الإخوان في مصيدة الرئيس التركي.. الجماعة تهدد بـ"غزوة الصناديق".. وسحب دعم الـ2 % في انتخابات الرئاسة المقبلة
قبل نحو 10 سنوات، حاول الإخوان دفع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان القادم من خلفية تنتمى إلى مدارس الإسلام السياسى إلى مستنقع الصراع فى المنطقة، وبناء شبكة مصالح استغلالا لغضب الشعوب العربية الذى أزال الأنظمة القديمة بسبب عقود من الركود والبطالة والفقر والتراجع المهين فى كل سبل المعيشة على جميع المستويات.
ساندت تركيا الإخوان حتى وصلوا إلى سدة الحكم ولكنهم سريعًا وقعوا فى شرنقة تناقضاتهم وسعيهم للانفراد بالسلطة، تفاجأت السلطات التركية واهتزت بشدة بالسقوط المروع وحاولت إنقاذ الجماعة بكل الطرق بدلا من إعادة تقييم مواقفهم والاعتراف بالخطأ وصعدوا على جميع المستويات رغم إزاحتهم من حكم أكبر دولة فى المنطقة وتلى ذلك سقوط حكمهم من أغلب البلدان العربية بنفس السرعة التى جاءوا بها.
تنظيم منبوذ
أصبح التنظيم منبوذا ربما لأول مرة فى تاريخه من قواعده الشعبية بعد تورط أفراده فى العنف وتسربهم إلى التنظيمات الأكثر دموية بل والتنسيق مع أخطرها على الإطلاق ـ داعش ـ حسب ما اعترف به رموز محسوبة على الإسلام السياسى فى السلطة التركية مؤخرا.
تعلمت تركيا الدرس بعد أعوام من الخسارات المتتالية، اضطر الرئيس أردوغان لإنهاء سياسته الخارجية فى الشرق الأوسط وقدم سلسلة من التنازلات وسعى فى وقت متزامن لإصلاح مشكلاته مع بلدان المنطقة، وكانت القشة التى قصمت ظهر الإخوان المصافحة التى نقلتها وكالات الأنباء العالمية مع الرئيس السيسى خلال حفل افتتاح نهائيات كأس العالم لكرة القدم فى قطر برعاية الأمير تميم.
على الفور هاجمت الإخوان ـ وما زالت ـ الرئيس التركى، وانقلب أشياع الجماعة على من كانوا يعتبرونه الخليفة المنتظر، ولجأت مواقع الإخوان على رأسها بوابة الحرية والعدالة الذراع السياسى للجماعة لشن حملات تشهير ضد أدوغان.
فى أحد تقارير، قال موقع الحرية والعدالة إن السلطات التركية أصبحت تهمش قيادات التنظيم ومن يدور فى كنفه، إذ تم وضع قيود صارمة على الفضائيات التى كانت تناهض السلطة المصرية، وأُجبرتها على البث من دول أخرى، كما ألزمت الحكومة التركية رموز الجماعة السياسية والإعلامية بوقف أى هجوم على مواقع التواصل الاجتماعى واتخذت موقفا صارما ضد كل من ينتهك هذه التعليمات، واحتجزت حسام الغمرى، الإعلامى المحسوب على الإخوان، وما زال حتى الآن فى سجون الدولة التركية بسبب عدم التزامه بالتعليمات.
تكشف المواقع الإخوانية أن أغلب قيادات التنظيم أمام هذا التضييق التركى آثروا الرحيل عن أنقرة متجهين إلى بلدان أخرى بعد أن بات هناك خطر شديد على تواجدهم بسبب التقارب المستمر مع السلطة المصرية.
مصافحة الرئيس السيسي
سربت المواقع المحسوبة على الإخوان حالة الرعب الشديدة التى تجتاح كل صفوف التنظيم بسبب اندفاع الرئيس أردوغان فى تبنى فلسفة المصالح ـ حسب تعبيرهم ـ فى التعامل مع الأنظمة العربية، فما كان يراه أردوغان قبل سنوات وشن حملات ـ أخلاقية ـ على كل بلدان العالم بسببه، أصبح الآن يخالفه تماما.
لجأ الإخوان إلى طريقتهم المفضلة فى ابتزاز معارضيهم، وهددوا بشكل غير مباشر نظام أردوغان عندما بدأ يعمل ضد مصالحهم، ويلوحون الآن بعلاقاتهم داخل تركيا مع شبكات الإسلام السياسى التى قد تخسره نسبة من الأصوات كانت تؤيده على الدوام لاسيما أن انتخابات الرئاسة التركى على الأبواب فى منتصف 2023.
