المفتي: على العلماء إنقاذ شباب الأمة من التطرف والإرهاب والإلحاد
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إنه من المعلوم أنَّ العلماء هم ذخيرة الأمة الإسلامية، وهم مصابيح الهدى في ليالي الدجى، وملاذها الآمن الذي به تلوذ؛ لأنهم الموقِّعون عن رب العالمين، وورثة خاتم الأنبياء والمرسلين، موضحًا أن هذا اصطفاء وتشريف من الله تعالى، لكنه في الوقت ذاته تكليف كبير، ومَهمة جسيمة، ومن أجل ذلك وجب على العلماء الذين أقامهم الله تعالى في مقام الوراثة المحمدية، أن يأخذوا هذا الأمر بحقه وأن يعدوا لهذا الأمر عدَّته.
جاء هذا خلال كلمة المفتي في افتتاح فعاليات الدورة الدولية العلمية المتخصصة لأئمة دولة الجزائر، التي يستضيفها مسجد النور بالعباسية تحت رعاية وزارة الأوقاف، بحضور مفتي الجمهورية، والشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حيث وجَّه فضيلة المفتي الشكر إلى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، لعقد هذه الدورة الهامة في إطار الدَّور الريادي لجمهورية مصر العربية، ودَور وزارة الأوقاف في نشر الفكر الوسطي المستنير داخل مصر وخارجها، مؤكدًا عمق العلاقات بين مصر ودولة الجزائر الشقيقة، وأننا لكي نفهم العالم المتغير المعقد والمتشابك الأطراف نحتاج إلى البصيرة والوقوف على أبعاد الواقع.
كما وجَّه الشكر إلى العلماء المشاركين في الدورة من دولة الجزائر، حيث يضم وفد أئمة الجزائر (19) عالمًا من أئمة وقيادات وزارة الشئون الدينية والأوقاف بدولة الجزائر الشقيقة، مؤكدًا في كلمته أن الأمة عبر تاريخها الطويل وأجيالها المتعاقبة في حاجة ماسَّة إلى جهود أهل العلم وتوجيههم وإرشادهم، كما أنهم في هذه الحقبة العصيبة الحرجة من تاريخها في أمسِّ الحاجة أيضًا إلى العلماء.
وأضاف: نحن حينما نتكلم عن أهمية التكوين العلمي والتأهيلي للعلماء من أجل تجديد الخطاب الديني، ومواكبة التطورات العصرية من الأفكار والأحداث والمتغيرات، فإننا نتجاوز الكلام على مراحل التحصيل العلمي التقليدية بمختلف مراتبها من تحصيل علوم اللغة العربية وعلوم الفقه والأصول والقواعد وتاريخ التشريع وعلم الوضع والمنطق والمقولات والتوحيد والحديث... إلخ، موضحًا أن هذه جذور وأسس ثابتة في تكوين العالم لا بد منها ولا جدال فيها، لكنها في واقع الأمر غير كافية وحدها لقيام العالم بواجب وقته ومهام عصره التي كلَّفه الله بها، بل لا بد على العالم أن يكون مدركًا لشأنه عالمًا بزمانه، ملمًّا بالضروري والمهم من لغة وثقافة العصر وعلوم الواقع وهموم الناس وما يشغلهم، حتى يجمع بين التأصيل الشرعي والتواصل المعرفي.
وأشار المفتي إلى قول الإمام القرافي رحمه الله تعالى في التعبير عن هذا المعنى حيث قال في الفروق: "فمهما تجدَّد في العرف اعتبره ومهما سقط فأسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك... إلى أن قال: فالجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين".
وقال فضيلة المفتي: إن الأحداث التي تمرُّ بها الأمة الإسلامية الآن وخاصة ما يتعلق بقضايا العنف والإرهاب وكذلك قضايا الإلحاد، وأيضًا محاولة فرض نموذج معرفي غريب عن أخلاقنا وقيمنا المستمدة من شرعنا الحنيف، تتطلب أن يعكف العلماء على دراسة النماذج المعرفية والفلسفات المعاصرة المختلفة دراسة وافية دقيقة وعميقة، وأن يضعوا من خلال التعمق في فهم واستيعاب النموذج المعرفي الإسلامي إجابات شافية ووافية لكافة الأسئلة والإشكالات العصرية، التي تجيش في صدور أبنائنا وتشغل عقولهم وقد تجنح بهم الإجابات الخاطئة المضللة إلى وجهات غير محمودة وعواقب غير مأمونة، مؤكدًا أنَّ هذا هو المعنى الدقيق لتجديد الخطاب الديني الذي كان عمل الأئمة المجتهدين عبر العصور.
وفي معرض حديثه تساءل فضيلة المفتي: "مَن لأمَّة الإسلام إذا لم يقم علماؤها الأجلاء بهذا الدور العظيم، ومن ينقذ شباب الأمة من التطرف والإرهاب والإلحاد وشيوع الأفكار المشككة حول دين الإسلام الحنيف وحول القرآن الكريم؟! من ينقذ الشباب والأمة من سطوة النماذج المعرفية الغربية التي تحاول فرض قيمها باسم الحرية والتحرر إلا العلماء العاملون الذين جمعوا بين التعمُّق في علوم الشريعة الإسلامية وعلوم الواقع.
وفي ختام كلمته قال فضيلة مفتي الجمهورية: إن شرف الغاية ورفعة المقصد الذي أقامنا الله تعالى فيه يستحق منا أن نبذل كل غالٍ ونفيس من جهد ووقت ومال، من أجل التكوين المعرفي والعلمي الذي يساعدنا على مواكبة العصر ومواجهة التحديات وتجديد الخطاب الديني الذي هو واجب الوقت.