التنافس العالمي ينتقل من الاستغلال العسكري والتجسس إلى مرحلة المكاسب الاقتصادية الضخمة.. سباق محموم للفوز بـ«كنوز الفضاء»
تتسابق الدول والحكومات على السبق فى الوصول لكل ميزة جديدة يمكنها ترجيح كفتها وتعزيز رفاهية شعبها وتأكيد هيمنتها فى الريادة والتفوق الحضارى، لهذا لم تكتف الدول باستغلال الفضاء فى الهيمنة العسكرية، بل أصبح ضمن المجالات التى تشهد تنافسًا دوليًّا كبيرًا لتحقيق مكاسب اقتصادية غير عادية.
وتضخ العديد من دول العالم مليارات الدولارات فى مشروعات الفضاء، بما فيها المركبات الفضائية والصواريخ التى تحملها ناهيك عن الأبحاث وعمليات الاستكشاف فى الكون الخارجى، وقد تشهد السنوات المقبلة العديد من المشروعات الفضائية الكبرى مثل رحلة عودة الإنسان إلى سطح القمر التى يجرى الإعداد لها من الآن، كما أن هناك خططا لإنشاء محطات فضائية دائمة على سطحه، فضلا عن السعى الحثيث لتقديم رحلات سياحية فضائية، وبناء مستعمرات على المريخ والتى يخطط لها الملياردير الشهير إيلون ماسك.
حجم استثمارات الفضاء
واختلفت الإحصاءات التى تناولت حجم الاستثمار فى الفضاء، فهناك تقارير أكدت أن حجم اقتصاد الفضاء العالمى بلغ 370 مليار دولار فى عام 2021، فيما يتوقع الخبراء نمو فى الاستثمار فى قطاع الفضاء بنسبة 75% ليصبح 642 مليار دولار بحلول عام 2030، كما أن حجم الأقمار الصناعية سيصل 1736 قمرًا حول العالم لأغراض استكشاف الفضاء.
بينما قدرت مؤسسة الفضاء، حجم الاستثمارات العالمية فى هذا المجال بنحو 447 مليار دولار فى 2020، حيث تمثل الإيرادات التجارية منها نحو 80% وقدرت شركة «يوروكونسالت» (Euroconsult) أن اقتصاد الفضاء العالمى يساوى 385 مليار دولار، منها 315 مليار دولار إيرادات تجارية، وهناك تقديرات أخرى لاقتصاد الفضاء بقيمة 292 مليار دولار.
وأغلب التقديرات التى تتراوح ما بين 300 و450 مليار دولار تتضمن الموازنات الحكومية وهى فى الأغلب موازنات الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان والصين وروسيا، وتشمل تصنيع الأقمار الصناعية على الأرض وتكاليف إطلاقها، ومعدات البث التلفزيونى عبر الأقمار الصناعية، وأجهزة استقبال تحديد المواقع.
ووفقا لتحليلات شركة «برايس تك» (Bryce Tech)، يتضمن اقتصاد الفضاء تصنيع الأقمار الصناعية (12.2 مليار دولار) ومركبات الإطلاق (5.3 مليارات دولار).
الرحلات إلى الكون الخارجى
ومن المتوقع أن تقل تكاليف الرحلات الفضائية خلال الأعوام القادمة، بمعدل يتراوح بين 10 و100 ضعف عن التكلفة الحالية فى المستقبل، وترجع الأهمية الاقتصادية للاستثمار فى مجال الفضاء إلى العمل على اكتشاف الموارد الطبيعية التى يمكن استغلالها فى الفضاء الخارجى، فعلى سبيل المثال: قطاع التعدين والمعادن الطبيعية التى يمتلكها الفضاء، يتيح للدول إمكانية استثمارها، عوضًا عن استيرادها من الدول الأخرى.
بينما ستعزز السياحة الفضائية مستقبل البشرية، لما يتوقع لها من دور فاعل فى الاقتصاد العالمى، وما سوف تعكسه على مستقبل الفرص الوظيفية والتخصصات العلمية، حيث إنها من الممكن أن تصبح أهم السياحات المستقبلية للشعوب، وبذلك من المرجح أن تختلف المعادلة ويصبح لدينا إقبالا على التذاكر الفضائية أكثر من تذاكر الطيران لدول العالم.
ومن الفوائد الأخرى للاستثمار فى الفضاء دراسة الظواهر المناخية ورصد الملاحة الجوية والتنبؤات الفلكية وكيفية إدارة أزماتها والتغلب عليها، والتى قد تتسبب فى خسائر اقتصادية كبيرة للدول العالم، والتى لاحظنا أثرها فى الآونة الأخيرة.
مصانع الفضاء
تكشف بعض التقارير الإعلامية عن التخطيط لإنشاء مصانع ومراكز خدمات بالفضاء، والتى تشمل محطات صيانة وإصلاح وتزويد بالوقود، بدلا من إرسال صواريخ بالمعدات والأجهزة المطلوبة فى رحلات باهظة ومحفوفة بالمخاطر إلى الفضاء.
وتوضح بعض التقارير أن هناك ما يقرب من 400 شركة ومؤسسة ناشئة تعتزم تقديم منتجات أو خدمات تدور فى فلك اقتصاد الفضاء، ولعل أبرزها الإستراتيجية التى أطلقتها أمريكا فى أبريل الماضى لتطوير هذه التقنيات بعنوان «الإستراتيجية الوطنية للصيانة والتجميع والتصنيع فى الفضاء».
