رئيس التحرير
عصام كامل

«سيناء.. فخ المنطقة ج».. خليط من الجهاديين والبلطجية يتصدر المشهد.. 500 عنصر فلسطيني لتأمين تجارة السلاح.. أسلحة الجيش الليبي «المهربة» تقتل المصريين.. قيادي إخواني: قوات الأمن لم


باستخدام دراجة نارية وسلاح كلاشنكوف، يمكن أن تقتل عددًا من قوات الأمن المصري، بينما لا يمكن للطائرات والدبابات الوصول إليك، لأنك ببساطة تكون قد اختفيت في الأحراش والتجمعات السكنية الممتدة بطول 60 كيلومترًا من رفح على حدود قطاع غزة، إلى العريش في سيناء.


المشكلة اليوم لا تتعلق بمسلح واحد وسلاح كلاشنكوف واحد على دراجة نارية، ولكنها أصبحت تتعلق بعدد يقدر بألوف العناصر الجهادية التي تستخدم أسلحة متطورة من بينها صواريخ مضادة للطائرات، في محاولة لإقامة إمارة إسلامية في «المنطقة ج» الممنوع دخول الجيش المصري فيها وفقًا لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وتقع هذه المنقطة بين رفح والعريش.

وبعد تزايد الهجمات ضد المؤسسات الأمنية والحكومة المصرية في محافظة شمال سيناء، خاصة بعد عزل الرئيس المنتمي للتيار الإسلامي محمد مرسي، أرسلت قوات الأمن والجيش تعزيزات إضافية، وشوهدت عبر الطرق حاملات الدبابات وطوابير المدرعات وهي في طريقها إلى العريش والشيخ زويد ورفح. وتقول مصادر أمنية مصرية إن إدخال قوات الجيش إلى تلك المنطقة (ج) تم بالاتفاق مع الجانب الإسرائيلي. لكن حتى الآن لا توجد فاعلية لقوات الأمن، على ما يبدو.

يقول خالد حِركة، النائب المقرب من حزب جماعة الإخوان في البرلمان المنحل عن شمال سيناء: «لو ظل الأمر بهذه الطريقة، فستكون الحالة في سيناء شديدة الصعوبة في الفترة المقبلة».

وتوجد اتهامات وتكهنات لا أول لها ولا آخر بشأن انتماء المسلحين والجهاديين في سيناء، حيث يزداد الربط بين العمليات المستعرة هناك، والإطاحة بالرئيس المقبل من جماعة الإخوان، محمد مرسي، وقول القيادي في الجماعة، محمد البلتاجي، إن وقف العمليات في سيناء يتوقف على عودة مرسي للحكم مرة أخرى. ومن الحديث مع أطراف مختلفة في سيناء، لا يمكن أن تصل إلى تصور محدد عمن يمكن وراء القلاقل والقتل ونزيف الدم هناك.

البعض يحمل حركة حماس المسئولية باعتبار أنها تريد نصرة الرئيس المصري السابق، مرسي، والبعض الآخر يحمل جماعات يقولون إنها تابعة لمحمد دحلان المسئول السابق في حركة فتح، جانبا من المسئولية (حماس ودحلان نفيا أي علاقة لهما بالوضع في سيناء)، بينما يرى آخرون أن السبب هو نشاط عدة أجهزة مخابرات دولية في سيناء تريد زعزعة الاستقرار هناك. ويقول مصدر أمني في شمال سيناء: الموضوع ببساطة، نحن نواجه جماعات إرهابية، عبارة عن خليط من مطلوبين لقوات الأمن من أبناء سيناء، وعناصر مما يسمى الجيش الفلسطيني، ومطلوبين جهاديين من اليمن وفلسطين وليبيا.

ومن محاضر التحقيقات التي نظرتها الأجهزة والنيابات والمحاكم خلال السنوات العشر الأخيرة تجد خليطا من الأسماء والتوجهات التي استوطنت «المنطقة ج»، أو اتخذتها مرتكزا لعملياتها المختلفة في شمال سيناء وجنوبها.. إلى هنا، إلى «المنطقة ج» جاءت بعض التنظيمات التكفيرية التي هربت منذ أواخر التسعينات من ملاحقات الأمن في الفيوم وبني سويف جنوب القاهرة. وحين وقعت خلافات داخل تنظيم الجهاد المصري، في أواخر التسعينات، فر الأشد تطرفا في التنظيم إلى سيناء أيضا، وكانوا يعرفون في ذلك الوقت باسم «التكفير والجهاد». ووجد تجار سلاح ومهربو بشر ومخدرات ملاذا آمنا في «المنطقة ج».

