات العربية المتحدة والكويت سفراءهما لإيران، باعتبارها بادرة لحسن النية من أجل إنهاء الخلاف بين طهران ودول الخليج.
كما أعلنت المملكة العربية السعودية أنها لا تمانع عودة العلاقات مع إيران، ولكنها اشترطت وجود ضمانات من طهران لتحقيق ذلك على رأسها وقف التدخل الإيرانى فى الأزمة اليمينة ودعم جماعة الحوثى الانقلابية ووقف نقل الأسلحة إليها، بالإضافة إلى وقف أنشطتها التى تهدد أمن الملاحة فى منطقة الخليج العربى وباب المندب، ناهيك عن برنامجيها الصاروخى والنووى والتراجع عن فكرة امتلاك سلاح نووى، معتبرة ذلك تهديدا مباشرا لأمنها القومى.
وكشفت تقارير إعلامية مؤخرا، أن رئيس إيران طالب رئيس الوزراء العراقى، محمد شياع السودانى، بتولى دور الوساطة فى مفاوضاتها مع دول الخليج، وذلك خلفا لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمى، والذى توسط فى المفاوضات بين طهران والسعودية.
وساطة عراقية فى المفاوضات الإيرانية السعودية
وأعلن وزير الخارجية العراقى، فؤاد حسين، أن العراق يواصل ممارسة دوره كوسيط للتقريب بين السعودية وإيران، كاشفا عن عقد الجانبين خمسة اجتماعات فى بغداد حتى الآن، وهى اجتماعات على المستوى الاستخبارى والأمنى.
يقول الدكتور حسن أبو طالب، الخبير السياسى، إن المفاوضات التى تم عقدها بين إيران والمملكة العربية السعودية نتاج جهود رئيس وزراء العراقى السابق مصطفى الكاظمى بهدف ألا يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات، ولتخفيف الضغوط الإيرانية على الحكومة العراقية.
وأوضح حسن أبو طالب أن هناك أكثر من دافع وراء محاولة دول الخليج وإيران للسعى من أجل تطبيع العلاقات بينهما. مشيرا إلى أن هناك اختلاف فى توجهات دول الخليج فيما يتعلق بالعلاقات مع طهران.
مواقف الخليج للتطبيع مع إيران
وأكد أبو طالب أن العلاقات الإيرانية الإماراتية طبيعية جدا، ونفس الأمر مع الكويت وعمان، وقطر التى تتمتع بعلاقات متميزة مع طهران، لكن السعودية تنظر إلى الموضوع بشكل مختلف.
وشدد أبو طالب، على أن السعودية تراعى العديد من التغيرات فيما يتعلق بتطبيع علاقتها مع إيران، والتى من ضمنها أن أمريكا حينما تتعامل مع الملف النووى الإيرانى يكون بناء على مصلحتها الشخصية ومصلحة إسرائيل وليس مصالح الجميع.
وأشار أبوطالب إلى أن دول الخليج بدأت تأخذ مسارا بعيدا عن أمريكا لمراعاة مصالحهم، والحفاظ على أمنهم القومى، بعيدا عن واشنطن.
ونوه الخبير السياسى إلى أن ما يحدث الآن مجرد وجود حوار يعطى مؤشرا بأن الجميع يريد التهدئة ومبادئ حسن الجوار بين جميع الأطراف، وهذا أمر تفرضه طبيعة الجغرافيا السياسية.
وقال أبو طالب إن السعودية تريد من إيران إظهار بصمة إيجابية مثل الضغط على الحوثيين من أجل قبول الهدنة مع الحكومة وتشجيع المسار السياسى فى اليمن.
وتابع: حتى هذه اللحظة هناك ملفات ما زالت متعثرة بين إيران والسعودية، ولكن المسار العراقى يمكن أن يدفع الطرفين لتطبيع علاقتهما.
واستطرد أبو طالب مؤكدا أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعير ملفات المنطقة الاهتمام الكافى مثل ما حدث فى القضية الفلسطينية، مؤكدا أن الجميع يبحث عن مصالحه بهدوء وتوازن.
دول الخليج وسياسة إبعاد أمريكا
وذكر أبو طالب أن دول الخليج تريد أن تحقق مصالح خاصة من تطبيع علاقتها مع إيران مثل إعادة الهدوء للمنطقة، ونفس الأمر بالنسبة لطهران التى تسعى لأن تجد متنفسا من العقوبات التى تفرضها أمريكا.
فى سياق مختلف، يقول الدكتور شريف عبد الحميد، رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية إن المفاوضات الإيرانية السعودية ما زالت مستمرة، ولم تصل إلى شيء، لأن طهران كانت تضع العراقيل أمام ما تطلبه المملكة، موضحا أن تصريحات عبد اللهيان الهدف منها تخفيف الضغط على إيران فى الداخل.
وأضاف عبد الحميد أن أمريكا حتى اللحظة لا تريد سقوط النظام الإيرانى لأن بينهما تفاهمات، وحتى يبقى نظام الملالى مهددا للمنطقة «بعبعا» وتظل المنطقة فى المقابل باحتياج شديد للحماية الأمريكية.
وأشار عبد الحميد إلى أن إيران تعتبر أكبر خطر فى المنطقة، وسبب الإرهاب وعدم الاستقرار فى اليمن وسوريا ولبنان والعراق، موضحا أن أنباء المصالحة بين المملكة وطهران بنسبة كبيرة لهذه الأسباب «لن تتم».
نقلًا عن العدد الورقي…،