معيط: تناغم السياسات المالية والنقدية والإصلاحات الهيكلية يضمن عبور الأزمة الاقتصادية
قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي، حيث نشهد تتابعًا لأزمات عميقة ومركبة ومتداخلة، تعصف بالاقتصادات النامية والناشئة والمتقدمة على حد سواء، ويعاني من تبعاتها المواطنون في كل أنحاء العالم والمستثمرون ورجال الأعمال والحكومات أيضًا، وتشير التوقعات الأخيرة لصندوق النقد الدولي إلى تباطؤ النمو العالمي من ٦٪ عام ٢٠٢١ إلى ٣،٢٪ عام ٢٠٢٢، ثم ٢،٧٪ عام ٢٠٢٣، وهو ما يمثل أضعف أنماط النمو على الإطلاق منذ عام ٢٠٠١ باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحرجة من جائحة كورونا.
معدل التضخم العالمي
وأضاف وزير المالية خلال كلمته بمؤتمر الرؤساء التنفيذيين «CEO Thoughts2022»، أن معدل التضخم العالمي ارتفع من ٤،٧٪ عام ٢٠٢١ إلى ٨،٨٪ عام ٢٠٢٢، ومن المتوقع أن يتراجع عام ٢٠٢٣ إلى ٦،٥٪ وصولًا إلى ٤،١٪ عام ٢٠٢٤، وتتوقع منظمة التجارة العالمية تباطؤ نمو التجارة العالمية عام ٢٠٢٣، حيث أكد مؤشرها للتجارة السلعية المعلن في ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢ أن هناك تراجعًا عالميًا فى تدفقات التجارة السلعية إلى مستوى ٩٦،٢ مقارنة بخطط الأساس المئوي، وعلى هذا النحو تعطي الأوضاع العالمية لعنوان هذا المؤتمر: «عام التحديات الكبرى» أهمية إضافية، حيث إن هذه التحديات لن نتمكن من تجاوزها سواء عالميًا أو محليًا إلا عبر التكاتف والعمل المشترك.
وأشار إلى أن هذا الوضع ناجم عن مجموعة من الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي بداية من تبعات جائحة كورونا وما تبعها من اضطراب شديد في سلاسل الإمداد والتوريد والموجة التضخمية، ثم حرب روسيا وأوكرانيا وتأثيراتها على أسعار الطاقة، والمواد الغذائية، والأسمدة، وسلاسل الإمداد، وهو ما انعكس على تأثر تدفقات الاستثمارات عالميًا، والتحرك التصاعدي لأسعار الفائدة في أغلب الدول، وهو ما ألقى بظلال وخيمة وخلق مصاعب جمة على فرص التعامل مع أسواق المال الدولية كمصدر لتمويل التنمية خاصة من جانب الدول النامية.
سبيل الخروج من الأزمات
وألمح إلى أن سبيل الخروج من هذه الأزمات المتوالية، وفقًا لرؤى المؤسسات المالية الدولية هو اتباع سياسات نقدية تشددية تعمل على كبح جماح التضخم واستعادة استقرار الأسعار، مع توجيه سياسة المالية العامة نحو تخفيف الضغوط الناجمة عن ارتفاع تكاليف المعيشة، وذلك في إطار متسق ومتناغم مع السياسات النقدية، إضافة إلى تطبيق إصلاحات هيكلية تسهم في مواجهة التضخم عبر تشجيع القطاعات الهيكلية والحد من تأثيرات تضرر سلاسل الإمداد، فضلًا على اتباع سياسات عالمية مشجعة للنمو على المستوى متعدد الأطراف مع تسريع مسار التحول للطاقة والاقتصاد الأخضر.
السياسات المالية والنقدية
وتابع: على مستوى الحكومة المصرية، فإننا على قناعة بأن السياسات المالية والنقدية والإصلاحات الهيكلية يجب أن تسير معًا في تناغم حتى نعبر هذه الفترة الصعبة، وجاءت استضافة مصر لمؤتمر قمة المناخ بشرم الشيخ الشهر الماضي كدليل على التزامنا بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، كما تطرح الدولة العديد من المبادرات وتوفر دعمًا متعدد الأوجه لمشروعات الطاقة الخضراء، ومن أبرزها مشروعات إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأكد أن مصر تعمل على الصعيد الدولي بتنسيق العديد من الجهود لتخفيف الأعباء الاقتصادية على الدول النامية، وفي هذا السياق تتبنى وزارة المالية المصرية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة وجامعة اكسفورد مبادرة دولية لتشجيع وتيسير مبادلة الديون الحكومية للدول النامية والناشئة والأكثر تضررًا لصالح مشروعات تمويل المناخ، وقد تم الإعلان عن هذه المبادرة خلال «يوم التمويل» الذي قامت وزارة المالية بتنظيمه يوم ٩ نوفمبر ٢٠٢٢ بحضور عدد كبير من قادة ورؤساء منظمات مالية دولية وإقليمية ووزراء مالية عدد من الدول.
كما أنه على الصعيد الداخلي، بعث اتفاقنا الأخير مع صندوق النقد الدولي رسالة للداخل والخارج معًا، تؤكد فيها الحكومة المصرية اتباعها لسياسات اقتصادية مالية ونقدية متزنة، تراعي الأبعاد الاجتماعية، وتتيح خلق بيئة مواتية لنمو اقتصادي مستدام ومتوازن، يقوم فيه القطاع الخاص بدور رائد على صعيد تمويل التنمية ودفع عجلة الإنتاج وخلق الوظائف.
