صفقة الكبار.. خطة سرية لتقسيم أوكرانيا بين بولندا وروسيا بمباركة أمريكية
لم يكن سهلًا على القوى العالمية أن تمر 9 أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية دون حسم أى من القطبين الكبار روسيا وأمريكا وخلف كل منهما حلفاؤه، الحرب لصالحه، فالصراع مستمر دون توقف وحدته تزداد سوءًا يومًا تلو الآخر، ومعه تتغير الإحداثيات وتختلف وجهات النظر.
فالتطورات الأخيرة أظهرت أن أوكرانيا ما زالت محشورة فى الصراع وغير قادرة على تحقيق لواء الاستقلال التام وتجاهل دوافع روسيا تجاهها، مما دفع بعض الدول التى كانت مهتمة لأمر أوكرانيا فى بادئ الأمر لسحب يدها شيئًا فشيء والالتفات إلى مصالحها الخاصة، وأصبح لزاما على القوتين حسم الموقف وتسربت أنباء بالفعل عن خطة سرية لتبادل المهام والمناصب بين بولندا وأوكرانيا يعقبها إزالة الحدود بين البلدين بينما تحتفظ روسيا بالمقاطعات الشرقية، أو تلتزم بمنحها حق الإدارة الذاتية تحت اللواء الروسي، وذلك لتجنب إشعال حرب عالمية قد تهدد الكوكب بأكمله.
الصراع الدولي
لا يمكن تجاهل نجاح أوكرانيا فى فرض نفسها على حلبة الصراع الدولي، فأغلب الدول الغربية مازالت تقف بجوارها عسكريا، لكن من أجل تحسين شروط التفاوض فيما بعد، فالاتفاقيات الاقتصادية لأغلبها مع الجارة الروسية تعود شيئًا فشيء، سواء بشكل علنى أو سري، أو بشكل آخر غير ملفت للانتباه تمهيدًا لعودتها مرًة أخرى.
ويمكن أن نرى ذلك بوضوح من تفاعلات الأيام الأخيرة، من قبل أمريكا تجاه روسيا، إذ ألمح الديمقراطيون إلى إمكانية دعم أوكرانيا وتحسين موقف بلادهم فى نفس الوقت مع روسيا قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة فى محاولة لتفادى مزايدات الجمهوريين ضدهم، كما وجه الرئيس الأمريكى جو بايدن رسالة صريحة مفادها أن بلاده لن تدخل فى حرب عالمية ثالثة.
البنتاجون أيضًا أعلن أنه ما زال متمسكًا بالحفاظ على خطوط اتصال مع الروس ليأتى بعدها رئيس الأركان الأمريكى بتصريحات جديدة يؤكد من خلالها أن دحر قوات روسيا بالكامل من أوكرانيا أمر صعب ملمحًا إلى إمكانية الحل السياسي.
حل القوى الكبرى
كل هذه الشواهد تطرح الكثير من الأسئلة عن مستقبل التفاهمات الروسية الأمريكية، وإن كانت أوكرانيا باتت ضحية لتسويات الكبار، خاصة أن محاولة رئيس أوكرانيا توريط روسيا فى المسئولية المباشرة عن الصواريخ التى سقطت على بولندا الأسبوع الماضى وجدت مواجهة حاسمة ورسالة عنيفة من أنصاره مفاداها أن العالم لن ينزلق إلى مستنقع حرب عالمية ثالثة.
يقول مدير التحالف الأمريكى الشرق أوسطى للديمقراطية توم حرب، فى تصريحات خاصة لـ» فيتو»، أنه لا بد من التأكيد على أن أوكرانيا ليست ضحية تفاهمات روسيا وأمريكا بل ضحية نفسها، موضحا أن اتفاقيات مينسك منذ العام 2014 كانت كفيلة بعدم إشعال الصراع، لكن عدم الالتزام بها أدى إلى إشعال غضب روسيا ودفعها للتوغل داخل الأراضى الأوكرانية لحماية أمنها القومي.
أضاف: هنا الولايات المتحدة الأمريكية استغلت هذا الضعف وتركت الأوكرانيين يستفزون الدب الروسي، وعدد من النواب الديمقراطيين فى الكونجرس الأمريكى حاولوا إقناع الرئيس بايدن بوضع حد لأوكرانيا وعدم مساعدتها فى استدراج روسيا لحرب دون أدنى استجابة، أما اليوم وبعد الانتخابات النصفية الأمريكية فهنالك موجة كبيرة من النواب الجمهوريين سيحاسبون ويدققون على المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا لأنهم يرون أن تدخل أمريكا فى الشأن الأوكرانى يجب أن يكون عبر مفاوضات روسية أوكرانية لحل الموضوع وليس بالعكس.
