في ذكرى التقسيم.. الأزهر يجدد رفضه محاولات التهويد لتغيير الهوية الديموغرافية للدولة الفلسطينية.. وداود يحذرمن اقتحامات المسجد الأقصى
حرص الأزهر الشريف على أن يذكر العالم كله بمأساة الشعب الفلسطيني واغتصاب أراضيه، وذلك بمناسبة حلول أسوأ ذكرى في التاريخ الحديث "ذكرى تقسيم فلسطين"؛ التي تأتي بالتزامن مع اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، في الـ ٢٩ من نوفمبر من كل عام.
الأزهر والقضية الفلسطينية
كما جدِّد الأزهر عهده الدائم بدعم الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع لاستعادة أراضيه المغتصبة، مُعْرِبًا عن رفضه الكامل لكل محاولات التهويد السَّاعيَة لتغيير الهوية الديموغرافية للدولة الفلسطينية، واغتصاب ما تبقى من أراضيها، الأمر الذي يكشف الوجه الدموي والحقيقي لهذا الاحتلال الصهيوني الغاشم، مؤكدًا أن العالم العربي والإسلامي لن ينسى مذابح الكيان الصهيوني وجرائمه في حق الشعب الفلسطينيين؛ التي لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة الإنسانية مهما حاول المغتصب تشويه التاريخ أو تزييف حقائقه.
وطالب الأزهر المجتمع الدولي والهيئات المعنيَّة وكل المنصفين والعقلاء في العالم بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعم نضاله المشروع في وجه الاحتلال الظالم وممارساته الإرهابية، مشددًا على أن العالم بأسره يتحمل المسؤولية الكاملة عن إنهاء هذا الاحتلال الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين المباركة، ورَدِّ الحقوق إلى أصحابها ومحاكمة المحتل الغاصب على جرائمه ضد الفلسطينيين والإنسانية.
موقف الأزهر من القضية الفلسطينية
ومن جانبه أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن الأزهر الشريف كان –ولا يزال – ظهرًا وسندًا للقضية العادلة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه كلِّها، وعاصمتُها القدسُ الشريف، معربا -خلال كلمته- في احتفالية جامعة الدول العربية بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني؛ بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عن إستنكاره الشديد لما تقوم به شراذم متطرفة من المستوطنين اليهود من اقتحامِ باحات القدس الشريف.
ونقل –في بداية كلمته- تحياتِ فضيلةِ الإمامِ الأكبرِ الدكتور أحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريفِ، وترحيبَه باحتفالِ جامعةِ الدولِ العربيةِ –بيتِ العربِ الكبيرِ- باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته التي يعيشها ويصطلي بلظاها ليلًا ونهارًا، على مرأى ومسمع من العالم كلِّه.
وأضاف أن "العدل" اسم من أسماء الله الحسنى، وأَمَرَ عبادَه جميعًا بالقيام به؛ فقال في سورة الرحمن: ﴿وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ﴾ الرحمن [7-9]، وسيدِنا محمدٍ النبيِّ العربيِّ الصادقِ الأمينِ، الذي حكم بالعدل وأمر به، وحَذَّرَ من الظلم ونهى عنه؛ فقال: «الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة»؛ ودل هذا الحديثُ الشريفُ بمفهوم المخالفة على أن العدل نورٌ يوم القيامة، وأن الفرق بين العدل والظلم كالفرق بين النور والظلام، وأن العالَمَ إذا حَقَّقَ العدلَ عاشَ في النورِ وسَعِدَ بالنور.
