رئيس التحرير
عصام كامل

منهج "عمر" في اختيار "القضاة"


رغم مكانة عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- وأسبقيته في الإسلام، وعلمه الواسع، وثقافته الغزيرة، ورؤيته السديدة.. إلا أنه لم يتول "القضاء" بنفسه، بل أسس إدارة مستقلة للقضاء تكون مهمتها الفصل بين الناس فيما ينشأ بينهم من منازعات.


بل إنه جعل إدارة القضاء والعدل مستقلة تماما عن نظام الحكم بعد عدة أيام من توليه الخلافة.. رغم أن الخليفة أبا بكر الصديق- رضى الله عنه- كان يتولى القضاء بنفسه..

وبعد أن استقرت دعائم الدولة في عهد عمر أقام المحاكم المستقلة في جميع الولايات، وعين القضاة، وإلى جانب هذا كتب أمرا يحتوى على قواعد القضاء ولوائحه، كتلك الرسالة التي بعثها إلى أبى موسى الأشعرى، عامل الكوفة آنذاك.

وكان لعمر بن الخطاب أسلوب فريد في اختيار القضاة لكل ولاية، ونلمس ذلك من اختياره لقاضى المدينة المنورة زيد بن ثابت- رضى الله عنه- وهو كاتب الوحى في عهد النبى- صلى الله عليه وسلم- فقد كان ضليعا في اللغة العربية والسريالية وفى العلوم الفقهية، ولم يكن له مثيل بين العرب في علوم الفرائد "الفصاحة"..

أما قاضى البصرة فكان كعب بن صور، وهو صحابى سريع الفهم، متوقد الذكاء، وروى له القاضى ابن سيرين كثيرا من أحكام القضاء.. فيما كان "عبادة بن الصامت" قاضيا على فلسطين، وكان من بين خمسة أشخاص حفظوا القرآن في عهد النبى.. واختار عبد الله بن مسعود، مؤسس الفقه الأول، ليكون قاضيا على الكوفة..

ووضع عمر ضوابط كثيرة عند اختيار القضاة، وتوليه "القضاء" حتى إنه كان يشرف على اختيارهم ويختبرهم بنفسه.. ومن بين هذه القواعد:

أولا: أن يكون القاضى من أهل الزهد والورع والتقوى.. ومن أهل العلم والعاملين به، والمشهود له بحسن السيرة بين الناس.

ثانيا: تحديد رواتب كبيرة للقضاة؛ حتى لا يقعوا تحت تأثير الإغواء، لدرجة أن راتب القاضى في العام يتجاوز ما يحصل عليه أمير المؤمنين نفسه.

ثالثا: أن يكون القاضى ذا حسب ونسب ومكانة بين القوم، لأن ذلك- من وجهة نظر عمر- يجعله متعففا عما في أيدى الناس.

رابعا: ألا يسمح للقاضى مطلقا بالبيع أو الشراء أو التجارة؛ ليضمن الاستقلالية الكاملة للقضاء.

خامسا: أن يكون جميع الناس شريفهم ووضيعهم.. غنيهم وفقيرهم.. حاكمهم ومحكومهم.. متساوين أمام القاضى.. لا فرق بينهم.. إلى حد أنه كثيرا ما دخل المحكمة كخصم أو كصاحب حق؛ لينظر هل يساوى القاضى بينه وبين خصمه أم لا.

وهكذا فإن الضوابط التي وضعها عمر هي بمثابة دستور يسير عليه نظام أي دولة.. وهذا ما يتم في جميع الدول المتقدمة إلا في العالم الإسلامى!

وللحديث بقية إن شاء الله..
الجريدة الرسمية