حكايات أنيس منصور عن الحب.. من الناس الخيرين إلى الزفت والطين!
![حكاوي زمان](images/no.jpg)
![](/Upload/libfiles/427/3/414.jpg)
احتفلنا أمس بعيد الحب الذى يحمل دعوة للحب أطلقها الكاتب الصحفى مصطفى أمين بتحديد يوم 4 نوفمبر من كل عام ، ونسترجع مقالا نشره الكاتب الصحفى أنيس منصور فى كتابه «معنى الكلام» تحت عنوان «حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه!» قال فيه:
صوت أم كلثوم وشعر عبد الوهاب محمد ولحن بليغ حمدى يقول مطلعه: حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه؟ فعلا حب إيه؟ لم يعد أحد يتكلم عن الحب اللى هو.. وإنما عن اللذة والمصلحة والتكافؤ فى الحياة والخيانة الضرورية، لأنه ما من زواج بلا حب يكون حبا بلا زواج، ولو عدنا إلى الحب القديم كما صورته الحضارة الإغريقية فى ملاحم الإلياذة والأوديسة للشاعر هوميروس لوجدنا أن الحب شهامة وبطولة ووطنية.
ولو قرأنا حب أفلاطون لوجدناه حب الناس الخيرين والجميلات طريقا إلى حب الخير والجمال، وعند أرسطو أنه حب الله، فكل شيء فى الكون بسبب حبه لله ينتظم وينضبط، والشاعر الإيطالى دانتى أحب طفلة فى التاسعة وكانت حبه الوحيد، ولما تزوجت غيره لم يتركها، بل جعلها بطلة ملحمته الشهيرة “الكوميديا المقدسة”، حتى جاء عالم النفس فرويد فاستخدم الطين والزفت تفسيرا وحيدا لكل أنواع الحب؛ حبك لأمك وابنتك وأختك وبلدك، حب عاطفى حتى أصبحنا نخجل من كلمة حب.
وقد حدث عندما أجرت مذيعة التليفزيون الأمريكية بربارا والترز حديثا مع الرئيس السادات وسألته عن رأيه فى الرئيس كارتر؟ فقال: إنى أحبه.. وانزعجت وانزعجنا نحن أيضًا، وحاولنا نحن أن نحذف هذه العبارة لكن دون جدوى، لأن الأصح أن يقول أحترمه وأقدره. رفضت بربارا وقالت: سينسى الناس كل ما قاله السادات، ولن يذكروا إلا أنه يحب الرئيس كارتر. فالسادات عندما قال إنه يحبه لم يقصد أنه يحبه عاطفيا، وإنما يحترمه كثيرا، لكن الحب هكذا غريب وشاذ أيضًا.
الحب والعشق
وفى عصور الرومانسية تحول الحب إلى شيء آخر غير الواقع، فالحب والعشق والهيام كلها من صناعة الفنانين والشعراء ولا علاقة لها بالواقع، اقرأ عمر بن أبى ربيعة ومجنون ليلى، وأخيرا كامل الشناوى فيلسوف الحب الذى تحطم قلبه، ويقول كامل الشناوى: حطمتنى مثلما حطمتها.. فهى منى وأنا منها شظايا.. كونى كما تبغين لكن لن تكونى.. فأنا صنعتك من هوايا ومن جنونى.. وقد برئت من الهوى ومن الجنون.
فالمرأة وجمالها ودلالها من صنع العاشق، فلا هى جميلة ولا هى رقيقة ولا هى لطيفة، وإنما كل ذلك من خيال الشاعر الذى يريدها كذلك. والحب صناعة أدبية فنية، الحب والمحبوبة من صنع الشاعر كامل الشناوى، أو مجنون ليلى أو عمر بن أبى ربيعة، أما أن كامل الشناوى أو أى شاعر رومانسى مثل إبراهيم ناجى أو صالح جودت قد شفى من الهوى ومن الجنون فليس صحيحا، وإنما هواه وهم، وحلم من أحلام الشاعر، فالحب قد خلق لنا عالما آخر لا نعيش فيه، وإنما يحاول الشعراء أن يحشرونا فيه..
أما الحب الذى هو حب الأم والزوجة والابنة، وحب الجمال والخير، وحب الحياة وحب الوطن وحب الحقيقة، فكلها مشاعر حقيقية وصادقة وعميقة، وقد ذهب الرومانسيون إلى ما وراءها وفوقها.. حب إيه اللى أنت جاى تقول عليه.. إنت عارف معنى الحب إيه.. لما تتكلم عليه! والله يا ست نحن لا نعرف عن أى شيء تتكلمين، فالحب فى زماننا هو نقصان الكراهية، والكراهية هى انعدام الحب وبس.