وأكد أن ذلك يأتي تنفيذًا للالتزام الدستوري وفقًا للمادة ٣٦ التي تنص على «أن تعمل الدولة على تحفيز القطاع الخاص لأداء مسئوليته الاجتماعية في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمعي»، فإن تهيئة المناخ أمام القطاع الخاص للقيام بهذا الدور قد أصبح أولوية قصوى ضمن مهام الحكومة، التي قامت بالعديد من الجهود في هذا المضمار منها: إعداد «وثيقة سياسة ملكية الدولة» والتى أقرها مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضى والتي تسهم في توفير بيئة مستقرة وآمنة ومحفزة للاستثمار الخاص المصري والأجنبي، لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد لتصل إلى ٦٠٪ من إجمالي الاستثمارات على المستوى القومى، كما حرصت الدولة على التطبيق الفعَّال لسياسات تدعم المُنتِج والمُصدر المصري، وقامت وزارة المالية من خلال برنامج «رد الأعباء التصديرية» بسداد 37.5 مليار جنيه لأكثر من ٢٥٠٠ شركة مُصدّرة خلال العامين والنصف الماضيين وسوف يتم سداد أكثر من خمسة مليارات جنيه هذا الشهر بهدف دعم المصدرين والمصنعين وتوفير السيولة لهم.
والمح إلى أنه استمرارًا لتشجيع القطاع الخاص على تجاوز تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، تم إقرار حوافز ضريبية وغير ضريبية للمستثمرين منها إعفاء القطاعات الصناعية من الضريبة العقارية بداية من يناير ٢٠٢٢ مع تحمل الخزانة العامة لهذه الضريبة لمدة ٣ سنوات، وإنشاء وحدة دائمة بمجلس الوزراء لحل مشكلات المستثمرين تتكامل معها وحدة دعم المستثمرين بوزارة المالية.
التنسيق مع البنك المركزي المصرى لتيسير منظومة الإفراج
واشار إلى أن وزارة المالية من خلال مصلحة الجمارك بالتنسيق مع البنك المركزي المصرى نعمل على تيسير منظومة الإفراج عن الخامات ومستلزمات الإنتاج لكل المشروعات.
وتابع أنه رغم الصورة الضبابية لمستقبل الاقتصاد العالمي في الأجل القريب، إلا أن اتباع الحكومة المصرية لسياسات اقتصادية منضبطة ومتوازنة بتوجيهات ومتابعة من رئيس الجمهورية، مكننا منذ عام ٢٠١٦ من تجاوز العديد من المصاعب الاقتصادية مثل أزمة الأسواق الناشئة في 2018 وأزمة جائحة كورونا في 2020، وآخرها تداعيات الحرب في أوروبا بأقل الأضرار، وكان من أبرز مظاهر ذلك فترة الإصلاح الاقتصادى في 2016 كوننا أحد الاقتصادات المعدودة على مستوى العالم، التي حققت معدل نمو اقتصادي إيجابيًا خلال «الجائحة»، وذلك بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي الناجح الذي بدأ عام ٢٠١٦، وامتد هذا النجاح ليتيح لنا تقديم مظلة حماية اجتماعية للعديد من فئات وقطاعات المجتمع التي عانت من تبعات الأزمة العالمية مع الحفاظ على استقرار الأسواق الداخلية وتوافر كل السلع الأساسية.
الإصلاح الاقتصادي
وأكد ان الإصلاح الاقتصادي مكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الخارجية واحتياجات مجتمعنا رغم تعاقب الأزمات الاقتصادية العالمية، إضافة إلى الحفاظ على التصنيف الائتمانى لدى مؤسسات التصنيف العالمية على عكس عدد كبير من الدول ناهز الأربعين تأثر تصنيفها سلبًا.
واستطر: لا أقصد بهذا الطرح أننا قد تجاوزنا كل المصاعب أو وجدنا كل الحلول لمشكلاتنا، أو أننا غير متفهمين للتحديات التي تواجه الاقتصاد القومى ومجتمع الأعمال والمواطن المصرى، ولكنني أستطيع القول إن اقتصادنا يتمتع بأسس متينة، وبنية قوية، ويمتلك مقومات الانطلاق والنجاح رغم كل التحديات، ولعل تجاوز الصادرات المصرية غير البترولية ٣٢ مليار دولار عام ٢٠٢١ لأول مرة يمثل بداية مشجعة ومحفزة للوصول إلى الهدف الذي أعلنه رئيس الجمهورية وهو ١٠٠ مليار دولار من الصادرات، وهو ما لن يتحقق إلا بوجود قطاع خاص مصري قادر على العمل والتطور وخلق فرص عمل والنفاذ للأسواق الخارجية السلعية والخدمية.
وأختتم: الدعم المُقدم للقطاع الخاص يشمل المستثمر المصري والأجنبي، إذ أننا نُقدّر دور الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمشتركة فى دعم مسيرة التنمية ونقل التكنولوجيا في إطار اقتصاد عالمي مفتوح للمنافسة تقوم فيه الدولة بدور المنظم الاقتصادي؛ بما يكفل عدالة توزيع ثمار التنمية وتحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام، وقد تم تأكيد هذه المبادئ والأسس جميعًا خلال «المؤتمر الاقتصادي.. مصر ٢٠٢٢»، الذي نصت توصياته على تمكين القطاع الخاص، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، وتشجيع الصادرات.