العملة الصينية الروسية الجديدة.. هل تنجح في إزاحة الدولار عن عرشه؟
هناك مؤشرات تؤكد أن الصين وروسيا تسعيان لاعتماد عملة جديدة مدعومة بالذهب، بهدف نزع الصفة من الدولار الأمريكي كعملة احتياطية أولى عالميًا ومهيمنة بلا منازع على نظام التجارة العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ولكن هل يمكن حقًا تحييد الدولار الأمريكي كعملة أولى ورئيسية في سوق المال العالمي، وهو الذي يتم من خلاله استخدام أكثر من 80% من جميع معاملات الصرف الأجنبي.
شبكة "فوكس بيزنس" نقلت عن الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات الآسيوية التابع لمؤسسة التراث، مين هوا تشيانج، قوله: "سيبقى الدولار الأمريكي العملة الأكثر أمانًا واتساقًا والأكثر استخدامًا في آسيا والعالم"، حسب تعبيره.
العملة البديلة
ويرى الخبير الاقتصادي تشيانج أنه لا توجد عملة أخرى مدعومة بالذهب أو بغيره، يمكن مقارنتها حاليًا بالدولار الأمريكي، "ومن غير المرجح أن يتغير ذلك في المستقبل القريب".
الصين، مثل روسيا، لم تؤكد، كما لم تنف، وجود توجّه لدى البلدين بشأن "العملة البديلة"، غير أن بكين كانت قد أطلقت في وقت سابق من هذا العام حملة لشراء كميات ضخمة من الذهب، بالتزامن مع اضطرار موسكو للتخلي عن الدولار بسبب العقوبات المفروضة عليها جراء غزوها أوكرانيا، هذا الغزو الذي أدى إلى زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن بامتياز.
وعلى ضوء التطورات على صعيد الحرب في أوكرانيا والتوتّرات في جزيرة تايوان، واشتداد الحرب التجارية التي تطبع منذ سنين العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، لا يستبعد بعض الخبراء أن تقوم بكين بإطلاق عملة جديدة مدعومة من الذهب.
"حصانة ضد العقوبات الأمريكية"
فكرة العملة الروسية الصينية المشتركة تكرر الحديث عنها مرارًا خلال العقد الماضي، خاصة بعد أن افتتح البنك المركزي الروسي أول مكتب خارجي له في بكين في العام 2017.
ويشير الباحث الأمريكي المتخصص في شؤون الصين بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، كريج سينجلتون إلى أن المسؤولين في الصين لطالما تحدثوا خلال العقدين الماضيين عن ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن وضع حدّ لهيمنة الدولار الأمريكي على سوق المال العالمي.
وفي تصريح لشبكة "فوكس نيوز"، يرى سينجلتون أن "ثمة عنصرين يتركزين في الاستراتيجية؛ الأول يتعلق بتطوير نظام تجارة السلع العالمية على أساس اليوان والأمر الثاني يتعلق بالجهود التي تبذلها الصين بالشراكة مع روسيا والدول الأخرى ذات التوجه المماثل، لتحدي هيمنة الدولار من خلال إنشاء عملة احتياطية جديدة".
ويتابع الباحث سينجلتون حديثه قائلًا: "من حيث المبدأ، تسعى بكين وموسكو إلى بناء مجال نفوذ خاص بهما يتمتع بعملة موحدة، مما يضمن لهما حصانة ضد العقوبات الأمريكية".
سابع أكبر احتياطي للذهب
وكانت كمية الذهب القياسية التي اشترتها الصين في الآونة الأخيرة، على مرأى ومسمع من العالم، أثارت استغرابًا لدى المراقبين والمتابعين، ويشار في هذا السياق إلى أن إدارة الجمارك الفيدرالية السويسرية أعلنت في شهر أغسطس الماضي أن الصين أحد أكبر مشتري سبائك الذهب في العالم، تلقّت أكثر من 80 طنًا من سويسرا في شهر يوليو، بزيادة أكثر من الضعف عن شهر يونيو وثمانية أضعاف عن شهر مايو.
وتشير البيانات المالية الدولية التي صدرت منذ شهر مارس الماضي إلى أن الصين تمتلك سابع أكبر احتياطي للذهب في العالم، هذا فيما لم تبرح بكين تواصل تلقيها المزيد من شحنات المعدن النفيس.
ويوضح خبير التداول في شركة "أسواق آسيا"، فرانسيس هانت أن استخدام الذهب لدعم العملة يعدّ أفضل وسيلة لتوطين الثقة فيها"، ولم يستبعد هانت أن تكون تلك العملة "رقمية، من أجل منح السلطات الصينية إمكانية أعلى لمراقبة نشاط مواطنيها".
معوقات أمام العملة البديلة
لكن في المقابل، يقلل تشيانج من أهمية النجاح المحتمل لعملة جديدة بسبب "حجم التجارة الصغير نسبيًا"، الذي من شأنه أن يحد من نمو تلك العملة، أما مسألة أن تكون تلك العملة رقمية، فهذا سيؤدي إلى صعوبة في الترويج لها، حسب رأيه.
ويقول تشيانج: "حتى في حال استخدم البلدان عملة جديدة في المعاملات التجارية الثنائية، فإن حجم التجارة الصغير نسبيًا سيحد من التأثير في الدولار الأمريكي"، لافتًا الانتباه إلى أن عملة دولية، مثل اليورو، تتطلب "أرضية سياسية وتنسيقًا وتكاملًا اقتصاديًا، وهذا الأمر غير موجود حاليًا في آسيا"، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي.
يشار إلى أنه في شهر أغسطس الماضي، تمّ إجراء 43% من المدفوعات العالمية بالدولار الأمريكي، و 34% باليورو، فيما بلغت المدفوعات العالمية بـالنرمينبي (اسم العملة الصينية الرسمية) 2 بالمائة فقط من إجمال المدفوعات العالمية، وفقًا لـ"آر إم بي تركر".
ويؤكد تشيانج أن "الرنمينبي يكتسب بعض القوة، لكنه لا يزال خلف الدولار واليورو"، مضيفًا أن "ثقة الأجانب تجاه الآفاق الاقتصادية للصين وروسيا (أو عدم وجودها) تشكل قيودًا رئيسة" على أي عملة مشتركة محتمل وجودها.