ويتعامل أبناء سيناء مع موضوع الإرهاب هناك بحساسية خاصة، قائلين إن أبناءهم لا يمكن أن يكونوا متورطين في مهاجمة جنود الجيش والشرطة. ويقول النائب حِركة: «نحن نستنكر أعمال القتل.. هؤلاء أبناؤنا سواء كانوا من أفراد وزارة الداخلية أو من قوات الجيش». ويقول إن أعمال القتل والهجمات التي تشهدها سيناء كانت موجودة منذ ما قبل ثورة 25 يناير 2011.. و«كان يقتل لدينا جنديان أو ثلاثة في الشهر دون الإعلان عن ذلك في ذلك الوقت».

ويضيف أنه ليس مقتنعا بأن من يقوم بذلك هم من المتشددين الإسلاميين فقط وأنه يعتقد أن «البلطجية» هم من يتعاون ويساهم في القيام بتلك الهجمات وأعمال القتل وليسوا من التكفيريين (فقط) كما يقول البعض، لأن «التكفيريين أمامهم أهداف أخرى أكثر تأثيرا ومن السهل استهدافها مثل مطار حفظ السلام التابع للأمم المتحدة قرب العريش.. هذا المطار لم تطلق عليه النار».

وبينما كان صوت إطلاق الرصاص يتجدد ويصل من جهة قسم العريش ثالث، مساء يوم الاثنين الماضي، يتابع النائب حِركة قائلا إن «هناك ألف ضابط وعسكري يقومون بهدم الأنفاق الموجودة على جانبي حدود سيناء وقطاع غزة.. هؤلاء لم يستهدفهم أحد». ويقول إن «الذي يقوم بتكفير الآخرين أولى له أن يقتل الضابط أو العسكري الأجنبي بقوات حفظ السلام، لكن ما أراه هو أن القتل الجاري في سيناء الآن يتركز على المدنيين المصريين. صاروخ نزل على بيت وقتل اثنين من عائلة آل بكير ومن عائلة النخلاوي. ولذلك الذي يقتل مأجور، يأخذ فلوسا ويريد أن يشعل البلبلة في البلاد ويريد أن يوقع الناس ليقاتلوا بعضهم بعضا».

«ومن يا ترى يقف وراءهم كل هؤلاء»؟ من الصعب أن تجد إجابة محددة عن هذا السؤال، حتى النائب حِركة لا يجيب، ولكنه يقول إن من يسأل عن هذا هي المخابرات. وبعد لحظات من الصمت، يستطرد موضحا: «توجد أشياء غريبة في هذا البلد»، مشيرا أيضا إلى إمكانية تورط عناصر تعتنق بعض الأفكار الجهادية.

ويحاول موالون لجماعة الإخوان والتيار الإسلامي المتشدد في سيناء تحميل دحلان كل ما يحدث في سيناء لمجرد أن الرجل ينتمي إلى حركة فتح التي هي على خصام مع حركة حماس التابعة لجماعة الإخوان. ويشيع أنصار التيار الإسلامي في سيناء أن هناك نحو 500 عنصر فلسطيني من فتح يعملون في «المنطقة ج» بسيناء بالتعاون مع بلطجية وشبيحة من محافظات مصرية أخرى.

ويقول مصدر أمني إن غالبية الفلسطينيين الموجودين في «المنطقة ج» لا ينتمون إلى حركة فتح أو دحلان، ولكنهم ينتمون إلى ثلاث تيارات مقبلة بالأساس من قطاع غزة.. الأول التيار الحمساوي الذي يشرف على تهريب السلاح عبر الأنفاق ومحاولة بسط نفوذه الأمني في نقاط محددة هناك بغرض تأمين هذه التجارة، والثاني التيار الجهادي الذي يتركز أساسا في رفح الفلسطينية مثل «جيش الإسلام» الفلسطيني، والتيار الثالث هم خليط من الجهاديين مثل ما يعرف بـ«أكناف بيت المقدس» من رافعي الرايات السود، الأقرب إلى تنظيم القاعدة.

ويضيف المصدر الأمني أنه في أعقاب الهجوم الذي قتل فيه 16 من قوات حرس الحدود المصري في أغسطس عام 2012 قرب رفح على أيدي متشددين إسلاميين، رصدت الأجهزة الأمنية، اختفاء مجموعات ممن يعتقد أنهم من التيارات الفلسطينية المشار إليها من مجموعة الشاليهات التي كانت تستأجرها هناك. ويضيف أن 30 إلى 40 من قادة التيارات المشار إليها تم رصدها مرة عند عودتها للظهور في «المنطقة ج» خاصة في «الشيخ زويد» و«العريش»، وهي الفترة التي توقفت فيها عمليات الأمن في تلك المنقطة بإيعاز من نظام الحكم السابق.

ويقول المصدر نفسه إنه بعد تنفيذ عمليات إرهابية جديدة في المنطقة، فإننا «حاليا نشك في خليط الجماعات تلك وقادتها وعلى قوات الأمن أن تبحث عنهم. لا أحد يسكن في تلك الشاليهات والشقق الآن»، مشيرا إلى أن قادة التنظيمات الإرهابية: لا يشترط أنهم متفقون على فكرة واحدة، لكن المؤكد حتى الآن أنهم يتعاونون مع بعضهم البعض لحماية وجود عناصرهم الذين يقدرون بالآلاف في «المنطقة ج» وفي الأراضي الوعرة الواقعة جنوب هذه المنطقة، بما فيها جبل الحلال.