وتابع: دون شك عندما دخلت روسيا إلى أوكرانيا كان هناك تضامن أمريكى غربى مع الشعب الأوكرانى لدعمه، والآن بعد 9 أشهر من هذه الحرب والاستنزافات الواقعة والدمار، أصبح هناك نوع من التململ لهذا الدعم وليس هناك أى حلول فى الأفق القريب، مضيفا أنه من هذا المنظور بدأنا نرى معسكرا أمريكيا يقول كفى دعم أوكرانيا ويطالب بفرض حل سريع عوضًا عن استنزاف الجهتين، لاسيما بعد أن أصبح هناك تضخم مالى فى هذه البلدان الغربية، فاليوم هم بحاجة لتلك الأموال داخل كل دولة وليس لمساعدة دولة أخرى فى حرب استنزاف.
الدور البولندي
وبشأن إطلاق الصواريخ فى بولندا، أضاف توم حرب: عندما سقطت صواريخ على بولندا كنا على شفا حرب ثالثة وتدخل الناتو ولوح بالحرب بالفعل وبعد التحقيق تبين أن هذه التفجيرات أحدثتها صواريخ أوكرانية وليست روسية الأمر الذى دفع عدد كبير من قادة القاعدة العسكرية الأمريكية والمحللين للتراجع عن مفهومهم لدعم أوكرانيا وفقد الثقة بما يقوله زيلينسكي.
واستطرد: الانسحاب الكامل لروسيا من أوكرانيا مستحيل، إذ ستحاول موسكو السيطرة على شرق أوكرانيا، لذا يجب اليوم اللجوء للتفاوض بشكل رسمى حول ما اذا كانت روسيا ستضم مناطق شرق أوكرانيا إليها أم ستكون مجرد جمهوريات مستقلة حليفة لروسيا، موضحا أن المفاوضات الدولية تجرى بدعم أمريكى واضح للوصل إلى حل لاسيما مع تشكل الكونجرس الجديد الذى سيفرض قيودًا على بايدن لإيجاد حل سريع بشأن المناطق الروسية فى أوكرانيا.
يدعم جهود الغرب فى العمل لإيجاد حل سريع يرضى كل الأطراف، تسرب معلومات من دوائر الاستخبارات الغربية مفادها حالة تململ لدى قادة أوروبا من قضية أوكرانيا، بعد أن تسببت الحرب والدعم فى تكبد خزائن دول القارة خسائر مادية هائلة، إضافة إلى تفريغ مخازن الأسلحة خلال الأشهر الماضية واضطرار العديد من الدول الغربية لإبرام صفقات تسليح كبرى خشية تعرضها لاهتزازات.
وبدأ يلوح فى الأفق سيناريو تقسيم مقبول لدى جميع الأطراف الفاعلة فى الأزمة، فمن ناحية يسعى الديمقراطيون فى أمريكا للتنصل من فاتورة الدعم المستمر عقب سيطرة الجمهوريين على الأغلبية فى مجلس النواب وتعهدهم بفتح تلك الملفات بما يؤثر على مستقبل الحزب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومن ناحية أخرى، تتخوف الأنظمة الأوروبية من سقوطها الواحدة تلو الأخرى لصالح الأحزاب اليمنية، التى استغلت حالة التضخم والركود الاقتصادى وأزمات الطاقة المتوقع تفاقمها مع الشتاء بصورة غير مسبوقة، واستشعار المواطن الأوروبى بتسديده فاتورة سياسية، لاسيما بعد أن استغلت أحزاب اليمين الأوروبى القضية فى التصعيد ضد الحكومات وسط تخوف من انتفاضات شعبية عارمة تقودها أحزاب اليمين فى الغرب خلال الشهور المقبلة.
وربما سيكون هذا هو الاتجاه النهائى للتسوية بحيث تسيطر روسيا على دونباس، بينما يسيطر الناتو من خلال بولندا على الأجزاء الغربية لأوكرانيا علمًا بأن العديد من الأقاليم الغربية ومنها لفيف كانت جزءًا من بولندا تاريخيًا.
لكن حسب ما تسرب من تلك المحادثات، تحدث الطرفان عن فرض رقابة مشتركة على الحدود والجمارك أكد ذلك التصريح المتلفز للرئيس البولندى أندريه دودا، الذى تحدث عن إزالة الحدود بين البلدين.
نقلًا عن العدد الورقي…،