إمام التعايش.. «فيتو» تكشف الترتيبات الأخيرة قبل لقاء شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان
فى عالم يموج بالتطرف واغتيال المقدسات وإهالة التراب عليها، أصبح التقريب بين الأديان وتعزيز قواسم العيش المشترك والتسامح بين بني البشر مهمة صعبة للغاية، لا يقدر على التصدي لها إلا قامة بمواصفات فضيلة، الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب الذي وضع على عاتقه إنجاح هذه المهمة منذ توليه مقاليد الأمور بأكبر مؤسسة دينية فى العالم.
كانت العلاقات بين الأزهر الشريف والفاتيكان عادت مرة أخرى بجهود ورغبة حقيقية في التقارب والود من الدكتور الطيب والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، بعد قطيعة استمرت عشر سنوات، حيث سافر شيخ الأزهر إلى الفاتيكان والتقى البابا فرانسيس فى مايو 2016 معلنًا عودة العلاقات بعد خطوات إيجابية من كلا الجانبين.
تبادل الحوار
أعقب ذلك زيارة للبابا إلى مصر ولقاء شيخ الأزهر، ومن وقتها والحوار بين الشرق والغرب يشهد تقدمًا كبيرًا، وتبادل حكماء الشرق والغرب خمس جولات برعاية فضيلة الإمام الأكبر رئيس مجلس حكماء المسلمين، واستضافتهم مدن العالم بين فلورنسا وباريس وجنيف وأبو ظبي، والقاهرة، وأرسل مجلس الحكماء 15 قافلة للسلام تجوب العالم شرقًا وغربًا، بهدف نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش المشترك، شملت العديد من الدول.
وكان توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية فى دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2019 بين الطيب و البابا فرانسيس الثاني أحد أهم تلك المكتسبات، التي قدمت للبشرية القيم الحقيقية للمشيخة وقائدها وإيمانهما التام بضرورة العيش المشترك والسلمي بين كافة الأديان.
تعزيز السلم
وخلال الفترة الحالية يستعد القائدان للقاء ومحطة جديدة فى رحلة تعزيز السلم والأمن بين بنى البشر واتباع الديانات، وستكون هذه المرة فى مملكة البحرين خلال الفترة من 3-6 نوفمبر القادم، فى اليوم الدولي للأخوة الإنسانية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الرابع مع نوفمبر من كل عام، وذلك ضمن مبادرة قدمتها كل من الإمارات والبحرين ومصر والسعودية، ابتداءً من العام الماضى، وأفاد مصدر بأن هذا الحدث العالمى سيشهد حضور نحو 200 شخصية من رموز وقادة وممثلي الأديان حول العالم، إضافة إلى شخصيات فكرية وإعلامية بارزة.
وتشمل محاور المؤتمر فى جلسته الرئيسية والختامية و4 جلسات فرعية ستناقش تجارب تعزيز التعايش العالمى والأخوة الإنسانية، والحوار والتعايش السلمى «إعلان البحرين نموذجًا»، ودور رجال وعلماء الأديان فى معالجة تحديات العصر: التغير المناخى وأزمة الغذاء العالمى، وحوار الأديان وتحقيق السِّلم العالمى «وثيقة الأخوة الإنسانية نموذجًا»..
ومن المقرر أن يشهد برنامج الزيارة حضور بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر «ملتقى البحرين للحوار، حوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني» بالعاصمة البحرينية المنامة، وسيزور بابا الفاتيكان مدينة عوالى، حيث كاتدرائية سيدة شبه الجزيرة العربية التى تم تدشينها بالعام الماضى.
وتأتى الزيارة استجابة لدعوة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة من أجل تفعيل الحوار الإنساني وتعزيز صور التعايش السلمي والتآخي البشري، والتصدي للتطرف الفكرى ضد الآخر المختلف.
أهمية الزيارة
يقول الدكتور محمد إبراهيم العشماوى، أستاذ الحديث الشريف وعلومه فى جامعة الأزهر الشريف، إن الإمام أحمد الطيب يقوم بجهد كبير وملموس فى مسألة التعايش السلمى والتقريب بين الأديان والمذاهب، وصار نموذجا للتعايش السلمى المشترك من خلال جهوده الواضحة للعيان، مشيرًا إلى أن ذلك يأتى ترجمة لجهود مؤسسة الأزهر، والتى تكون دائمًا فى قلب الأحداث، خاصة أن العالم الآن يعانى من ضجيج الحروب والصراعات مما يحتم على قادة الأديان إيجاد طريقة للاتفاق والتعايش بدلا من تأجيج الصراعات المتناحرة فى العالم.
وأضاف «العشماوي» لـ»فيتو» أن من نتائج جهود شيخ الأزهر فى تعزيز قواسم العيش المشترك توقيع وثيقة «الأخوة الإنسانية» مع بابا الفاتيكان، وغيرها من الأحداث التى تبرهن على جهود الأزهر الشريف وأصبحت واضحة للجميع، ونجحت في عملية التقريب بين الأديان، مؤكدًا أن شخصية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ساهمت فى تقبل وجهة النظر الأزهرية وتقريب المسافات بين إتباع الأديان، حيث جاءت كل كلمات شيخ الأزهر فى الفترة الماضية داعية لنبذ العنف والتطرف، مما يدل على أنه يحمل هم الأمة الإسلامية والعالم أجمع، ويريد أن يجعل السلام رسالة عالمية تتخطى حاجز الدعوة والقيادة الدينية، لاسيما أن كلماته تتمحور دائمًا حول أهمية العيش فى سلام بين الجميع ونبذ العنف والتطرف.
ويرى أستاذ الحديث في جامعة الأزهر أن لقاء شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان المرتقب فى مملكة البحرين من شأنه أن يخفف من حدة الصراعات بين الأديان، خاصة مع زيادة مساحة تقبل الآخر وزيادة قواسم العيش المشترك، وأن هذا يتماشى مع حكمة المولى عز وجل من اختلاف الناس فى دياناتهم ومحاولة القضاء على فكرة اختلاف تعد مخالفة لحكمة المولى عز وجل.
يضيف: هذا المعنى يدركه فضيلة الإمام الأكبر، ويعمل مع الأزهر على إيجاد صيغة تفاهم وحوار بين أصحاب الأديان المختلفة فى المساحات الإنسانية المشتركة بينهم من خلال الاجتماعات المشتركة بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان ورموز الديانتين الإسلامية والمسيحية، لافتا إلى أننا فى حاجة شديدة إلى زيادة مساحة التعايش المشترك والتفاهم، وهو الأمر الذى لا يعنى التنازل عن الدين كما يعتقد البعض، بل التأكيد على أحقية تمسك كل شخص بدينه وإيجاد ساحات مشتركة بين البشر جميعًا، إذ يجمعنا مسمى «الإنسانية»، ويجب إعلاء تلك القيمة بغض النظر عن الدين واللغة.
نقلًا عن العدد الورقي…،