التعليم الفنى.. سر المستقبل.. وخبراء: حان وقت تغيير النظرة المجتمعية إلى خريجى المدارس الفنية
يبدو التعليم الفنى مثل سر المعبد، التميمة الوحيدة التى يمكنها دفع الاقتصاد المصرى للأمام، ولن تخترع البلاد العجلة، إذ اتبعت هذه الشفرات فى التقدم البلدان الغربية الكبرى بعد أن جعلت منه قلادة سحرية تفتح لها أبواب عالم الصناعة والأعمال، ومن خلالها تفوقت على أقرانها بسبب السياسات المتميزة التى اتبعتها لترغيب طلابها فى الطرق على أبوابه، وهو ما يحدث فى مصر الآن، إذ تضع الدولة على رأس أولوياتها تطوير التعليم الفنى وتغيير النظرة المجتمعية له.
فالغالبية من أبناء الطبقات المختلفة يعتبرونه أقل وأضعف فى القيمة الاجتماعية من التعليم الثانوى العام، لهذا أعدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى إستراتيجية جديدة لتطوير هذا التعليم وتحسين جودته والنهوض به، مدفوعة باهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بهذا الملف الفارق فى حياة الأمة المصرية. وتفتح “فيتو” الملف، وتكشف جهود الحكومة فى استكمال جوانب تطوير التعليم الفنى وفق معايير الجودة العالمية من خلال تعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص لتدعيم قطاعات الاقتصاد المختلفة بالكوادر المدربة بما يتفق مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل.
التقدم الاقتصادي
يقول الدكتور تامر شوقى، أستاذ علم النفس والتقويم التربوى بكلية التربية جامعة عين شمس، إن التعليم الفنى فى العصر الحالى هو عماد التقدم الاقتصادى فى غالبية الدول المتقدمة، ونسبة خريجيه تصل إلى نحو 70% من خريجى التعليم الفنى، كما هو الحال فى ألمانيا التى تعد من أكبر القوى الاقتصادية فى العالم، وكذلك فى سنغافورة وكوريا والصين.
وأوضح أستاذ التربية بجامعة عين شمس، أنه فى ضوء وعى القيادة السياسية بأهمية التعليم الفنى، وفى إطار رؤية مصر الإستراتيجية 2030 أصبح هناك توجيهات بالاهتمام بقطاع التعليم الفنى فى مصر، مما سيسهم فى ازدهار الاقتصاد المصرى وتوفير عملة صعبة نتيجة لتصدير منتجات مصرية مرتفعة الجودة على أيدى خريجى التعليم الفنى، وخاصة مع توجه الدول المختلفة لفرض قيود صارمة متصلة بالجودة على وارداتها من الدول الأخرى.
وأشار الدكتور تامر شوقى إلى أن الدولة المصرية حرصت على الاهتمام بالتعليم الفنى من خلال التوسع فى إنشاء المدارس التطبيقية التكنولوجية، وكذلك المدارس الدولية للتكنولوجيا التطبيقية، بالإضافة للتوسع فى إنشاء الجامعات التكنولوجية الجديدة على مستوى محافظات الجمهورية.
أوضح أن المدارس والجامعات التكنولوجية تضمن العديد من المميزات مثل إتاحة الفرص لخريجيها للعمل بمرتبات مجزية فى ضوء تمتعهم بمهارات تقنية مرتفعة، كما تسهم فى تغيير نظرة المجتمع إلى التعليم الفنى والذى أصبح مسارا موازيا للتعليم العام، وسيؤدى إلى زيادة حرص أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بالتعليم الثانوى الفنى طالما سينتهى بهم إلى الجامعات التى أصبحت تتضمن تخصصات جديدة يحتاجها سوق العمل والصناعة فى المستقبل مثل تكنولوجيا المعلومات والطاقة الجديدة والمتجددة، والأوتوترونكس، والميكاترونكس، وتكنولوجيا الأطراف الصناعية، وتكنولوجيا الغاز والبترول، وهذه التخصصات لا يوجد نظير لها فى الجامعات المصرية، مما يتيح الفرصة لخريجيها للالتحاق الفورى بالوظائف المناسبة وبمرتبات مجزية، كما تسهم فى تخريج أجيال جديدة تستطيع تطبيق معايير الجودة العالمى فى الإنتاج والصناعة.
