"سلاح العصر" أسرار حرب الطائرات المُسيَّرة..غيرت الأوضاع على الأرض فى حرب روسيا وأوكرانيا.. و100 مليار دولار حجم الإنفاق
فرضت المسيرات -الطائرات دون طيار- حربا من نوع خاص خلال الآونة الأخيرة، إذ أصبحت السلاح العصرى الفعال متعدد المهام فى الحرب الروسية الأوكرانية حيث احتدمت معركة المسيرات الإيرانية شاهد 136 والتركية بيرقدار بين كييف وموسكو، لتؤكد المسيرات أن لها دورا مهما فى حسم الصراعات العسكرية المختلفة فى الحاضر والمستقبل.
الحرب الروسية
كانت البداية حين تمكنت كييف من الرد على روسيا بتدمير آليات وأرتال عسكرية روسية، وذلك باستخدامها لمسيرات تركية الصنع من طراز بيرقدار، الأمر الذى أثار غضب روسيا ودفعها لتكثيف اعتمادها والرد بمسيرات حديثة تعرف باسم «شاهد 136»، وهى إيرانية الصنع من أجل شل قدرة أوكرانيا على تعزيز جبهاتها.
كل تلك الأحداث دفعت العالم للبحث والتساؤل عن المسيرات وعلاقتها بالحرب الروسية الأوكرانية وقدرتها ومداها وأسعارها، وأى نوع منها يعد الأقوى عسكريا، ومتى وأين تم تصنيع أول مسيرة فى العالم، وكيف دخلت الحروب، وما هو احتياطى الجيوش فى العالم من هذه الطائرات، ومستقبلها كسلاح حربى، ليس ذلك فحسب، بل توسعت التساؤلات حول مدى إمكانية تلك المسيرات فى تغيير مجرى الحرب فى أوكرانيا، وهل تعزز تلك المسيرات دور إيران وتركيا كلاعب أساسى بالصراعات الدولية؟
فى البداية، يمكن القول إن المسيرات التى يجرى التحكم فيها عن بعد أو ذاتيا، والتى غيرت مسار الحرب الروسية الأوكرانية فى الفترة الأخيرة ظهرت لأول مرة فى إنجلترا عام 1917، ثم طُورت عام 1924، ومع بدء الحرب العالمية الأولى، كانت الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة من أول الدول استخداما لها فى جيوشها.
لحق بهما الاتحاد السوفييتى فى ثلاثينيات القرن الماضى، وجاءت الحرب العالمية الثانية 1939-1945 والحرب الكورية 1950-1953 لتفتح الباب أمام استخدامها من قبل الولايات المتحدة فى الأغراض التدريبية، ليس ذلك فحسب، بل تم استخدامها كصواريخ موجهة فى تلك الحرب، وفى التصدى للطائرات الحربية المأهولة بالطيارين.
ونظرًا لأن تلك المسيرات كانت الواحدة منها تستخدم لغرض واحد فقط، أنتج منها قرابة 15 ألف مسيرة من خلال مصنع يقع بجنوب كاليفورنيا، ما فتح الباب لاستخدامها فى المجال الاستخباراتى، وخاصة بعد حرب فيتنام خلال الفترة من 1955 وحتى 1975، لكن فى عام 1999 بدأ يظهر دور جديد لتلك المسيرات عبر تزويدها بالصواريخ خلال عملية الهجوم على كوسوفو.
حجم الإنفاق
وفى نهاية العام 2019 ونتيجة لتطوير تلك المسيرات والطلب المتزايد عليها وصل حجم الإنفاق العالمى عليها 100 مليار دولار، وذلك نظرًا لرغبة الكثير من الدول فى تطويرها وإحلالها محل الطائرات الحربية والقاذفات النووية.
وبلغ عدد الدول التى تستخدم هذه الطائرات والدول التى تعمل على تطويرها أكثر من أربعين دولة، تهيمن كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على صناعتها عالميا، ومن أهم الدول المصنعة الصين، والتى تمكنت من تصنيع 25 نوعا من الطائرات دون طيار.
وقد كشفت عنها فى عرض تجارى عام 2010، تليها إيران التى أعلنت خلال العقد الأول من القرن الحالى إنتاج طائرة دون طيار لأغراض استطلاعية، وفى عام 2013 أعلنت عن تطوير أكبر طائرة استطلاعية قتالية مسيرة، أطلقت عليها «فطرس»، بطول 7 أمتار، ومدى طيران يصل إلى 2000 كلم، تليها تركيا التى تصنع طائرات بيرقدار 2، والتى لعبت دورًا كبيرا فى الحرب الروسية الأوكرانية فى الوقت الحالى.
