نهاية الناتو.. القارة العجوز تتمرد على الهيمنة الأمريكية بتأسيس الجيش الأوروبي الموحد
يبدو أن تداعيات الحرب الأوكرانية لن تقف عند حدود الأزمات الاقتصادية والمالية التى طالت العالم أجمع، بل ستسهم فى إعادة بناء التحالفات الغربية من جديد، بعد أن أيقظت الدول الأوروبية من غفلتها وكشفت لها مشكلات اعتمادها على حماية الولايات المتحدة الأمريكية دون غيرها، ما دعاها للتفكير فى إنشاء جيش أوروبى موحد حال نجاحه سيكتب نهاية حلف الناتو ويسهم أكثر فى هدم النظام الدولى القائم وينهى أيضا الهيمنة الأمريكية على الغرب قبل الشرق.
جيش أوروبي
وأصبح حلم إنشاء جيش أوروبى قريب المنال، وذلك بعد الاتفاق على إنشاء قوة ردع أوروبية مشتركة فى العام المقبل، حيث من المحتمل أن تصبح هذه القوة هى النواة التى يبنى عليها الجيش الأوروبى الموحد.
وعلى الرغم من أن فكرة إنشاء جيش أوروبى ليست وليدة الأمس، ولكن الحرب الروسية الأوكرانية أصبحت من أكبر العوامل التى ساهمت فى إحياء هذه الفكرة بعد موتها منذ سنوات على يد الولايات المتحدة الأمريكية.
العودة لفكرة إنشاء جيش أوروبى موحد واعتماد القارة العجوز على نفسها خلال الفترات الأخيرة بدأ مع تولى الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب دفة الحكم وتبنيه سياسة عدائية وانتهازية تجاه أوروبا ما تسبب فى خلق حالة من الشك لدى الأوروبيين من حقيقة تحالفهم الدائم مع واشنطن، والاعتماد على حلف الناتو فى الدفاع عن أراضيهم، وهنا بدأ التفكير فى إنشاء قوة عسكرية خاصة وحشد لها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.
كان دونالد ترامب هدد بسحب القوات الأمريكية من أوروبا بسبب خلافه مع قادة دول القارة العجوز على الإنفاق العسكرى فى حلف الناتو.
البداية من فرنسا
تاريخيا ظهرت الفكرة للمرة الأولى عام 1950، وأطلقتها فرنسا أيضا بهدف تعزيز الدفاع ضد الطموح السوفييتى وقتها، لكنَّ أمريكا أفشلت هذا المسعى بحجّة عدم الحاجة إلى وجود جيش أوروبيّ فى ظلّ وجود حلف شمال الأطلسى «الناتو»..
عادت الفكرة للطاولة من جديد فى عام 1999 وبعدها عام 2007 الذى شهد توقيع اتفاقية بين دول أوروبا لإنشاء أول كتيبة لمجموعات مسلحة أوروبية، بغرض الاستجابة للأزمات العالمية، لكن لم يتمّ تفعيل تلك الكتيبة.
أمريكا دائما هى أكبر عنصر فعال فى منع أى تحالف عسكرى أوروبى بعيدًا عنها، وذلك من أجل ضمان فرض سيطرتها وآرائها على حلفائها فى القارة العجوز، وظهر ذلك بشكل واضح فى تحفيز واشنطن لبريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى والعمل على تفكيكه.
فى عام 2018 أطلق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تصريحه الشهير الذى كان بمثابة إحياء لفكرة الجيش الأوروبى وقال بوضوح: «لن تحترمنا الولايات المتحدة كحلفاء إلا إذا كانت شئوننا الدفاعية ذات سيادة، لهذا على أوروبا بناء استقلالها كما تفعل الصين».
لم تصمت أمريكا كثيرا ودعمت حركة أصحاب السترات الصفراء والتى رجحت تقارير إعلامية أنها رد أمريكى واضح على تصريحات ماكرون لإنشاء جيش أوروبى بعيدا عنها.
كانت خطط الرئيس الفرنسى ماكرون تذهب إلى إنشاء وحدة عسكرية عددها 5 آلاف عسكري، مدعومة بسفن وطائرات حربية ودبابات ومدرعات وأسلحة ثقيلة، يُطلق عليها اسم «قوة الدخول الأول».
وحصل ماكرون على موافقة 13 دولة أوروبية فى عام 2020 لتنفيذ الفكرة، وعلى رأس هذه البلدان ألمانيا، كما خصص الاتحاد الأوروبى فى ميزانيته بندًا لتفعيل جيشه بهدف نقل هذا الاتحاد من قوة اقتصادية إلى قوة عسكرية أيضًا، تكون قادرة على القيام بمهمات عسكرية تحت مظلة أوروبية.
وكشف الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، عن موعد بدء قوة الردع السريع الأوروبية والتى ستكون تابعة للاتحاد، فى مطلع العام المقبل.
الممثل الأعلى لشئون الأمن فى الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل قبل اجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي، أعلن أن قوة الردع السريع التابعة للاتحاد الأوروبى يجب أن تكون جاهزة للنشر فى عام 2023 مضيفا: هذا ما تقوله البوصلة الاستراتيجية وهذا ما يجب أن يحدث».
