كيف تكون حسن الخلق مع الناس؟
إنّ الأخلاق سلوك وصفة ترسخ في النّفس، وتصدر بتلقائيّة؛ أي أنّها ليست أمرًا يكون الإنسان مُلزَمًا به أو مجبورًا أو مجبولًا عليه، وحتّى يكون الإنسان حَسَن الخلق مع الآخرين، فلا بُدّ له من بعض الأفعال والتصرّفات التي تُمكّنه منها، وفيما يأتي بيان ذلك: الإيمان الصادق والعميق بالله تعالى؛ لأنّ في الإيمان تزكيةً للنفس، وتقويمًا وتهذيبًا لسلوكها.
مُصاحبة النّاس المشهود لهم بحُسن الخُلق ومُخالطتهم؛ لأنّ للصُّحبة أثرًا في سلوك الإنسان، وفي هذا المعنى قال الشاعر:
عن المرءِ لا تسَلْ وسَلْ عن قرينِهِ فكُلُّ قرينٍ بالمُقارَن يَقتدي
المطالعة والاستماع لقصص وأخبار السّابقين من السَّلف الصّالح، والعلماء الذين عُرِفوا واشتُهِروا بأخلاقهم الحَسَنة وفضائل الصفات، والاقتداء بهم.
مُجاهدة النّفس وتدريبها؛ حتى تعتاد على الأخلاق الحَسنة، فتكون صفةً راسخةً فيها، يطبِّقها الإنسان في كلّ المواقف، فالأخلاق تحصل بتدريب النفس عليها، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ).
مُحاسَبة النّفس؛ فالإنسان يُراجع نفسه في تعامله مع الآخرين؛ فيما يصدر منه من حُسن الأفعال أو قبيحها، فيحاسبها على الأخلاق السيئة والذّميمة، وبمحاسبة النّفس ستتأدب على إحسان الخُلُق في تعاملها مع الناس.
التفكّر والنّظر في الثّواب الذي أعدّه الله -تعالى- لحُسن الخُلق، وما يترتب عليه من أمورٍ طيّبةٍ، وما يترتّب في المقابل من عواقب سيئةٍ ونتائج وخيمةٍ على سوء الخُلق، والتخلّي عن فضائل الأخلاق في التعامل مع الناس.
فوائد الأخلاق الحَسنة
إنّ للأخلاق الحَسنة فوائد وثمراتٍ يجنيها من يتحلّى بها ويتمثّلها في سلوكاته وتصرّفاته وأفعاله، وهذه الفوائد والثّمرات منها ما هو ثواب أُخرويّ، ومنها ما هو ثواب دنيويّ، فالثواب الأخروي يتمثّل بالحصول على محبّة الله -تعالى- ومحبّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والفوز برضا الله -تعالى- وجنّته، فقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، حيث قال: (إنَّ من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ، والمُتشدِّقونَ، والمُتفيهقونَ، قالوا: قد علِمْنا الثرثارونَ والمتشدِّقونَ، فما المتفيهقونَ؟ قال: المُتكبِّرونَ).
وممّا روي عن الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أيضًا، أنّه تعهّد ببيتٍ في أعلى الجنّة لمن كان حَسَن الخُلُق، فقال: (أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتٍ في وسطِ الجنّةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حُسُنَ خلقُه)، أمّا حُسْن الخُلق في الحياة الدّنيا فمِن ثوابه أنّه يعود على صاحبه بتكريمه ممّن حوله من الناس، ومحبّتهم له، ورفعة مكانته ومنزلته بينهم بحُسْن خُلقه واستقامة سلوكه، كما أنّ في إحسان الإنسان لخُلُقه تكريم لنفسه، وتجنّب للإهانة أو الإساءة من قِبل الآخرين.