أخطاء إستراتيجية في الثورة المصرية
لقد كان قرار انحياز القوات المسلحة لإرادة الشعب في يونيو 2013 م على مستوى قرار العبور في أكتوبر1973 م، فإذا كان القرار الثاني هو قرار العبور نحو تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي، فقد كان القرار الأول بمثابة قرار عبور لتحرير الإرادة من الاحتلال الإخواني.
إذا كان قرار السادات بتطوير الهجوم خطأً إستراتيجيًا أفضى إلى حدوث الثغرة التي عكرت علينا فرحة الانتصار في أكتوبر ووضعتنا في موقف تفاوضي أضعف، فإن امتناع الفريق أول السيسي عن اتخاذ قرار مسبق بالتحفظ على قيادات الإخوان وملحقاتهم قبيل اتخاذ قرار العزل يعد خطأ إستراتيجيًا قد أفضى بالفعل إلى حدوث الثغرة التي ما زالت تعكر علينا صفو فرحتنا بثورة يونيو، فقد كان يتعين أن يتواكب قرار التحفظ على هذه القيادات مع قرار انتشار القوات المسلحة على مستوى الجمهورية، فالتحرك على الأرض يسبق دائمًا صدور القرارات حتى تضمن وضع الأمور تحت السيطرة.
وقد حدث ذلك مع ثورة يوليو، ومع قرار تأميم قناة السويس عندما تواكبت السيطرة على مقرات الشركة مع إصدار كلمة السر في خطاب الرئيس، فلما صدر القرار الجمهوري في ذات الخطاب كانت الشركة تحت السيطرة، وحدث ذلك في ثورة التصحيح التي قادها المرحوم السادات ضد مناوئيه، فقد تم إلقاء القبض عليهم قبل إعلان قبول استقالاتهم ثم تقديمهم للمحاكمة.
وهكذا، أما أن يتم اتخاذ قرار التحفظ على الرأس بينما بقية الجسد الضخم حر طليق فهذا خطأ إستراتيجي قاتل، خاصة إذا كان هذا الجسد يمتلك أذرع كثيرة، ولكل ذراع رأس صغيرة يتبعها جسد. فماذا تتوقع إذا عزلت الرأس الكبير؟ !
كان لابد أن نتوقع ما يحدث الآن فالاعتصام المسلح الرابض في إشارة رابعة العدوية، وكذا اعتصام ميدان النهضة، وهي اعتصامات فاقدة للعقل ابتداءً، وفقدانها للعقل قد جاء من النقلة النوعية الهائلة التي قفزت بهم من قاع الأرض إلى عنان السماء، من البرش إلى العرش.
ثم ازداد هذا الفقدان عمقًا عندما هوت بهم الريح من عنان السماء إلى مكان سحيق، فقد عادت ببعضهم من العرش إلى البرش مرة أخرى. وهي أمور على النفس شديدة الوطأة. وأنا أتفهم أن تقدير الموقف كان يستوجب الأخذ في الاعتبار الموقف الدولي وردود الأفعال الدولية والمحلية، والتحرز لذلك. إلا أن التبعات المترتبة على القرارين كانت تستوجب الخيار بينهما بحساب الربح والخسارة.
ووفقًا لذلك لوجهة نظري ــ كان من الأولى اختيار قرار التحفظ لأنه كان سيقينا أمرين يخطط لأحدهما الإخوان: الأول: هو صناعة الفوضى وإشاعة الإرهاب الذي قد يصل إلى الحرب الأهلية التي ستصبح مسوغًا للتدخل الأجنبي الأمريكي لفرض شرعية الأمر الواقع، والإتيان على ظهر الدبابة الأمريكية لحكم مصر على نحو ما جرى في العراق الشقيق.
الثاني: خلق شرعية موازية تنطلق من إشارة رابعة العدوية تنازع الشرعية الثورية، وفي هذه الحالة تكون الشرعية الموازية هي الأولى بالرعاية باعتبار أنها شرعية استعادة الشرعية في زعمهم.
فماذا تنتظر الدولة المصرية؟ هل ما زالت تصر على المصالحة الوطنية مع هذه الجماعة الإرهابية المسلحة؟ عبد الناصر أبدى استعداده للتعاون معهم إلا أنهم رفضوا. وهذا نفس ما حدث مع السادات الذي أفرج عنهم وأفسح لهم البلاد من أجل الحركة. أليس جديرا بنا أن نتعلم درس التاريخ؟.
قلنا إن المصالحة لا تكون مع من يحمل خلف ظهره خنجرًا، وأنه لا تحلية قبل التخلية بحال. فكيف يتسنى لرئاسة الجمهورية أن تدعو جماعة محظورة ابتداءً اقتنصت الحكم بعد القفز خلسة على صهوة جواد الثورة، ثم ارتكبت من الحماقات والخطايا التي كادت أن تذهب بالدولة هدرًا إلى مزبلة التاريخ الإنساني، وعند تنحيتها بثورة رفعت في وجه الدولة السلاح ؟ فهل بلغت رخاوة الدولة هذا المدى؟.أم انها سياسة إمساك العصي من المنتصف بما يناقض الفعل الثوري ؟.