ومن أبرز الخدمات التى تخطط لها شركات الاستثمار فى مجال الفضاء، هو صيانة الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية، لأنه أصبح من المهم الاحتفاظ بالأقمار الصناعية التى تدور بالفعل حول الأرض، بدلا من تدميرها بعد تعرضها لأعطال.
خدمات غير مسبوقة
أصبحت أنشطة وعمليات صيانة وتأهيل الأقمار الصناعية القديمة بدلا من الاستغناء عنها من أشهر مجالات التصنيع فى الفضاء، لذا تخطط وكالة ناسا لأولى رحلات إعادة تزويد المركبات الفضائية بالوقود فى الفضاء، وقد نجحت شركة الطيران الفضائى «نورثروب جرومان» (Northrop Grumman) فى وقت سابق فى تسيير رحلتين لتمديد العمر الافتراضى لبعض الأقمار الصناعية، وستستخدم قريبا روبوتا فضائيا جديدا للقيام بهذه المهمة على نطاق واسع.
وصيانة الأقمار الصناعية هى الهدف الأول لتقنيات التصنيع والتجميع فى الفضاء لأنها تضيف قيمة واضحة، وهناك العديد من الجهات المستعدة لدفع ثمن هذه الخدمة، وقد نجحت شركة «استروسكيل» (Astroscale) التى يقع مقرها فى طوكيو باليابان فى إطلاق مهمة تجريبية فى العام الماضى، أثبتت من خلالها قدرتها على استخدام مركبتها الفضائية فى قنص الأقمار الصناعية المعطلة أو التالفة، والتخلص منها.
ومن أهم الدول التى تهتم بالاستثمار فى مجال الفضاء، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، اليابان، فرنسا، روسيا، وألمانيا، بالإضافة إلى الدول التى انضمت مؤخرا إلى هذا المجال مثل الإمارات والهند والسعودية.
الدول الأكثر إنفاقا
وتعكف 4 دول، وهي: اليابان وروسيا والهند والإمارات على تنفيذ مهام من أجل الوصول إلى سطح القمر، وأنشأت المملكة العربية السعودية مجلس يعرف باسم «المجلس الأعلى للفضاء» برئاسة ولى العهد، الأمير محمد بن سلمان، بالإضافة إلى تعديل اسم «هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات» لتكون «هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية».
وفى هذا السياق، قال الدكتور أسامة مصطفى خبير المعلومات والاتصالات، إن استغلال الفضاء اقتصاديا يتماشى جنبا إلى الجنب مع الاستغلال العسكرى له، وأكد أن مجال الاتصالات من أهم مجالات الاستثمار فى الفضاء، والتى تحقق عائدا ماديا كبيرا من خلال تقديم خدمة الإنترنت والاتصالات للدول التى تفتقر إلى البنية التحتية.
وأشار خبير المعلومات والاتصالات إلى أن الملياردير الأمريكى إيلون ماسك كان له السبق فى استغلال الفضاء من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية هائلة من خلال خدمة ستارلينك، والتى تقدم خدمات الإنترنت والاتصالات بمقابل مادى.
وأوضح مصطفى أن مصر لحقت بركب الدول التى تحقق استفادة اقتصادية من الفضاء وذلك من خلال القمر الصناعى طيبة والذى أطلقته مصر فى 2019، وهو مخصص لمجال الاتصالات.
وأشار مصطفى إلى أن مصر تحقق مكاسب من القمر الصناعى طيبة والذى أسهم فى النهوض بقطاعات البترول والطاقة والثروة المعدنية، والتعليم، والصحة، والقطاعات الحكومية الأخرى.
ونوه إلى أن الأقمار الصناعية أيضًا تلعب دورا مهما فى عمليات استكشاف الثروات المعدنية ومصادر الطاقة ليس فقط على كوكب الأرض ولكن أيضًا فى الفضاء، مما قد يحقق مكاسب مادية هائلة من اكتشاف المعادن النفيسة والنادرة على كوكب الأرض والتى قد تكون متوفرة بشكل كبير فى الفضاء.
وأكد خبير الاتصالات أن الصين تحاول تعظيم الاستفادة الاقتصادية من الفضاء، من خلال مشروع الشمس الصناعية، والذى يجعلها تستغل الطاقة الشمسية بصورة أفضل مما يحقق لها منفعة اقتصادية كبيرة.
وفى سياق متصل، قال الدكتور محمد الغمرى، رئيس مجلس إدارة شركة إيجيبت سات للأقمار الصناعية، إن أكثر مجال للاستثمار الاقتصادى فى مجال الفضاء هو الأقمار الصناعية.
وأضاف الغمرى، أن هناك رحلات سياحية إلى الفضاء، ولكنها بشكل قليل وبأسعار مبالغ فيها، مؤكدا أن فكرة جعل الفضاء وجهة سياحية للكثير من الأشخاص احتاج إلى وقت طويل لتحقيقه، موضحا أن مشروعات استغلال المعادن الموجودة فى الفضاء لا تزال مجرد فكرة، ولم يتم الشروع فى تنفيذها حتى الآن، لأنها مكلفة للغاية.