رئيس التحرير
عصام كامل

"بسمة".. قصة قصيرة لـ"مصطفى بدر"


خفق قلبانا قبل أن نلتقي، قبل الموعد المحدد بربع ساعة بسانت تريزا التقيتها، عيناها تشعان حنانا وحزنا، تناشدني أن أكون سلواها.
عشرون عاما بين عمرينا، لكني أحمل قلب طفل في داخلي، أما قلبها فاحتواني بعمقه على صغر سنها.

التقت يدانا، رحب كل منا بالآخر بلهجته، أما لهجتها الجنوبية فقد عكست الكرم والسخاء..
وقفنا على درجات السلم الكهربي، تعانقت يدانا وروحانا وقلبانا..

بعد أن فرغت أناملها من وضع تذكرتها في الماكينة، عانقت يدها كفي، فرفعت يدها لأطبع عليها قبلة خرجت من قلبي لتستقر في روحها..
كانت الشمس تسكب أشعتها بسخاء على الموج الرقراق، وبينما كنت أرشف قهوتي كان الآيس كريم يلثم شفتيها.
مع دخان سيجارتي كنت أنفث معاناتي وشجوني، هى أصغت إلىّ، تألمت لقصتي، بعينيها الحنونتين غسلت أحزان روحي، ابتسمت، لتسقط الشمس من جديد على صفحة النهر الخالد..

بدأت هى تروي قصتها، تلاقت روحانا، فلهجتها الجنوبية المحببة إلى مسامعي حملت مفردات معاناتها التي أدمت روحي.
هدهدت يدها يدي، أسلمتها إياها، نامت يدها كعصفور جريح بين يدي، داويت أحزانها بروحي، بدمي، بحناني وقوتي التي آزرت شعوري الكامن بمسئولية الحبيب نحو حبيب ائتمنه على مشاعره البكر.

خرجنا من الكازينو القابع في هدوء ودعة على ضفاف النيل، سرنا على الكورنيش، تشابكت أصابعنا من جديد، جلسنا متلاصقين، أحطتها بذراعي، كان كاسيت المركب يصدح بأغنية "القلب الطيب"، لم نتوقف عن الهمس، اعترفت لها بحبي الهادر كأمواج المحيط، ضغطت بأناملها الرقيقة على أصابعي..

كان قرص الشمس قد تحول إلى دمعة كبيرة دامية خلف الأشجار البعيدة، وأخذ يهوى رويدا رويدا فيما وراء النهر..
جلسنا صامتين نشاهد سحر الغروب، تلاقت عينانا، تعانقت يدانا، وبدانا نهمس بما تبثه القلوب.
بدأت رحلة المركب، حدثتها عن عشقي للهدوء، وللحياة المتدفقة الهادئة كالنيل، موجات متجددة، لكنها هادئة.

يا رب.. ما هذا التوافق البديع بينها وبيني، عشرون عاما تفصل بين عمرينا، ربما كانت روحي شبابية، وربما كانت الأحداث التي مرت بها قد أضافت لعمرها الكثير..
اتفقنا على الزواج، لمعت عيناها ببريق جميل، حنون، هل آن لي أن أضمد جراح عمري؟ وهل لها أن تنعم بالطمأنينة في ضلوع من تحب؟
الجريدة الرسمية