تحديات التطوير
وأكد الخبير التربوى، أن التعليم الفنى يواجه بعض الصعوبات والتحديات مثل التكاليف المرتفعة لإنشاء مدارس وجامعات تكنولوجية وفنية وتجهيزها، والذى يتطلب ضرورة مشاركة مؤسسات المجتمع المدنى ورجال الأعمال فى تأسيسها، وهو ما يحدث حاليا، ولكن نحن بحاجة إلى المزيد من المشاركة، موضحا أهمية إعداد معلمين فى التخصصات الحديثة التى تتضمها المدارس التطبيقية، وهذا يتطلب تغيير نظم إعداد وتأهيل معلمى تلك المدارس بكليات التربية وغيرها بما يتسق مع التطورات الحديثة.
وكشف “شوقي” أن من ضمن التحديات التى تواجهها الدولة نظرة المجتمع المتدنية لطلاب وخريجى التعليم الفنى، مؤكدا أن الإقبال المتزايد على التعليم الفنى يتطلب تغيير ثقافة المجتمع بأهمية دوره وخريجيه فى نهضة المجتمع، لافتا إلى ضرورة التطوير المستمر فى مناهج ومقررات التعليم الفنى بما يتسق مع ما به من أقسام مستحدثة سواء على مستوى المدارس التطبيقية أو الجامعات التكنولوجية والاستعانة بفريق من أساتذة الجامعات فى تلك التخصصات لوضع المقررات الخاصة بها.
وأوضح ضرورة النظر فى التكاليف المرتفعة نسبيا التى يتطلبها الالتحاق ببعض المدارس والجامعات التكنولوجية وتخفيضها أو إتاحة فرص سدادها على أقساط، وكذلك إعداد فريق من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية للتدريس فى التخصصات الجديدة بالجامعات التكنولوجية، وهذا يتطلب من الجامعات التركيز على إعداد أجبال جديدة من أعضاء هيئات فى تلك التخصصات الحديثة.
أما الدكتور محمد عبد العزيز، أستاذ التربية بجامعة عين شمس، فيرى أن التعليم الفنى فى مصر يعانى الكثير من المشكلات من أبرزها أعداد الملتحقين بالتعليم الفنى، والتى لا تتوافق مع أعداد المدارس المتاحة مع عجز أعداد المعلمين المؤهلين وضعف البنية التحتية التى يمكنها إنتاج فنى مدرب بشكل احترافى مما ينعكس على ضعف شديد فى مستوى خريج غير قادر على النجاح فى سوق العمل بجانب ضعف الطلب على العديد من تخصصات التعليم الفنى، ويضاف إلى ذلك ضعف الميزانية المخصصة للتعليم الفنى وعدم وجود فرصة لتدريبهم داخل نماذج ممثلة لسوق العمل باستثناء بعض التعاقدات مع القطاع الخاص.
سوق العمل
وأشار إلى أن المدارس التكنولوجية التى تؤهل الخريج لسوق العمل مرتفعة التكلفة، مما يمثل صعوبة فى التحاق الكثير من الطبقة المتوسطة والطبقات المجتمعية الفقيرة وخاصة فى ضوء الأزمة الاقتصادية الراهنة، مؤكدا أن حل مشكلة التعليم الفنى تكمن فى تغيير فلسفة الدولة والوزارة للتعليم الفنى وتغيير أنماطه والاستغناء عن بعض التخصصات التى أدت إلى زيادة البطالة إضافة إلى البطالة المقنعة التى سببها ضعف الخريجين، مع ضرورة تعديل المعايير التى يبنى عليها التعليم الفنى حاليا مع إيجاد وسائل غير تقليدية للتمويل بعد وضع خطط التخصصات البديلة وبنياتها التحتية المطلوبة ليكون الهدف الأساسى تخريج عمالة فنية مدربة أن لم تسطع الدولة توفير فرص عمل لها يستطيع هو إيجاد سوق عمل لنفسه سواء بالداخل أو الخارج.
نقلًا عن العدد الورقي…،