ويستخدم المهاجمون أسلحة مختلفة بما فيها صواريخ مهربة من مخازن الجيش الليبي، حيث «ضربوا صواريخ منذ عدة أيام على بيوت عدد من المواطنين في العريش»، وفقا لما يقوله «الحاج محمد» الذي يدير متجرا في وسط المدينة، ويؤكد على أن تجارة السلاح أصبحت منذ سقوط نظام مبارك، شيئا عاديا مثل بيع السجائر.

ومنذ مقتل جنود حرس الحدود المصريين الـ16 في أغسطس، جرى ربط ما يجري في سيناء بالعلاقة بين جماعة الإخوان التي كان ينتمي إليها الرئيس المعزول مرسي، والجيش. وتقول التسريبات إن الرئاسة وقتها منعت الجيش وقوات الأمن من ملاحقة الإرهابيين في سيناء، بما في ذلك عرقلة العمليات التي قامت بها قوات الجيش المعروفة باسم «العملية نسر»، وحين ربط البلتاجي بين وقف العمليات في سيناء وإعادة مرسي للحكم، عادت التكهنات بشأن علاقة الإخوان في مصر وفي غزة (حماس) بالعمليات في سيناء، رغم أن النائب حِركة عاد وقال إن البلتاجي «لا يملك، ولا غيره يملك، السيطرة على المسلحين في سيناء».

وعن حالة قوات الأمن، بعد نحو 3 أسابيع من الهجوم على مقار والأكمنة الأمنية، يقول النائب خالد حِركة إن «الأمن قافل على نفسه والمخابرات قافلة على نفسها. لم يصل أحد من قوات الأمن إلى جبل الحلال.. عناصر الأمن أغلقوا أبواب مكاتبهم وبيوتهم على أنفسهم. وزارة الداخلية في سيناء فيها اختراق.. حين يكون ضابط ما متوجها إلى مكان ما يجد أشخاصا مسلحين ليقتلوه».

ويوضح حِركة أن «المنطقة من رفح للعريش ليس فيها قوات، والأمن لو ظل بهذه الطريقة فسيكون الأمر صعبا، رغم استخدام الطائرات.. الطائرات ليس لها قيمة في هذه العمليات، تدور في الأجواء ولا شيء آخر.. مجرد منظرة». ويضيف أن المنطقة من رفح إلى العريش «ليس فيها جيش ولا داخلية، والوضع لا يعلمه إلا الله. وجود قوات الأمن لا يتعدى واحدا في المائة في شمال سيناء».

وتقول المصادر الأمنية إن الأمور تفاقمت أمنيا في سيناء منذ تنفيذ المتشددين الإسلاميين، وهم خليط من أبناء سيناء وفلسطين ولبنانيين، هجمات على منتجعات شرم الشيخ وطابا ودهب في أعوام 2005 و2006، وإنه أثناء التحقيق في هذه التفجيرات تم إدراج عدة آلاف من أبناء سيناء كمشتبه بهم، إلى جانب اعتقال آخرين، وإن هذا الأمر ساعد في زيادة احتقان قطاعات من أبناء سيناء ضد الدولة المصرية.

ويعلق سليمان عياط، الناشط السياسي والإعلامي في شمال سيناء، على هذا الأمر بقوله إن توسيع دائرة الاشتباه لأبناء سيناء منذ تفجيرات شرم الشيخ أسفر عن تغييب 6 آلاف منهم في عهد الرئيس الأسبق مبارك.

ويضيف عياط أن الشرطة اتبعت أساليب في السابق بالعمل وفقا لقانون طوارئ لكن هذا لم يعد موجودا. وتواجه أجواء مغايرة جعلت فاعليتهم محدودة للغاية خاصة مع العناصر المسلحة، والجيش هو الذي يتحمل العبء الأكبر.

كما تشير أصابع الاتهام إلى جماعة السلفية الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة. ونفذ أنصار هذه الجماعة عمليات ضد إسرائيل إضافة إلى تفجير خط تصدير الغاز لكل من إسرائيل والأردن المار من سيناء.

ويقوم محترفو حرب العصابات عادة باختيار أفضل زمان ومكان للهجوم على قوات الجيش الثابتة.. خلية تظهر فجأة وتختفي فجأة فيحرك الجيش الطيران والمعدات الثقيلة. وهذا يحتاج لميزانيات تعجز عن توفيرها الدول العظمى حين تفرض عليها حرب العصابات، مثل ما حدث في أفغانستان ومن قبلها فيتنام، ولذلك يقول أبناء سيناء إن «قصة الأمن تحتاج إلى مصالحة وطنية وإعادة النظر في الواقع الأمني وسد ما فيه من ثغرات».

الجريدة الرسمية