حكاوي زمان.. حكاية أم المصريين التى خافت من صرصار وأرعبت الإنجليز
نشرت مجلة “الجيل” عام ١٩٥٨، مقالا للكاتب الصحفي علي أمين تحت عنوان “فن الحكم على الناس” قال فيه: إن كل تصرفات الأمس تكشف عن شكل الغد، وتلازمنا عيوبنا ومزايانا فى كل مراحل العمر، فالشاب الذى سرق فى شبابه سيتطور فى رجولته ليصل إلى رئيس عصابة. وتابع: كانت الملكة السابقة فريدة تؤمن بأن الصفات السيئة تكبر مع الإنسان، وكانت سعيدة جدا بخطبتها من الملك فاروق، ولكن ليلة عقد القران وقع حادث جعلها تقول لأهلها لا أستطيع الزواج من هذا الشاب لأن فيه أخلاق الوحوش..
سألتها والدتها ماذا فعل بك؟ قالت فريدة باكية كنت أركب فى السيارة معه فرأى قطة فى الطريق وبدلًا من أن يتفادها تعمد أن يدوسها وهو يضحك، وقالت إننى لا أريد أن أتزوج رجلا بهذه القسوة.. فقالت والدتها زينب هانم ذو الفقار: هل من المعقول العدول عن الزواج لأن العريس داس قطة؟ فردت فريدة: أنا القطة الثانية التى سيدوسها».
وواصل الكاتب الصحفى فى مقاله: «قالت فريدة بعد إنه لولا خوفها من بطش فاروق بأبيها وأمها لأصرت على رفض الزواج». «كانت الفتاة الصغيرة محقة فى الحكم على أخلاق فاروق، فالطفل الكسول قد يصبح فى رجولته دينامو من الحركة والنشاط، وإن شجاع الأمس جبان الغد.. إن الخوف من الأشباح ليس معناه أن الطفل عندما يكبر سيخاف من الحقائق، وأن بعض الناس يخافون من ظلمهم، ومع ذلك لا يخافون من لص يحمل مسدسًا».
وقد رأيت فى طفولتى حادثا لا يمكن أن أنساه حين كانت أم المصريين جالسة مع واصف غالى فى صالون بيت الأمة، وكنت جالسا معهم، فإذا بأم المصريين تصرخ حينما رأت صرصارًا يمشى على الأرض فى فزع شديد، ورغم ذلك كانت تشترك فى المظاهرات تحت وابل من الرصاص، وضحكت فى سرى من هذه السيدة المسنة التى تخاف من الصرصار، ومع ذلك تريد أن تقود أمة بعد نفى زوجها سعد زغلول، لكنى رأيتها بعد ذلك تمشى فى المظاهرات ضد الإنجليز وحدها بعد أن تخلى عنها كثير من الرجال.
إن الظروف والصدمات تكشف عن مزايا خارقة كانت مختبئة فى الصدور، فلا تتسرع فى الحكم على الناس من مظاهرهم التى كثيرا ما تكون خادعة، وأعطهم فرصة أخرى.