رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور أيمن سلامة يكشف كارثة تجويع المدنيين في أرمينيا.. أذربيجان تتحمل المسئولية الدولية.. وما يحدث جريمة دولية

الدكتور أيمن سلامة،
الدكتور أيمن سلامة، فيتو

يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومن ثم يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، سواء في حال النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية كونها تمس حقًا من أهم حقوق الإنسان الأساسية، وهو حقه في الغذاء إذ أصبحت المجاعة التي يتعرض لها السكان المدنيون تمس شريحة واسعة من المدنيين وفي مختلف مناطق النزاع.

 

تجويع المدنيين

 ومنذ وقت طويل وحتى اليوم وعلى وجه الخصوص الدول العربية التي تعاني من النزاعات المسلحة ووجود الإرهابيين كـ"داعش" الإرهابي المتطرف، إذ كثيرًا ما يعمد الطرف المعتدي إلى تجويع المدنيين لتحقيق غاية ما، كأن يمارس التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، أو لاتخاذه من تجويع المدنيين وسيلة لدفعهم للضغط على حكوماتهم للاستسلام أو أن تجويعهم يحدث بصورة عرضية نتيجة فرض الحصار وقطع الإمدادات على المقاتلين مما يدفع بالمقاتلين الى الاستيلاء على أغذية المدنيين لتأمين الإمدادات الغذائية للمقاتلين أو لكون المدنيين يتواجدون في المنطقة نفسها التي تسيطر فيها القوات العسكرية المحاصرة مما يتعدى التجويع بآثاره الى المدنيين بحكم الواقع.

 

كما أن منع وصول الغوث إلى السكان المدنيين أو تدمير الأعيان المدنية كالمزارع وشبكات الري، أو حتى تطبيق سياسة الأرض المحروقة وسيلة دفاعية ضد العدو تؤدي في الواقع إلى حدوث مآسي كبرى كانت ومازالت تلقي بتبعاتها على المدنيين مما سبب الفتك بالكثير منهم وعلى مر التاريخ. 

 

جريمة دولية

تعد جريمة تجويع المدنيين واحدة من أكثر الجرائم الدولية التي تمتاز بأثر بالغ على المدنيين عمومًا والسكان المدنيين على وجه الخصوص، وهي أحد جرائم القانون الدولي الجنائي الذي يتبلور مفهومه في كونه مجموعة من القواعد القانونية المحددة للأفعال التي تعتبر جرائم دولية والموضحة للجزاءات الجنائية المستحقة على مرتكبيها والمعتمدة في إطار العلاقات الدولية.

جريمة تجويع السكان المدنيين تعني حبس الطعام ومنعه عنهم والعمل على تضييق فرص الحصول عليه، وذلك لجلب ظروف معيشية صعبة. إذ تتحقق جريمة تجويع المدنيين بارتكاب النشاطات المادية التي تؤدي إلى حبس الغذاء عنهم من خلال الفعل أو الامتناع، فالفعل يكون باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الغذاء من الوصول للمدنيين بالكميات اللازمة لاستمرار حياتهم سواء بتعطيل أو تدمير الأعيان المنتجة للغذاء، أو منع وصول الشاحنات التي تحمل الغذاء وتعطيلها، أو الاستيلاء عليها، والامتناع يكون بعدم إصدار تصريح بمرور قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية التي تحمل الغذاء والمواد الطبية والعلاجية للمدنيين

ويتصف التعريف السابق بالعمومية والتجريد، واشترط القصد الجنائي لتقوم جريمة التجويع، ولم يقصر التجويع على المواد الغذائية، ولكن ضم إليه الأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، ولعل الجمع بين منع المواد الغذائية والطبية عن المدنيين كمعيار للقول بوجود تجويع المدنيين، يحسب للتعريف وله ما يبرره ونعني به هنا اتحاد العلة بينهما وتماثل الأثر المترتب عليهما وهو "هلاك المدني

 

ويقتضي مبدأ الإنسانية توفير حماية خاصة للإنسان في مناطق النزاع المسلح، من خلال الكف عن كل ما هو دون الضرورة العسكرية، ويدعو إلى تجنب أعمال القسوة والوحشية في القتال، خصوصًا إذا كان استعمال هذه الأساليب لا تجدي في تحقيق الهدف من النزاع المسلح وهو تحقيق النصر وهزيمة العدو، فقتل الجرحى أو الأسرى أو الاعتداء على النساء والأطفال أو على المدنيين غير المشاركين في الأعمال القتالية بوجه عام كلها أمور تخرج عن إطار أهداف  النزاع المسلح.

