أفريقيا الأرض الموعودة.. حرب تكسير عظام بين الأمريكان والروس والصينيين على القارة السمراء
«لقاء الحصاد»، العنوان الذى اختير للقمة المرتقبة بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ونظيره الصينى شى جين بينج، فى وقت لاحق من الشهر الجارى لعقد مباحثات ثنائية بين الطرفين دون ذكر المزيد من التفاصيل حول ذلك الاجتماع.
لكن الكواليس المسربة، بل الملفت فى الأمر أن اللقاء المرتقب أعلن عنه فى الفترة التى شهدت فيها العاصمة واشنطن لقاء يجمع بين الرئيس الأمريكى جوبايدن و50 من القادة الأفارقة، بزعم إظهار التزام أمريكا الدائم تجاه أفريقيا وبناء شراكة وعلاقات قوية بين الطرفين بعيدة عن سياسة الإملاءات.
كانت القمة الأمريكية الأفريقية قد جرت محادثاتها الأسبوع قبل الماضى وركزت بشكل غير مباشر على النفوذ الصينى فى القارة السمراء، بالإضافة إلى أهمية الوجود العسكرى والأمنى الأمريكى للمنطقة، خاصة أنه لا يمكن مقارنته بحجم التجارة الصينية الهائلة مع أفريقيا، ومع ذلك حرص المسئولون الأمريكيون على عدم ذكر بكين صراحة خلال اجتماعهم مع القادة الأفارقة.
الصراع على أفريقيا
وأصبحت أفريقيا كلمة السر فى حلقة التنافس الصينى الأمريكى الروسى سواء لأنها تعد ثانى أكبر قارة يتخطى تعداد سكانها مليارا و400 نسمة، أو لأنها القارة الأكثر نموًا فى العالم، والتى تعنى قوة شرائية ضخمة للاقتصاد العالمى بسبب حاجتها المستمرة للتعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية.
لم تصمت الصين كثيرا وردت على الفور قبل انتهاء القمة الأمريكية الأفريقية بالإعلان عن قمة مرتقبة بينها وبين روسيا دون ذكر الكثير من التفاصيل، ولكن يبدو كأنها تخطط لإرسال رسالة خفية لأمريكا خشية من تعاونها التجارى والاستثمارى وتبنى استراتيجية جديدة لعلاقات قوية ومستمرة مع الدول الأفريقية التى شكت طويلًا من تجاهل واشنطن، فالأولوية لدى الصين مصالحها والحصول على الموارد الطبيعية والمواد الخام.
وبعد انتهاء القمة الأمريكية الأفريقية وترقب الصينية الروسية، باتت التساؤلات تكثر حول الأسباب الخفية من تلك اللقاءات التى جاءت بنتائج غير مجزية ولم تعكس رؤية حقيقية للدور الأمريكى فى أفريقيا، وفى المقابل ما الذى تخطط له الصين وهل تسعى لإجهاض أى نتائج مترتبة على القمة الأمريكية الأفريقية بالإعلان عن قمتها المرتقبة مع موسكو خاصة أن الأوضاع بينها وبين أمريكا شهدت تراشقًا فى الفترة الأخيرة حول أفريقيا؟
الدكتورة تمارا برو الأكاديمية اللبنانية والباحثة فى الشأن الصينى، قالت إن تزايد النفوذ الصينى والروسى فى أفريقيا مؤخرًا أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية التى تحاول استدراك الأمر واللحاق بركب القوى الدولية الصاعدة وترميم العلاقات مع أفريقيا.
وتابعت: عمل الرئيس الأمريكى جو بايدن على استمالة القارة نحو واشنطن بعد أن ابتعدت أمريكا عنها خلال عهد دونالد ترامب، وذلك من خلال تخصيص مليارات الدولارات لدعم دول القارة السمراء خلال القمة الأمريكية الأفريقية التى عقدت مؤخرًا، فضلا عن إعلان دعم القارة سياسيًا من خلال أن يكون لها تمثيل دائم فى جميع المنظمات الدولية بما فى ذلك مجموعة العشرين ومجلس الأمن الدولى.
وتابعت: الصين هى أكبر شريك تجارى للقارة السمراء بنحو 261 مليار دولار حتى 2021، بينما حجم التبادل التجارى بين الولايات المتحدة وأفريقيا 64 مليار دولار حتى 2021، إضافة إلى الثقة المتزايدة مع الصين التى عملت على إقامة الاستثمارات فى القارة بوقت لم تكن فيه محط اهتمام الدول الأخرى، حيث أقامت مشروعات كبيرة فى القارة الأفريقية من بنى تحتية ومطارات وموانئ واستثمارات وجسور وطرق وغيرها من المشروعات التى سهلت من حياة الشعب الأفريقى.
وبالنسبة للقمة المرتقبة وموعدها، أضافت أن هناك اتصالا دائما بين الرئيس الصينى ونظيره الروسى، إذ التقيا قبل الحرب الروسية الأوكرانية فى بكين على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية، والتقيا مرة أخرى على هامش أعمال قمة منظمة شنجهاى للتعاون، فضلا عن تواصلهم المستمر عبر الهاتف والفيديو، ومن المتوقع أن يزور الرئيس الصينى روسيا فى شهر مارس المقبل بعد جلسة البرلمان الصينى.