وعن دور تلك المسيرات بالحرب الروسية الأوكرانية، يمكن القول إنه فى بداية الحرب كانت أوكرانيا تمتلك 35 مسيرة من طراز بيرقدار، لكن فى المقابل استخدمت القوات الروسية مخزونها الأكثر تقدمًا من المسيرات، مثل «إيليرون-3» و«غروشا» و«أورلان 10»، ومع انقضاء الشهر الأول للحرب رجحت كفة موسكو فى حرب المسيرات بعد استنزاف مخزون كييف من هذه الترسانة الحديثة، ولاحقًا حصلت كييف على منظومة مسيرات أمريكية، وبات الصراع يشتعل لصالح روسيا تارة، وتارة أخرى لصالح أوكرانيا، حتى انتهى الأمر بصراع المسيرات الإيرانية والتركية بين الطرفين، وأصبح كل من الطرفين يتهم الآخر باستخدام منظومة مسيرات تم الحصول عليها كدعم من إيران وتركيا.
الأنواع
وحول أنواع وأحجام وقدرة المسيرات قال مهدى عفيفى المحلل السياسى والعضو فى الحزب الديمقراطى الأمريكى، إن المسيرات أنواع وأحجام، وتنقسم إلى ثلاثة أشكال منها ما هو ذات أجنحة ثابتة، ومنها ما هو على شكل طائرة مروحية، ومنها ما هو ذو أشكال خداعية، ومنها الصغير الذى فى حجم اليد أي قرابة 10×10 سم، مشيرا إلى أن الفارق بين المسيرات 3 مستويات، الأول مداها، أي المسافة التى يمكن أن تتحرك فيها دون أن تحتاج إعادة شحن أو وقود.
ومعظم هذه المسيرات تعمل بالكهرباء أو بالطاقة الشمسية، ولها مدى محدود، والمستوى الثانى مدى الكاميرات المثبتة بها ودقتها، فهذه المسيرات عليها عدسات يمكنها نقل الصوت والصورة بدقة شديدة، إما عن طريق الأقمار الصناعية، أو التليفون والمستوى الثالث قدرة التحميل الخاصة بها، فهناك بعض المسيرات التى يمكن أن تحمل قنابل أو معدات وتكون كبيرة نوعا ما، وتحلق على ارتفاعات شاهقة، لذا هناك اختلاف كبير فى أنواع المسيرات.
أوضح أن المسيرات الصغيرة تختلف أسعارها بحسب إمكاناتها، إذ تبدأ من 100 دولار وصولًا إلى 10 آلاف دولار، وذلك التراوح فى الأسعار يأتى بناء على قدرة الكاميرات المركبة ومدى الطيران إلى عدة كيلو مترات ومدى التحكم فيها، وتستطيع هذه المسيرات التحليق على ارتفاعات منخفضة وتفادى الأشجار وأى شيء فى طريقها إضافة إلى صعوبة ملاحظتها نظرًا لصغر حجمها فالردارات والأجهزة الخاصة بالدفاعات الجوية لا تستطيع رؤيتها، ولكن مرًة أخرى بالنسبة للمدى والدقة فإنه أقل من ذلك بكثير.
وأضاف المحلل السياسى: يأتى النوع الثانى من المسيرات، وهى الأكبر نوعا ما، والتى يتم إطلاقها بشكل مختلف وتحتاج إلى قواعد إطلاق وتتميز بأن لها عمق أكبر وفعالية ودقة أكثر ومدى أطول، ولذا يمكن أن تكون أكثر فعالية، فالكثير منها مثبت ولديه عدسات تعمل أثناء الليل، ويمكنها أن تحلق على ارتفاعات متوسطة وهذه المسيرات تكون أغلى من المصنف الأول ولكن دقتها وتحركاتها تكون أفضل بكثير.
أما عن النوع الثالث، وهى المسيرات المعقدة، التى تفوق كفاءتها الطائرات وتحلق على ارتفاعات شاهقة، ويمكنها الدخول فى أعماق المجال الجوى للعدو، وتتكلف آلاف الدولارات، وقد تصل إلى مليون دولار، لاسيما أنها معقدة، ويمكن أن تتحرك باستخدام الأقمار الصناعية لمدة كبيرة، ويمكن أن يتم استخدامها فى نقل المعلومات والصور، ويكون دائمًا مثبت عليها أجهزة دقيقة جدا وعدسات قوية وتعمل بنظام بطاريات حديثة جدا، وهذا النوع من المسيرات متوفر بكل الدول، لكنه النوع المفضل لدى البعض.
