الدكتور يوسف العميري يكتب: مصر «المحروسة» من «دعوات» التخريب
التكنولوجيا مثل أي شيء آخر، لها وجه جميل وآخر قبيح، أما جمالها فيتمثل في تيسير حياة الناس، وزيادة مساحة رفاهية البشر، وأما القبيح - أعزكم الله - فيتلخص في أن التكنولوجيا، ومن ثم وسائل التواصل الاجتماعي، باتت أرضا خصبة لدعوات التخريب برائحتها العفنة التي تزكم الأنوف.
فمنذ أسابيع وأنا أتابع - كغيري من المهتمين بالشأن المصري - بعض الدعوات «المجهولة المعروفة»، من أجل الخروج يوم 11/11 في شوارع وميادين مصر، بدعوى الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية في مصر.
وهنا أقصد بمصطلح «المجهولة المعروفة»، أنها دعوات يطلقها البعض من وراء الشاشات ولوحات المفاتيح، ومعظمهم من المنتمين للجان إلكترونية مأجورة.
تلك اللجان «يستأجرها» قيادات جماعة من الهاربين والمشردين خارج دولهم، فهم من يعطي الأوامر للتخريب لأتباعهم في دول الخليج والدول العربية، والمثير للدهشة أنهم أساسا منقسمين ومختلفين في ما بينهم.
وبين هذه الجهات - وهو ما لا يخفى عن أحد - خلافات كبيرة بل وقتال عنيف.. تخيل عزيزي المواطن أن السبب في ذلك الاقتتال الداخلي بين قيادات تلك الجماعة هو من يحصل على المليارات المكدسة في المصارف الأوربية، وبالتالي التصرف فيها دون محاسبة.
وعليه أقول.. هل تشهد مصر غلاء في الأسعار وتضخم وبطالة.. طبعا نعم، لكن هل مصر وحدها من يعاني هذه المشكلات؟!
هل تعلم أن معدل التضخم السنوي في أمريكا ارتفع خلال شهر سبتمبر الماضي إلى 8.2 في المئة، وفي الاتحاد الأوروبي بلغ 7.5 في المئة، ووفق البيانات الرسمية وصل معدل التضخم السنوي في تركيا إلى مستوى 85.51 في المئة في أكتوبر.. وحتى في دول الخليج ترتفع نسب التضخم وتزداد الأسعار شهرا بعد آخر.
إن ما تمر به مصر من مشكلات اقتصادية، إنما هو نابع من متغيرات عالمية تلقي بظلالها الثقيلة على المجتمع الدولي ككل.. من غربه إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه.. ومع ذلك يبقي لمصر جهودها في التنمية، ما مكنها من إنجاز الكثير والكثير خلال السنوات الماضية رغم صعوبة التحديات.
إذ حققت مصر طفرة تنموية كبيرة خلال آخر ثماني سنوات، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014.. وتشهد بذلك التقييمات الإيجابية الصادرة عن مؤسسات التصنيف الدولية التي أشادت بالأداء القوى للاقتصاد المصري.
ففي أحدث تقاريره، رفع صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الاقتصاد المصري إلى 5.6% خلال العام المالي الجاري، متجاوزا تقديرات البنك الدولي الأخيرة بنسبة 0.1%، لتصبح مصر من الدول القليلة التي تحقق نموا إيجابيا.
ولنأخذ مثالا عمليا، فقد بلغ اجمالي الصادرات السلعية المصرية في عام 2015 حوالي 18.6 مليار دولار، بينما ارتفعت مع نهاية عام 2021 لتصل الى 32.3 مليار دولار!
مصر خلال السنوات الماضية، التي يعتبرها العالم سنوات عجاف، تمكنت من بناء مدينة كبرى، حري بكل مصري أن يفخر بها، وهي العاصمة الإدارية وما يصاحبها من طفرة في التعمير والبناء، على كافة المستويات بما في ذلك البسطاء، حيث تحولت كثير من المناطق من مجرد عشوائيات كئيبة إلى مساكن تليق بالحياة الآدمية وكرامة البشر.
مصر، التي تمكنت - رغم ظروف وباء كورونا - من أن تحافظ مقدرات شعبها، بل وراعت مصالح الفئات الأكثر احتياجا، فتحملت الدولة أعباء لا يمكن تصورها.
مصر التي أنشأت 12 منطقة صناعية، بإجمالي مساحة 42 مليون م2، كما أنه تم أيضا منح موافقات وتراخيص لإنشاء مصانع جديدة وتوسعات بمصانع قائمة بلغ إجماليها 6223 منشأة صناعية بتكلفة استثمارية تصل إلى 225 مليار جنيه، فأتاحت أكثر من 370 ألف فرصة عمل جديدة.
بل دعك من كل هذا.. ففي رأيي، إن أكبر مكسب حققته مصر خلال السنوات المنصرمة، هو «الأمن والأمان» واسألوا دول قريبة منا، كيف يعيش أبناؤها إما مشتتين في بلدان أخرى، أو يعيشون في رعب، بسبب مشاكل الأمان ونقص المواد الغذائية.
اسألوا إخواننا في ليبيا وسوريا والعراق واليمن.. هؤلاء الذين استجاروا بمصر فاحتضنتهم وكأنهم أبنائها، فمصر العروبة لا تعرف لاجئين بل ضيوفا وأصحاب دار.
حفظ الله مصر وكل وطننا العربي.. وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل من أراد بها وبنا سوء.