سيناريو تدمير القيصر الروسي.. خطة أوروبية لتجميد أصول موسكو المالية.. وتحميل الكرملين فاتورة إعادة تعمير أوكرانيا
تتشاور أغلب دول الاتحاد الأوروبى حاليا فى سيناريو الانتقام من القيصر الروسى فلاديمير بوتين، تتحد فى الاتفاق على آلية موحدة لمعاقبة روسيا بالطريقة المناسبة وتحميلها الجانب الأكبر من إعادة إعمار أوكرانيا وإنعاش اقتصادها الذى خرب بصورة كبيرة من جراء الحرب الدائرة مع موسكو، ويبدو أنه لا بديل عن مصادرة أصول الأموال الروسية التى سبق أن جمدها الاتحاد الأوروبى بجانب استقطاع أموال كبيرة لتعويض ضحايا العدوان العسكرى الروسى.
حشد أوروبي
الحشد الأوروبى حول هذه البنود رسالة بالتأكيد، هدفها الأساسى تحميل روسيا عواقب ما تسببت به فى أوكرانيا، إضافة إلى قطع وإنهاء أى روابط اقتصادية متبقية بين الاتحاد الأوروبى وموسكو حال عدم توقفها عن العدوان العسكرى ضد أوكرانيا لضمان عدم مساهمة أى من الثروات الأوروبية المالية أو منتجاتها فى خدمة آلة الحرب الروسية.
المناقشات كانت ولا تزال فى مراحلها الأولية، حيث يدرس الخبراء القانونيون إعادة النظر فى الأسس القانونية القائمة لإمكانية مصادرة جزء من تلك الأصول المجمدة لدى الاتحاد لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا، وذلك حسبما أفادت وكالة «بلومبرج» الأمريكية فى تقريرها الصادر نهاية شهر نوفمبر الماضى.
كانت ورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، فى حديثها أمام البرلمان الأوروبى، قالت إن المفوضية لن تتنتظر انتهاء الصراع الدائر، بل تعد إطارا قانونيا لنقل الأصول الروسية المجمدة وأصول الأوليجارشيين الروس لاستخدامها فى تغطية احتياجات إعادة إعمار أوكرانيا، وذلك من خلال جمع العقول الأكثر فطنة وخبرة للقيام بتلك المهمة الصعبة، خاصة أنه لا توجد قوانين فى الاتحاد الأوروبى تصلح للقيام بتلك المهمة التى وصفتها روسيا بأنها عملية سرقة صريحة.
ولا يعنى ذلك أن الكنز الروسى لا يمكن المساس به إلى الأبد، ففى الغالب يتم الاتفاق حول معظم التعويضات حين تنتهى الحرب، وكشرط أيضًا لفك تجميد الأصول الأجنبية، ويبدو أن بوتين لا يزال بعيدا عن التفكير فى السلام، لكن إذا فكر فيه قد يكون القبول بذهاب بعض المال إلى أوكرانيا الثمنَ الذى يجب عليه سداده مقابل عودة بعض أصوله الخاصة، بما فى ذلك يخت فاخر بملايين الدولارات.
تجميد أصول
وعلى الرغم من صعوبة تلك المهمة لكن المفوضية الأوروبية أشارت إلى أن الكتلة التجارية منعت بالفعل نحو 319 مليار يورو أى ما يعادل 330 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة حتى يمكن إعادة استثمارها فى أوكرانيا بشكل خاص، إضافة إلى منع 300 مليار يورو من احتياطيات البنك المركزى الروسى وتجميد 19 مليار يورو من أموال الأوليجارشية الروسية، وذلك أملا فى إنشاء هيكل مع شركاء الاتحاد لإدارة هذه الأموال واستثمارها ومن ثم استخدام العائدات لأوكرانيا.
وبحسب التقييمات الأولية للأضرار التى نجمت عن النزاع منذ بدء العملية العسكرية الروسية فى الأراضى الأوكرانية يرى البنك الدولى والمفوضية الأوروبية والحكومة الأوكرانية أن تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا وإنعاش اقتصادها تتخطى الـ600 مليار دولار، وذلك فى حال توقف الصراع الدائر فقط.
لكن الواقع أن التكلفة أكبر بمقدار مرة ونصف مرة من إجمالى الناتج المحلى الأوكرانى المسجل فى العام 2021، حيث إن هذه التكلفة تشمل أيضًا الأضرار التى ألحقتها المعارك بالبنى التحتية والمنشآت السكنية والصناعية.
وبشأن مصادرة أصول روسيا لإعادة إعمار أوكرانيا ومدى تفجير ذلك لمعركة انتقامية ضد الغرب، قال اللواء أركان حرب الدكتور محمد الشهاوى مستشار كلية القادة والأركان وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن الحرب الروسية الأوكرانية أسفرت عن ولادة أسلحة الاضطراب الشامل من خلال الحصار الاقتصادى والسياسى والعقوبات المغلظة.
