بين يناير ويوليو!
في سبتمبر 1970 رحل جمال عبد الناصر.
الذي جري بعد ذلك يدخل في المساخر والكوميديا. لقد استطاع السادات بعد أن خلص له الحكم أن يشن حربا مجيدة ضد إسرائيل لكنه فتح الباب ضد العصر الناصري كله. صارت الاشتراكية خطأ والقومية خطيئة والاتحاد السوفييتي عدوا وأمريكا صديقة وإسرائيل.
لكن هل تحقق على الأرض منجز اجتماعي وسياسي يريح الشعب ويقدم له الجنة الموعودة.
أكثر من أربعين عاما مضت الآن ولم تحقق الرأسمالية المتوحشة إلا الفساد وبيع مقدرات الوطن الاقتصادية وتأخرت الصحة وتأخر التعليم وظهرت في مصر طبقة من رجال الأعمال تحقق المليارات بلا عمل إلا مساندة الدولة والنظام لهم. وهكذا يبدو لي كل يوم أن الحرب مع عبد الناصر ليست موجهة ضده إنما ضد الذين استفادوا اجتماعيا من نظامه وهم الأغلبية الفقيرة من الشعب الذين تزداد أعدادهم كل يوم. بينما يرتفع غيرهم إلى السماء السابعة لا لشيء إلا لقربهم من النظام الحاكم.
وللأسف حتي الآن تلقى كل أسباب التخلف والفقر والجهل والمرض على الفترة الناصرية التي كانت ضد ذلك كله وقطعت أشواطا عظيمة في القضاء عليه. لا أحد يفكر أن عبد الناصر مات منذ ثلاثة وأربعين سنة وأن ما نحن فيه من فقر وفساد هو ابن هذه السنين. هل يمكن لله والوطن أن ننتبه إلى أن ناصر رحل منذ أكثر من أربعين سنة فعلا ومنذ ذلك الوقت يتم إهالة التراب عليه وتزرع الأشواك في طريق الناس كل يوم. حقا كانت ثورة يوليو منعطفا في التاريخ الوطني.
أخذتنا من مشروع نهضتنا المصري إلى المشروع القومي فخسرنا شيئا من تاريخنا وحاضرنا لكن عوضه لنا النهضة التي كانت تبعث في الدول العربية حولنا بإيعاز من مصر وثورتها وزعيمها.
لكن أكبر خسارة كانت مع السادات كما قلت. فبعيدا عن الاقتصاد أعطت مصر وجهها إلى الجزيرة العربية بدلا من البحر المتوسط وبدأ الحديث عن المشروع الإسلامي لا القومي هذه المرة، بل ضد القومي أيضا لارتباط المشروع القومي بالديكتاتورية. لم يغير حسني مبارك شيئا من ميراث السادات الذي قتله من شجعهم على المشروع الإسلامي ! وترك مبارك الحبل على الغارب لأصحاب هذه الاتجاهات، ودون ضجيج ترك لهم الحياة والشارع الذي ازداد فقرا وبطالة ومرضا حيث وصل النهب إلى درجات غير مسبوقة.
وباعتبار أن الثلاثة من الجيش.عبد الناصر والسادات ومبارك اعتبرت ثورة يوليو ممتدة رغم إنها انتهت تماما مع وصول السادات إلى الحكم.كان السادات يلوم على عبد الناصر الاعتقالات في عهده ،وكان مبارك لا يلوم أحدا منهما بل يفعل ما هو سيئ فيهما.
الاعتقالات بالنسبة لناصر والنهب بالنسبة للسادات، وهكذا حدثت ثورة يناير التي رفعت الغطاء عن البلاعة التي صرنا نعيش فيها عهودا من القمع والفقر.
كان طبيعيا أن يتصدر الإخوان المسلمين المشهد فهم إنتاج العهود الثلاثة من القمع الناصري إلى التعاون الساداتي إلى التعاون والقمع في عهد مبارك. هؤلاء بدورهم راحوا يهاجمون ثورة يوليو. رغم أن مرسي كان يضطر أحيانا أن يحيي عبد الناصر بسرعة كما حدث في عيد العمال. هل كان يمكن أن يفعل غير ذلك؟ لكن على الجملة لم تأت فرصة لقيادي إخواني إلا وهاجم ثورة يوليو التي مضي على موت صاحبها أكثر من أربعين سنة. والمدهش أنهم، الإخوان، فعلوا مثل غيرهم.
فتحوا السجون لشباب الثورة وهاجموا القضاة وفتحوا باب النهب في الاستثمار ووضعوا رجالهم في الوظائف الكبرى. وقرروا أن يوزعوا كوبونات على الشعب يأكل بها كأننا في زمن الحرب. باختصار يشتمون ثورة يوليو ويفعلون أسوأ ما فيها حتي جاء 30 يونيو ليفتتح شهر يوليو بالقضاء على حكم الإخوان. وفي الرابع والعشرين من يوليو يطلب الفريق السيسي تفويضا من الشعب لمواجهة الإرهاب يحصل عليه يوم 26 يوليو ليكون شهر يوليو أسوأ الشهور على الإخوان الذين لم يعرفوا قيمة شهر يناير.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com