واستطرد: سواء أكانت تركيا أو إيران لها أنواع معينة من المسيرات عادة من الحجم الكبير يمكن أن يكون لها قدرات أقل بكثير من المسيرات المعقدة، ولكنها تستطيع التحليق على ارتفاعات عالية، وأهم ما يميز هذه المسيرات أنها تتحرك بدون طيار، ويمكن تحريكها من على الأرض باستخدام أجهزة تحكم عن بعد، لذا يمكن لها أن تكشف ما وراء خطوط العدو وتؤدى إلى دقة الضربات التى يتم توجيهها للعدو.
أما عن وصول المسيرات إلى أوكرانيا أو روسيا، أوضح عفيفى أنه يتم بنفس الطرق التى يصل بها الإمداد العسكرى والمعدات، إما عن طريق البر، أو الإنزال الجوى فى أماكن بعيدة عن وصول الضربات الروسية، أو التهريب عبر الطرق البرية المجاورة لأوكرانيا، لاسيما أن هناك حدود مباشرة لروسيا مع إيران وتبادلات بين الطرفين، بما يمكن نقل هذه المسيرات وإعادة تجميعها، وبالتالى نقلها ليس مشكلة بل على العكس فهو أبسط بكثير من نقل الأسلحة والذخائر.
وأضاف عفيفى: تقييم إعداد المسيرات ليس سهلا، إذ من المعروف أن أوكرانيا استخدمت المسيرات الصغيرة منذ بداية الحرب فى معرفة خطوط الإمداد الروسى، واستطاعت أن تضرب خلف خطوط الإمداد، وأن تكون ضرباتها أكثر دقة بعد رصد تحركات القوات الروسية قبل وقوعها، نظرا لأن هذه المسيرات يتم توجيهها من شخص واحد دون معرفة مكانه بدقة، كما أن المسيرات الصغيرة ليس من السهل التعرف عليها، سواء بالأجهزة الخاصة بالسلاح الجوى أو الدفاعات الجوية.
واستكمل: يعتقد الخبراء أن إيران ستستمر فى مد روسيا بهذه المسيرات، وكذلك تركيا عن طريق حلف الأطلسى ستمد أوكرانيا.
حلف الناتو
وقد: رأينا بالفعل أن المسيرات عززت من قدرات القوات الأوكرانية، وتسببت فى بعض الانتصارات بأماكن معينة للقوات الروسية، لذلك أعتقد أن وجود المسيرات واستخدامها سيكون له دور أساسى فى هذه الحرب، كما أن هناك دولا معينة تملك فرقا متخصصة تعمل على إدارة هذه المسيرات والتحكم بها، ولهم تدريب خاص للعمل بشكل كبير، خاصة المسيرات الأكثر دقة والأكثر تكلفة.
أشار الخبير إلى أن هناك تدريبا خاصا لمن يعمل على هذه المسيرات بما يؤثر على مجرى الحرب الدائرة، لكن لا أعتقد أن المسيرات وحدها يمكنها تعزيز دور إيران وتركيا كلاعب أساسى، فالمسيرات الآن أصبحت صناعة متاحة بشكل كبير فى الدول الكبرى مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ودول جنوب شرق آسيا كالهند وباكستان وماليزيا، كما أن دول كثيرة تنتج مسيرات خاصة بها.
وأضاف: بسبب دور إيران فى دعم ما يحدث من توترات بالشرق الأوسط ودعمها مثلا للحوثى هو ما أبرز دور هذه المسيرات، كذلك دولة مثل تركيا التى استطاعت إنتاج المسيرات بتكلفة أقل كثير من دول أوروبية مكنها من لعب دور كبير، لذا أعتقد أن دور المسيرات فى الحروب القادمة سيتعقد بسبب الصراع بين أجهزة على اكتشاف هذه المسيرات، خاصة الصغيرة منها والتى يمكن أن تختفى عن أجهزة الرادار والدفاعات الجوية.
وتابع: فى النهاية يمكن القول إن المسيرات لها دور أساسى فى الحروب سواء كانت عن بعد أو عن طريق الدخول للخطوط الجوية للعدو، ويمكن أن تقلب موازين الحرب بناء على طريقة استخدامها وكيفية توظيفها فى ضرب خطوط إمداد العدو، ولذلك استمرار استخدام المسيرات فى الحرب الروسية الأوكرانية سيكون عاملا أساسيا فيما يمكن أن تصل إليه هذه الحرب.
نقلًا عن العدد الورقي…،