يشير الإخوان فى مواقعهم إلى إمكانية الإيقاع بالرئيس التركى لاسيما أنه فاز فى الانتخابات الماضية بفارق طفيف قد لا يزيد على 2% فقط؛ وينسى هؤلاء أن بقاء أردوغان فى السلطة هو الخيط الرفيع الذى يسمح لمن تبقى منهم فى تركيا بالاستمرار، وحال تغييره بأى سلطة أخرى، على الفور ستبحث فى تاريخ العقد الماضى، والإقامات المزورة التى حصلوا عليها، والجرائم المتهم فيها أعتى القيادات الإخوانية والمدرجة على قوائم الإنتربول، وكذلك الجنسية التركية التى منحت للبعض بطريقة معقدة ومتشابكة وغامضة.
فى المقابل يبدو أن شبكات الإسلام السياسى المؤيدة لأردوغان أصبحت تعلم جيدا خطورة الإخوان على السلطة التى تمنحها الحضور الكبير الحالى فى الحياة السياسية والاجتماعية التركية، بعد عقود طويلة من التهميش والحصار العلمانى، لهذا خرجت رموزها تؤيد تقارب أردوغان مع مصر، لما فى ذلك من أهمية إضافية للانتخابات الرئاسية بعد مصالحة مع الإمارات العربية المتحدة وترميم خلافات أردوغان مع ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان.
تفرغت القيادات القادمة من خلفية إسلامية فى السلطة التركية لتسويق أهمية الخطوة من منظور سياسى وليس عاطفى ويكشفون كيف تحول ميزان القوى فى شرق البحر المتوسط ضد تركيا لصالح اليونان، وازدياد تكلفة العزلة الإقليمية، مما اضطر أردوغان إلى تغيير مساره.
حسب التحليلات التركية المقربة من أردوغان التى تفرد مساحات كبيرة لأهمية مصافحة السيسى وأردوغان، كان التقليل من شأن مصر مكلفًا لتركيا بشدة، واعتبروه الخطأ الأكثر فداحة فى السياسة الخارجية خلال العقد الماضى فى المنطقة، إذ نتج عن ذلك مولد تحالفات لم تكن تتوقعها تركيا، وأصبح أصدقاؤهم التقليديون أعداء، بينما أصبح أعداؤهم التقليديون أصدقاء لحلفاء تاريخيين لهم، وهنا فقط اكتشفت الإدارة التركية أنه من غير الطبيعى أن تنفصل دولتان إقليميتان رئيسيتان مثل تركيا ومصر.
إنفراجة في العلاقات
هذه التفاعلات يراها الدكتور حامد فارس رئيس مركز الجمهورية للدراسات السياسية والإستراتيجية، والمحاضر بمعهد جنيف لفض المنازعات الإقليمية التابع للجامعة العربية، بداية حقيقية للانفراجة فى العلاقات المصرية التركية.
عودة تركيا إلى رشدها يمنح مصر مكاسب إضافية، إذ يمكنها من لعب دور محورى ووساطة فى نزاع شرق المتوسط بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى من منطلق علاقاتها ونفوذها الحالى فى هذا الملف، يقول فارس ويستكمل: بالتأكيد هناك ترتيبات تجرى الآن من أجل تبادل الزيارات خاصة بعد المصافحة التاريخية بين الرئيسين السيسى وأردوغان.
وعن موقف الإخوان ومحاولات الجماعة تخريب مساعى التقارب بين مصر وتركيا يقلل منه عمرو فاروق، الباحث فى شئون الجماعات الإرهابية، ويرى أن ملف الجماعة بالكامل سيحل قريبا من خلال المستوى الأمنى والمخابراتى بين البلدين، لافتا إلى أن المصافحة بين الرئيس السيسى والتركى رجب طيب أردوغان فى الدوحة سينتج عنها الكثير من الترتيبات المتعلقة بإنهاء ملف الإخوان والعناصر المراد تسلميها للقاهرة، لاسيما أن الدولة المصرية أرسلت أسماء المطلوبين عدة مرات ضمن النشرة الحمراء للإنتربول وفقا لأحكام القضاء المصرى.
يكشف فاروق أن القاهرة ترغب فى تسليم 53 متهما من قيادات الإخوان وعناصر التنظيم الدولى المتواجدين على الأراضى التركية وهؤلاء متورطون بحسب القضاء على ذمة قضايا متعلقة بالإرهاب، بعد أن جعلوا من تركيا ساحة انطلاق لممارسة نشاط عنيف ضد مؤسسات الدولة المصرية ورموزها منذ ثورة 2013.
نقلًا عن العدد الورقي…،