روسيا والصين
ومن المقرر أن يجرى الرئيس الصينى ونظيره الروسى مباحثات بالإضافة إلى تعزيز التعاون بينهم فى مختلف المجالات لا سيما الطاقة، وسيطرقا إلى العقوبات الغربية على روسيا وزيارة الرئيس الصينى إلى السعودية والتنسيق بين روسيا والسعودية فى الـ(أوبك +)، وأسعار النفط، فضلًا عن القمة الأمريكية الأفريقية، لكن بشكل عام هناك تنسيق مستمر بين موسكو وبكين للقضاء على هيمنة القطب الواحد والسعى نحو عالم متعدد الأقطاب.
تقول الدكتورة نادية حلمى، الخبيرة فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية - أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف: القمة الصينية الروسية المرتقبة بمنزلة قمة استثنائية سواء من ناحية توقيتها أو مضامينها وما ترمى إليه، حيث يرتدى الاجتماع الصينى الروسى طابع تحد للولايات المتحدة الأمريكية التى تقود حملة العقوبات ضد موسكو والدعم العسكرى لكييف، وإثارة واشنطن لغضب بكين على إثر تلك الزيارات التى قام بها مسئولون أمريكيون عدة مرات إلى تايوان، فضلًا عما تشير إليه تلك القمة بين الرئيسين شى وبوتين بتبلور معسكر شرقى بقيادة الصين وروسيا فى مقابل معسكر غربى استعمارى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.
وتعد تلك القمة بين الصين وروسيا بمنزلة تأييد مباشر من بكين لموسكو المعزولة من الغرب، وهو النهج الذى أكدته الصين بالمشاركة فى عدة مناورات عسكرية مشتركة فى روسيا، والاتفاق بين الطرفين على تسوية عقود الغاز بالروبل واليوان، وليس بالعملات الغربية.
وأدت الحرب الأوكرانية إلى ارتفاع الطلب على اليوان الصينى فى روسيا، حيث قادت العقوبات الغربية إلى عزل موسكو إلى حد كبير عن النظام المالى العالمى الجديد وتقييد وصولها إلى الدولار واليورو، كما ارتفعت نسبة تجارة اليوان فى بورصة موسكو بنسبة ٢٠% من إجمالى أحجام التداول للعملات الرئيسية منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
وستكون القمة الروسية الصينية المرتقبة بمنزلة فرصة لملء فراع الشركات الصينية بعد مغادرة العلامات التجارية الغربية لروسيا، واستحواذ الهواتف الذكية الصينية على ثلثى مجموع المبيعات الجديدة فى روسيا، كذلك غمرت السيارات الصينية روسيا، وشكلت سيارات الركاب من قبل الشركات المصنعة الصينية فى السوق الروسية.
صفقات استراتيجية
ومن المنتظر الإعلان خلال تلك القمة الروسية الصينية عن العديد من الصفقات الاستراتيجية فى عدة مجالات حيوية، كالطاقة وتكنولوجيا الفضاء، فضلًا عن تنسيق مواقف الطرفين الصينى والروسى تجاه قضايا الأمن الإقليمى الراهنة والمستقبلية فى أوروبا بعد حرب روسيا وأوكرانيا، وتنسيق التعاون الصينى الروسى المشترك فى منطقة الإندو باسيفيك بالمفهوم الأمريكى أو آسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى.
كما ستناقش قمة بوتين وشى جين بينج المرتقبة العديد من الأفكار والإشارات حول مرتكزات النظام العالمى الجديد ومستقبله، وذلك طبقًا للرؤيتين الصينية والروسية، كما سينتهز الجانب الروسى الفرصة للإعلان عن رفض التدخل الأمريكى والغربى فى تايوان وتأييد مبدأ جمهورية الصين الشعبية فى دولة واحدة ونظامين، وستؤكد الدولتين رفضهما لمساعى حلف شمال الأطلسى «الناتو» للتوسع فى أوروبا من دون مراعاة المخاوف الأمنية الروسية والصينية المشتركة.
وستكون تلك القمة الروسية الصينية المرتقبة فرصة سانحة لتنسيق مواقف البلدين المشتركة تجاه قضايا أمنية أساسية أخرى تهمهما فى منطقة الإندو باسيفيك وآسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى والقارة الأوروبية، كالمواقف من حلف «أوكوس» الدفاعى النووى بقيادة أمريكا مع أستراليا وبريطانيا، بالإضافة إلى الحوار الأمنى الرباعى المسمى «كواد» بقيادة واشنطن مع الهند واليابان وأستراليا، فضلًا عن العديد من القضايا الأخرى.
وأهم ما ستسفر عنه تلك القمة الروسية الصينية المشتركة، هى تأكيد رؤيتهما للنظام العالمى الجديد، والذى يقوم على فكرة إخراج العالم من مرحلة الهيمنة الأمريكية الأحادية الجانب وتسلط فكر العولمة الليبرالية على العلاقات الدولية، ليدخل مرحلة التعددية القطبية، واحترام سيادة الدول، وحقها فى تقرير مصيرها وصياغة نظمها السياسية والاقتصادية، وذلك بما يتماشى مع ظروفها الخاصة، إذ ترى الصين وروسيا أن العلاقات الدولية تدخل حقبة جديدة من تعددية الأقطاب الدولية فى مواجهة هيمنة واشنطن.
نقلًا عن العدد الورقي…،