وشدد على إنكار الأزهر لما تقوم به شراذم متطرفة من المستوطنين اليهود من اقتحامِ باحات القدس الشريف تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ مشيرا إلى أن حمايةَ العُدوان عُدوان، وأن الجريمة يشترك فيها من ارتكبها ومن أعان عليها، مؤكدا أن هذه الاقتحامات المتكررة وما أسفرت عنه في صفوف الشعب الفلسطيني من شهداء وجرحى وهم يدافعون عن مقدساتهم - لَهِيَ استفزازٌ لمشاعر المسلمين في العالم كله، وليس في فلسطين فحسب؛ لأن الاعتداء على المسجد الأقصى اعتداءٌ على مقدسات المسلمين جميعًا؛ والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين
واشار إلى أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يضع الضمير العالمي كل يوم على المحك، وهو اختبار حقيقي للعالم المتحضر الذي نادى بالعدل، وجعل له منظمة دولية، وأقام له المحافل، قائلا: أين أنت أيها الضمير العالمي الحر من دولة اغْتَصَبَ العدوُّ الإسرائيلي أرضها وعرضها وقتل رجالها ونساءها وأطفالها وحرق مسجدها الأقصى ودمر بنيانها؟
وأكد أن التضامنَ مع الشعب الفلسطيني المظلوم والوقوفَ معه ضدَّ الظالم الغشوم واجبٌ على كل حر أبيٍّ منصف، يحب العدل، ويكره الظلم، ملفتا إلى أن مدينة القدس لم تشهد في تاريخها كلِّه قرونًا أكثرَ عدلًا وأمنا من القرون الثلاثةَ عَشَرَ التي حكمها فيها المسلمون منذ فتحت في السنة السابعةَ عشرةَ من الهجرة على يد أبي عبيدة بن الجراح في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، ومَنَحَ سيدُنا عمرُ أهلَها وثيقةَ الأمان التي عُرِفَت بالعُهْدَةِ العُمَرِيَّةِ، جاء فيها أنه: «أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، أن لا تُهْدَمَ كنائسُهم ولا يُنْتَقَصَ منها ولا من حَيِّزِها، ولا من صُلُبِهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكْرَهونَ على دينهم، ولا يضارَّ أحدٌ منهم».
وتابع: لما دخل سيدنا عمر -رضي الله عنه- بيت المقدس صلى في قبلته، ثم بسط رداءه فكَنَسَ الكُناسةَ في ردائه، وكَنَسَ الناس، ونَعِمَتْ مدينةُ القدس بهذا الأمن، ولم يفرق المسلمون بين أصحاب الديانات السماوية، وتجاورت فيها المساجد والكنائس والمعابد، وظل الأمر على ذلك حتى احتلها الصليبيون سنة 1099م وقتلوا يومئذ تسعين ألفا من سكانها، ثم انتصر عليهم الناصر صلاح الدين الأيوبي ودخل القدس عام 1187م، وظلت آمنة مطمئنة حتى وقعت تحت الاحتلال البريطاني عام 1917م، وانسحب منها هذا الاحتلال بعد إعلان وعد بلفور المشئوم بإقامة حكومة إسرائيل سنة 1948م، فصادرت إسرائيل أملاك العرب مسلمين ومسيحين، واستولوا على نحو ألف مسجد، وهدموا عددًا كبيرًا من المساجد والكنائس وصادروا مليون دونم من أراضي الوقف، وقتلوا الأبرياء، وحرقوا بيت المقدس سنة 1969م، ولا يزال العدوان مستمرًا حتى يومنا هذا.
المسجد الأقصى
وأضاف: إن المسجد الأقصى كان قبلةَ المسلمين الأولى طِوَالَ الفَترةِ المكية كلِّها وسنةً وستةَ أشهرٍ في الفترة المدنية، إلى أن أمر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام؛ ففي الحديث المتفق عليه عن قتادة قال: "كان المسلمون يصلون نحو بيت المقدس ورسولُ الله بمكةَ قبل الهجرة، وبعدما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى نحو بيت المقدس ستةَ عشرَ شهرًا ثم وُجِّهَ بعد ذلك نحو الكعبةِ، البيتِ الحرام»، وقال حَبرُ الأمة وتَرْجُمانُ القرآنِ سيدُنا عبدُ الله بنُ عباس رضي الله عنهما: «البيتُ المُقَدَّسُ بَنَتْهُ الأنبياءُ، وسَكَنَتْهُ الملائكة، وما فيه موضعُ شِبْرٍ إلا وقد صَلَّى فيه نَبِيٌّ، أو قام فيه ملك».
واشار في نهاية كلمته إلى ما ترويه كتب التاريخ أن مسجد الصخرة بُنِيَ في عهد الخليفة الأُمَوِيِّ عبد الملك بن مروان، وأُنْفِقَ على بنائه خراجُ مصر لسبع سنوات، قائلا: فمن خراج مصر لسبع سنوات بُنِيَ مسجدُ الصخرة، وبقي إلى زماننا هذا من أروع ما بناه المسلمون، ومن أجمل الآثار المعمارية في العالم.