فاطمة قنديل الفائزة بجائزة نجيب محفوظ: مخزونى الأدبى جعل رواياتي مختلفة المذاهب والأساليب ( حوار 1من 2 )
انتهجت أسلوب ألفونسو جروسو ومارسيل بروست فى روايتي "أقراص فارغة"
حاولت من خلال روايتى الفائزة تصوير ملامح وطن بالنصف الثاني من القرن العشرين
أحب أن تقرأ أعمالي في دول أجنبية وأن أقرأ لكتاب عالميين
لدينا أزمة حقيقية في التعريف بأنفسنا بين ثقافات العالم
أديب نوبل شكل وجداني.. والثقافة المصرية لن تموت
الثقافة للجمهور والمواطنين وليست للمثقفين في المكاتب وداخل أروقة المؤسسات الثقافية فقط
بعد مسيرة أدبية وروائية مميزة امتدت لأربعين عاما، تمكنت الكاتبة فاطمة قنديل من حصد جائزة نجيب محفوظ، والتي تقدمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وذلك عن روايتها "أقفاص فارغة" الصادرة عن دار الكتب خان للنشر والتوزيع.
وتعد جائزة نجيب محفوظ أولى الجوائز الأدبية التي تحصل عليها فاطمة قنديل في مسيرتها، لتقوم بإهدائها للكاتبات العربيات فور استلامها من الجامعة الأمريكية.
"فيتو" أجرت حوارا مع الكاتبة فاطمة قنديل تطرق للعديد من كواليس مسيرتها الأدبية ونشأتها، وعن روايتها الفائزة وحال الثقافة والأدب العربي، وجاء نص الحوار كالتالي:
*بداية.. حدثينا عن شعورك وقت استلام جائزة تحمل اسم الأديب الكبير نجيب محفوظ؟
لا أخفي عليك هذه قيمة كبيرة للغاية وشرف، خاصة أنني ممن تربوا على أدب وكتابات وأعمال أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، وهو داخل وجداننا نحن سواء في مراحل الشباب أو عندما كبرنا في السن، كنت أنتظر بشغف دائما وأنا صغيرة أي عمل أو رواية جديدة لنجيب محفوظ، وفور طرحها كنت من أوائل القراء الذين يحرصون على اقتنائها.
أعمال نجيب محفوظ شكلت جزءا كبيرا من وجداننا مثل أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب، ولذلك أنظر للجائزة على أنها نوع من التشريف أن يقترن اسمي باسم أديبنا الكبير.
*إذن هناك حالة تعلق بينك وبين الأعمال الأدبية منذ الصغر.. كيف أثر ذلك في نشأتك؟
في الحقيقة لقد نشأت وتربيت في أسرة مصرية بسيطة كانت تصر على تثقيفي منذ طفولتي وعملت على تعلقي بالأدب وعالم الرواية بشكل خاص، وذلك لم يكن يقتصر على الأدب المحلي والعربي فقط، فعند وصولي سن السادسة عشرة فقط كنت قد قرأت للعديد من الكتاب العرب والعالميين، كنت محظوظة بالفعل بنشأتي في أسرة حثتني على القراءة والمعرفة.
لكني أيضا لا يمكن أن أقول أني تأثرت في كتاباتي بأعمال وأسلوب كاتب أو أديب واحد، بل على العكس فالمخزون الأدبي الذي تكون بداخلي جعل رواياتي مختلفة المذاهب والأساليب الأدبية، كما في روايتي "أقراص فارغة" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ، فإنني انتهجت فيها أسلوبا قريبا من مذهب كل من الكاتب الإسباني ألفونسو جروسو والروائي الفرنسي مارسيل بروست.
*في روايتك "أقفاص فارغة" جسدتِ صراعات مختلفة في فترة مثلت ٣٠ عاما مثيرة مر بها الوطن.. كيف ذلك؟
حاولت من خلال الرواية تصوير ملامح وطن وعصر في النص الثاني من القرن العشرين، وذلك من خلال ما تعرضت له الطبقة المتوسطة من تصدعات، بدأت من مدن القناة والحروب المتتالية والنزوح والتهجير الذي تعرض له أبناؤها.
ثم تنتقل الرواية إلى ضواحي شرق القاهرة في أوقات ازدهارها وعصور أفولها، ثم إلى هجرة بعض العائلات المصرية للدول النفطية آملين في تأمين مستقبلهم، وهو زمن عاشته كل البيوت المصرية بدرجات مختلفة.
*جائزة الأديب نجيب محفوظ والتي تقدمها الجامعة الأمريكية كل عام لها طابع خاص لدى الكتاب.. كيف ترين ذلك ؟
بالفعل هذه حقيقة، أن يكون هناك جائزة أدبية تقدم من الجامعة الأمريكية بالقاهرة أمر جيد للغاية، خاصة أن الجائزة تقوم على قواعد مؤسسية، وبناء على شروط واضحة ومحددة، فذلك يمنع اللغط حول المعايير والأسس التي يتم اختيار الفائز على أساسها، هذا أولا.