وتابع: هناك الآن تجميد لأرصدة احتياطى العملات الأجنبية لروسيا لدى البنوك المركزية الغربية بإجمالى 630 مليار دولار، ولكن المخاوف من قيام الولايات المتحدة الأمريكية بمصادرة أصول النقد الأجنبى الروسى وليس تجميد الأرصدة فقط سيجعل لهذه الحرب تأثير مضاعف على العالم أجمع اقتصاديًا واجتماعيًا.
الإنفاق العسكري
وأضاف أن هناك إنفاقا عسكريا كبيرا من قبل روسيا فى هذه الحرب وتخسر مئات الملايين يوميًا، بالإضافة أيضًا إلى أن أوكرانيا حتى الآن حصلت على 100 مليار جنيه دعم عسكرى لها من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية التى تعتبر بمنزلة ديون سيتم ردها مرًة أخرى بعد انتهاء هذه الحرب.
وأوضح الشهاوى أن أصول روسيا لا يمكنها المساعدة فى إعادة إعمار أوكرانيا، وذلك نظرًا لأن روسيا لن تسمح ولن ترضى بذلك، فهى ترى أن إعادة إعمار أوكرانيا يجب أن يتم من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية التى ساعدت أوكرانيا على الدخول فى مغامرة غير محسوبة كان نتيجتها دمار دولة وشعبها، فموسكو ترى أن ما قامت به تجاه أوكرانيا هو حفاظ على أمنها القومى نظرًا لأن كييف بالنسبة لها هى المجال الحيوى روسيا.
ومن جانبه قال مدير التحالف الأمريكى الشرق أوسطى للديمقراطية توم حرب، إنه إذا فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى عقوبات على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لإعادة إعمار أوكرانيا، سيغضب ذلك الرئيس الروسى مما يدفعه لاتخاذ إجراءات ضد أوروبا، وخاصة أننا قادمون على فصل الشتاء، فكل جهة اليوم تعلى صوتها وتتخذ مواقف صارمة، لكن فى نهاية المطاف سيجبر الجميع بالجلوس على طاولة مفاوضات ووضع حل لعملية الاستنزاف المستمرة فى أوكرانيا.
وتابع: «الكونجرس الجديد القادم فى واشنطن بعد رأس السنة، يرى أنه لم يكن هناك حساب مفتوح لمصلحة أوكرانيا، فهؤلاء النواب الجدد الذين انتخبوا من قبل الشعب الأمريكى سيطالبون من نوابهم الالتزام بالوضع الداخلى والمعيشة الداخلية والتضخم المالى ضمن الولايات المتحدة وعدم التفريط فى الأموال والإبقاء على مساعدة أوكرانيا بدون شروط
استكمل: كما سيطلبون من الرئيس الأمريكى جو بايدن فرض طاولة حوار بين أوكرانيا وروسيا، وعندئذ سيجلس الطرفان للتفاوض، وبدون شك سيرفض بوتين أى عقوبات اقتصادية ودفع أى موال تجاه إعمار أوكرانيا، مضيفًا: «شاهدنا أمس المناورات العسكرية بين الصين وروسيا وكذلك الوضع فى سوريا، وكل تلك الملفات الشائكة خارج الحرب بأوكرانيا ستكون ضمن المفاوضات التى سيفرضها بوتين على دول الغاز».
واستطرد حرب حديثة قائلًا: المحافظة على شرق أوكرانيا من قبل روسيا سيتم بشكل أو بآخر، نظرًا لأنها تابعة لروسيا أو بها جمهوريات مستقلة حليفة لروسيا على البحر الأسود، فهى ترغب فى الحفاظ على مكانتها فى السيطرة على البحر الأسود، مشيرا إلى أن أى أموال مجمدة للروس ستأخذ وقتا طويلا لرفع التجميد عنها، ولكن فى نهاية المطاف ستحصل عليها روسيا بسبب الملفات التى تمسك بها على شاكلة الصين وكوريا الشمالية وإيران.
أضاف: عندما بدأت الثورة الإيرانية منذ أكثر من 40 سنة، والولايات المتحدة تجمد أموالا، لكن م لاحظنا أنه بعد مرور 40 عامًا تخلى الرئيس الأمريكى الأسبق أوباما عن الأموال المجمدة لمصلحة إيران، بل دفع فائدة عليها لأن القوانين الأمريكية ليست بالسهولة التى تمكن أى حكومة تمسك بزمام السلطة أن تحتفظ بهذه الأموال أو تستخدمها فى إعادة إعمار بلد آخر.
أوضح الخبير أن تلك الآراء والحلول السابق ذكرها توحى بأن محاولات احتجاز الأصول الروسية أثناء دوران رحى الحرب ستواجه واحدا من ثلاثة مزالق، ما لم تتخل البلدان الغربية عن ضمانات الحماية التى تقدمها للأفراد والدول ستخاطر بقضاء سنوات عديدة أمام المحاكم، وإذا تخلت عنها يمكن أن تعرض للخطر الثقة التى تشكل دعامة اقتصاداتها ومجتمعاتها، وقد يدفع اقتراح المزيد من هذه الأفكار إلى رد فعل انتقامى من روسيا وغضب باقى العالم.
نقلًا عن العدد الورقي…