 

حقوق الإنسان

أيضا تجدر الإشارة إلى أن حق الإنسان في المساعدة الإنسانية أمرًا، مكفول في القانون الدولي الإنساني، كما هو مكفول في القانون الداخلي، إذ ينص الأول على وجوب حماية الجرحى والمرضى في جميع الأحوال، ويجب أن يعاملوا معاملة إنسانية، وفي حالة الاحتلال يجب على سلطة الاحتلال أن تقوم بتزويد المدنيين بالطعام والشراب بالقدر اللازم، وأن تؤمن لهم كافة الضمانات الصحية والطبية والوقائية ضد تقلبات المناخ وأخطار النزاع المسلح، وأن يتلقوا الرعاية الصحية والإنسانية بشكلٍ كامل، وأن تسمح للمنظمات الإنسانية الخاصة بتقديم الغذاء والدواء، وأن تسمح للمدنيين بتلقي أعمال الإغاثة الفردية والجماعية من كل ما يسد حاجتهم الصحية والغذائية.

إن انتهاك أعراف وقوانين الحرب، والاعتداء على المدنيين وتجويعهم يرتبط في إحدى صوره بفكرة المسؤولية، والمسؤولية هنا تقع على عاتق بالدولة والفرد، وبالنسبة للدولة تمثل المسؤولية مبدأ عامًا من مبادئ القانون الدولي متمثلًا في القواعد الأساسية فتحدد إطار وشكل السلوك المخالف غير القانوني، وما يتقرر من حق الدولة في مقابل واجب يلقي على عاتق دولة أخرى يلزم الأخيرة بالتعويض، أو بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب السلوك المخالف، ويأتي ذلك في إطار المسؤولية المدنية أو السياسية للدولة.

تمثل جريمة الحصار عقابا جماعيا للسكان المدنيين غير المشتركين  في العدائيات العسكرية، وباعتبارها وسيلة حرب لتجويع المدنيين، مما يجعل  الحصار بمثابة انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني، وقد عد الكثيرون من فقهاء القانون الدولي الحصار الجائر.

لقد أقرت محكمة نورمبرج لمقاضاة كبار مجرمي  الحرب  النازيين عام 1945، أن في حالة الحرب لا يكون الحصار شرعيا، إلا إذا فرض  الحصار على أرض  الأعداء بهدف إجبارهم على الاستسلام، وفي ذات الصدد فقد سبق للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن أصدرت أمرا إلزاميا على أذربيجان بضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية والكافية لضمان نقل المصابين بأمراض خطيرة  للعلاج في أرمينيا عبر  "ممر لاتشين".

وفقا للمعطيات  الحاصلة الآن والتي أكدتها وسائل الإعلام المختلفة بخصوص قطع  الآذريون أيا من كانوا  سواء من عمال – أي موظفي الدولة – أو من عامة  الأفراد، لممر لاتشين وهو  الطريق الوحيد الذي يربط إقليم ناكورنوكاراباخ بأرمينيا، يرتب المسؤولية الدولية المدنية على أذربيجان وفقا لقواعد  المسؤولية الدولية، كما يرتب أيضا المسؤولية الدولية الجنائية الفردية على جميع المسؤولين التنفيذيين وغيرهم في أذربيجان الذين امتنعوا عن الوفاء بمسؤوليتهم الدولية وفقا لاتفاقيات القانون  الدولي الإنساني ذات الصلة.

الجريدة الرسمية