تم توضيح الهدف من إنشاء قوة الردع السريع فى الاستراتيجية الأوروبية التى تعرف باسم «البوصلة الاستراتيجية والتى تم إقرارها فى مارس الماضى على أنها تتخصص فى الدفاع عن الدول الأوروبية بالكامل.
كما سيتعين على دول الاتحاد الأوروبى فى إطار الإستراتيجية الدفاعية الجديدة «البوصلة الإستراتيجية»، إجراء تدريبات مشتركة منتظمة فى البحر والبر وزيادة التنقل العسكري، وتعزيز المهام المدنية والعسكرية كجزء من سياسة الدفاع والأمن المشتركة فى الوقت نفسه لن يتم إنشاء جيش أوروبى واحد.
أمريكا ضد الفكرة
فى هذا السياق، قال المحلل العسكري، اللواء محمد عبد الواحد، إنه تم إعادة إحياء فكرة إنشاء جيش أوروبى موحد خلال السنوات الـ 5 السابقة، ولكنها لم تلق ترحيبا كبيرا فى القارة العجوز بسبب الولايات المتحدة الأمريكية، والتى استطاعت أن تخمدها من خلال سياسات حلف الناتو.
وأكد الخبير العسكري، أن فكرة الجيش الأوروبى الموحد ظهرت كثيرا على مدى السنوات الماضية خلال أحداث بارزة من ضمنها أحداث11 سبتمبر، والتى أدركت بعدها أوروبا أن أمريكا ليست على القوة الكافية لضمان أمن القارة العجوز كما كان يعتقد.
ويدرك قادة الاتحاد الأوروبى آنذاك، أن حلف الناتو يخدم المصالح والأهداف الأمريكية وليس الأوروبية، خاصة من خلال الحروب التى دخل فيها الناتو وعارضتها بعض الدول الأوروبية كما كان فى حرب العراق وغيرها من الحروب التى تخدم المصالح الأمريكية فقط، لذلك بدأت أوروبا فى التفكير فى إنشاء جيش أوروبى موحد يدعم المصالح الأوروبية.
وما يعزز فكرة الجيش الأوروبى الموحد ومدى نجاح هذه الفكرة العودة لما حدث فى عام 2009، حينما أخرجت الدول الأوروبية قوة موحدة فى مهمة لمكافحة القرصنة بالصومال عرفت «بأتلانتا»، والتى مقر قيادتها فى بريطانيا.
وذكر اللواء محمد عبدالواحد، أن دائما ما كانت تطرح فكرة الجيش الأوروبى الموحد، خلال فترة رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبى والتى لاقت دعما ألمانيا وبدأت برلين الشروع فى تنفيذ الفكرة ولكن بأسلوب جديد فى عام 2019، حينما أنشأت فرقة موحدة مع هولندا، شاركت فيها الأخيرة بالجنود وألمانيا بالدبابات بهدف تعويض النقص فى الجيش الألماني.
وأوضح عبدالواحد أن الاتحاد الأوروبى تبنى استراتيجية دفاعية جديدة فى عام 2020، للخروج من عباءة الناتو ضد كل القيم التى تهدد القيم الأوروبية وعلى رأسها روسيا.
وتابع:» ثم جاءت جائحة كورونا وعطلت هذه الفكرة بسبب انشغال البلدان بالتركيز على مكافحة الأزمة، الأمر الذى ساعد واشنطن على صرف أنظار حلفائها الأوروبيين عن هذه الفكرة».
وتوقع اللواء محمد عبد الواحد نجاح فكرة قوة الجيش الأوروبى الموحد على المدى الطويل حال نجاح إطلاق قوة الردع السريع الأوروبية الأمر الذى سيدشن لنظام عالمى جديد ونهاية حتمية للناتو.
وعلى الجانب الآخر قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومى إن أمريكا لن تكون راضية عن وجود قوة أوروبية موحدة بعيدا عن حلف الناتو.
وأوضح جمال بيومى أن أمريكا فى الأساس غير راضية عن أى تحالفات أوروبية سواء سياسية أو اقتصادية بعيدا عنها ودائما ما تحاول تفكيك الاتحاد الأوروبى وإنهاء فكرة العملة الموحدة لأنها تنافس الدولار.
وأكد بيومى أن أمريكا تريد أن تكون أوروبا فى موضع ضعف وذلك من أجل ضمان ولاء دول القارة لإرادتها، مشيرا إلى أن أوروبا عملاق اقتصادى ولكنها قزم سياسى وأمنى لا تستطيع حل مشاكلها الداخلية بدون وجود واشنطن، وهذا ما تريده أمريكا دائما.
وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى فكرة إنشاء الجيش الأوروبى الموحد، ستقوض حلف الناتو فى حال اكتمالها وهذا ما ترفضه أمريكا ناهيك أن ألمانيا لا تؤيد الانفصال النهائى عن أمريكا.
نقلًا عن العدد الورقي…