المآذن، أعلى بناء في العمارة الإسلامية نشأتها ووظائفها
كانت الوظيفة الأساسية، والأولى لـ "المئذنة"، والتي أُنشئت لأجلها، هي رفع "الأذان"، والمناداة للصلاة، ومن هنا فإن المآذن هي أعلى بناء في العمارة الإسلامية.
وكانت المناداة الأولى للأذان في عهد النبوة، قام بها الصحابي بلال بن أبي رباح، وهو ما اضطره في فجر الإسلام، إلى الصعود على سطح بيت مجاور، حتى يصل صوته إلى أقصى مكان في المدينة المنورة.
ولكن، ومع زيادة أعداد المسلمين، وبناء الأمصار، واتساع مساحات المدن، وتزايد البنايات وارتفاعها، بدأ التفكير في بناء كتلة معمارية خاصة برفع الأذان؛ حيث ترتفع عمّا سواها، فكانت "المِئذنة".
وترجع المآذن الأولى إلى بداية العصر الأموي، مع بناء معاوية بن أبي سفيان لـ"مئذنة العروس" في الجامع الأموي بدمشق، ثم زياد بن أبيه لمئذنة جامع البصرة، وعقبة بن نافع لمئذنة جامع القيروان في أفريقيا "تونس اليوم".
هكذا هي المئذنة، هي ليست مجرد كتلة حجرية صمّاء، وإنما تعبير عن دلالات ورمزيات.
المئذنة والفنارة
مع مرور الزمن أخذت المآذن تنفصل عن المساجد وتصبح بناء قائمًا بذاته، وأخذت تَكثُر وظائفها ورمزياتها، إضافة إلى تزايد الاهتمام بجمالها، وزخرفتها، والتفنن في تزيينها؛ فكانت المآذن بارتفاعها العالي ترشد المسافرين القادمين من بعيد إلى قُرب وصولهم الحاضرة، مثلها في ذلك مثل الفنارة في عرض البحر.
وفي داخل المدينة، كانت المِئذنة علامة دالّة على مكان العِبادة (المسجد)، ولظهورها وسهولة تمييزها، استُخدمت كنقطة مرجعية للاستدلال على دروب المدينة وأحيائها.
كما ارتبطت المِئذنة بوظائف إعلامية، فكان يُبنى في أعلاها شُرُفات خاصّة، وكانت تستخدم، بالإضافة إلى رفع الأذان، من أجل إذاعة الأخبار وقراءات البيانات الرسمية.
مع انتشار المآذن في مدن المسلمين، أصبحت جزءًا أساسيًا من خط السماء للمدينة، لتصبح بذلك مكونًا أساسيًا لهويتها وطابعها العام.
مدينة الألف مئذنة
واشتهرت مدن عديدة بكثرة مآذنها كمدينة القاهرة، التي عُرفت بأنّها "مدينة الألف مئذنة"، ومدينة إسطنبول، التي اشتهرت بالمآذن المدببة التي تشبه الحراب.
ومنذ فجر التاريخ الإسلامي، كان وجود المئذنة دالًا على وصول الإسلام وانتشاره، وقد استخدم العثمانيون المآذن لتأدية هذه الدور في المناطق الأوروبية من دولتهم.