أما ثانيا فجائزة نجيب محفوظ للجامعة الأمريكية، تعد جسرا لترجمة العمل الفائز للغات أخرى،وتعريف الثقافات المختلفة حول العالم بثقافتنا وأدبنا
وأحب أن تقرأ أعمالي في دول أجنبية خارجية، كما أحب أن أقرأ لكتاب عالميين، وفي الواقع نحن لدينا أزمة حقيقية في التعريف بأنفسنا بين ثقافات العالم، فكون الجائزة تساهم في حل تلك الأزمة من خلال تحملها أعباء الترجمة والتوزيع الخارجي فذلك شيء إيجابي يحسب للجائزة.
*هل الجوائز الأدبية والثقافية مهمة للكاتب أو الروائي.. أم أنها تمثل دعما معنويا فقط؟
دعني أصارحك، لا يوجد أي شخص في العالم لا يحب التقدير لأي عمل يقوم به، وفي عالم الأدب والثقافة ليس التقدير جوائز فقط، بل من الممكن أن يكون التقدير كلمة جيدة من الجمهور أو رد فعل راق من القراء.
أما بخصوص الكاتب فهناك شقان أولهما لحظة الكتابة والتي لا ينتظر فيها الكاتب أو الروائي أي شيء من العالم، لأنه يقوم بما يحبه ويعشقه وهي الكتابة
أما الشق الثاني فيتعلق بنوع من "الطبطبة" عليه بعد الكتابة، وهو المتمثل في التقدير والكلمة الطيبة بحق ما قام به ورد الفعل الإيجابي سواء من القراء أو النقاد.
ومع المعطيات الاجتماعية الحالية يصبح للجوائز والتقدير المادي والمعنوي دور قوي، لكن يجب ألا تثير تلك الجوائز الجدل، وتكون مبادئها وقواعدها ثابتة دون تغير.
وعن وجهة نظري الشخصية وما أحب في ذلك الأمر، فأنا يهمني بالمقام الأول القارئ، أحب سماع آراء القراء العاديين وردود فعلهم على كتاباتي، وليس شرطا أن يكون رأيهم إيجابيا أو إعجابا بأعمالي لكن في الكثير من الأحيان يكون النقد بحد ذاته كاشفا لآفاق جديدة ويفتح جوانبا تهملها أو تكون ككاتب لا تراها.
*كيف تقيمين حال الأدب العربي بشكل عام والمواهب الشابة بعالم الرواية والقصة القصيرة في الوقت الحالي من وجهة نظرك؟
أنا من أنصار أن المستقبل والقادم أفضل في كل شيء، ولدينا مواهب شابة رائعة في كافة المجالات الأدبية من رواية وقصة وشعر وغيرها، كما أن وجهة نظري وجود شاب أو شابة في اللحظة المضطربة التي يمر بها العالم خلال الفترة الحالية يفكر في الكتابة بالأساس ويعطيها لحظة من حياته فذلك نوع من الشجاعة.
نحن عندما كتبنا في زمننا عندما كنا في عمرهم، كان هناك تقدير للثقافة بشكل عام وكان الأدب جزءا مهما للغاية في المجتمع، في ظل وجود كتاب ومبدعين عمالقة في الأدب والمسرح والفنون والسينما وغيرها، كان هناك مناخ مختلف عما يوجد حاليا.
وفي ظل المناخ الثقافي الحالي فإن ظهور كتاب شباب يسخرون جزءا من وقتهم للأدب والثقافة فهذا أمر عظيم، وأنا لا أحب صناعة الأصنام بمعنى الحنين الدائم للماضي سواء في الفن أو الأدب، أحترم تراثنا وتكوينه وأحترم الرواد والمفكرين الكبار لكن لا يوجد ما يسمى "اللي فات أحسن".
*ما الذي ينقص الثقافة المصرية في الوقت الحالي.. وما الذي من الممكن تقديمه لهذه المواهب الشابة؟
بكل ثقة أقول لك إن الثقافة المصرية والعربية بشكل عام لن تموت أو تضمحل، الثقافة العربية محاطة بسياج وأسوار يتعلق بموقعها في العالم، وكتابها وشعرائها والأجيال الجديدة التي تستلم راية الأدب والفكر.
لكن في وجهة نظري الأزمة الحقيقية تتعلق بدور المؤسسات الثقافية وإدارة الثقافة في حد ذاتها، طوال حياتي أقول إن الثقافة للجمهور والمواطنين، وليست للمثقفين في المكاتب وداخل أروقة المؤسسات الثقافية فقط، فالمؤسسات القائمة على الثقافة يجب أن تتوجه للجمهور بشكل أكبر، من أجل حث الناس على القراءة والمعرفة وليس مخاطبة المثقفين، وعقد ندوات وأمسيات وفعاليات لهم فقط.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..