ما حكم منح الأب أمواله كلها للذكور وحرمان بناته منها بحجة زواجهن من غرباء؟.. الإفتاء تجيب
حكم منح الأب أمواله كلها للذكور وحرمان بناته.. يتساءل البعض عن حكم منح الأب أمواله في حياته للذكور من أبنائه وحرمان بناته بحجة زواجهن من غرباء فهل فيما فعله إثم وهل طاعة البنات واجبة في هذا الأمر.
حكم منح الأب أمواله كلها للذكور وحرمان بناته
لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف أوضحت أن الأصل هو أن تتصرف في مالك كيفما تشاء بما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك، وأن المال لا يصير تركة إلا بموت الإنسان، وأما إعطاء الأولاد عطية وهبة في حياتك، فالأصل فيها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له: "فاتقوا الله واعدِلوا بينَ أولادِكم".
وأوضحت اللجنة في بيان فتواها أن جمهور الفقهاء ذهب إلى أنّ معنى التّسوية بين الذّكر والأنثى من الأولاد: العدل بينهم في العطيّة بدون تفضيل، لأنّ الأحاديث الواردة في ذلك لم تفرّق بين الذّكر والأنثى، وهو ظاهر رواية ابن حبان: «سووا بينهم» وحديث ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء».
وتابعت: أن الحنابلة ذهبوا، والإمام محمّد بن الحسن من الحنفيّة، وهو قول مرجوح عند الشّافعيّة إلى أنّ المشروع في عطيّة الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم: أي للذّكر مثل حظّ الأنثيين، لأنّ اللّه سبحانه وتعالى قسم لهم في الإرث هكذا، وهو خير الحاكمين، وهو العدل المطلوب بين الأولاد في الهبات والعطايا.
وأشارت لجنة الفتوى بالمجمع إلى أنه يجوز التفاضل إن كان له سبب، كأن يحتاج الولد لزمانته المرضية أو لعمى، أو لقضاء دينه، أو كثرة عائلته، أو للاشتغال بالعلم، أو نحو ذلك دون الباقين.
توزيع التركة على الذكور والإناث
الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية قال إن من السُنة عدم التمييز إلا لسبب، فإن كان لديه سبب فلا مشكلة في ذلك، وإن لم يكن هناك سبب فالأفضل ألا يفعل ذلك، "أما إذا كان يسأل عن الحلال والحرام وما يجعله يدخل النار أو لا فله أن يتصرف في أمواله كيفما يشاء لكن السنة وفعل سيدنا النبي كان يقول: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".
حكم توزيع الأب أملاكه في حياته
وأكدت دار الإفتاء أن ما يمنحه الأب في حياته لأولاده هو من باب (العطية)، وتستحب التسوية في عطية الأولاد ولا تجب، سواء كانت هبة أم صدقة أم هدية، بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى إلحاق ظلم بأحد الأولاد، أو قصد حرمان من الميراث؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ).
والأفضل عند قيام الأب بتوزيع أملاكه حال حياته أن يقوم بكتابة ذلك والإشهاد عليه والتنازل في دائرة الأراضي؛ قال الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) البقرة/ 282؛ قطعًا للنزاع. وللموهوب له قبول الهبة أو رفضها، فإن رفضها الولد قبل قبضها رجعت إلى أبيه إذا كان حيًا، ولورثته إذا كان ميتًا.
ولا تلزم هذه الهبة ولا تخرج عن ملك الوالد إلا بالقبض والتسجيل، وللوالد الرجوع في هبته قبل ذلك، وله الرجوع بعد التسجيل بشرط أن لا يكون قد تصرف بها الولد.
إلا إننا لا نحبذ قيام الأب بتوزيع أملاكه حال حياته؛ فالله عز وجل أعطى كل ذي حق حقه. والله تعالى أعلم.
حكم توزيع الأب لأملاكه والتفرقة بين الإناث والذكور
يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته في حياته بشرط ألا يقصد الإضرار ببعض الورثة، فيمنع بعضهم أو يعطيهم دون حقهم إضرارًا بهم.
ويعتبر هذا هبة منه لأولاده، ويلزمه العدل بينهم وعدم تفضيل أحدهم إلا لمسوّغ، لما روى البخاري (2587 ) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ) فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.
ولمسلم (1623): (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ، أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: (فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ).
وقال ابن قدامة رحمه الله: " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية، إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل، فإن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فَضَّل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر. قال طاوس: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محترق. وبه قال ابن المبارك وروي معناه عن مجاهد، وعروة " انتهى من "المغني" (5/ 387).
وعليه ؛ فيلزم الأب أن يسوي بين الإناث، المتزوجة وغير المتزوجة، وأن يعطي للذكر ضعف ما يعطيه للأنثى، إلا أن يرضى أولاده بالتفضيل في العطية، فلو رضي الجميع بالقسمة التي وردت في السؤال فلا حرج، بشرط أن يكون الرضى حقيقيًا.
وإذا لم يقصد الرجل حرمان أمه من التركة، فلا حرج عليه في تقسيم أمواله بين أولاده فقط، لأن ذلك من باب الهبة كما سبق، وإن جعل شيئًا لأمه فهذا أولى وأحرى، فإن حقها في البر عظيم، ولو مات كان لها سدس التركة.