هدفها الحفاظ على كرامة المريض وأسرته حتى آخر لحظة.. مؤسسات هوسبيس مصر تقدم الدعم النفسي والطبي في الأيام المعدودة من حياة المريض
"يحتاج إلى الدعاء فقط ولا يوجد شيء يمكن للطب أن يقدمه أكثر من ذلك، فالأمر الآن بيد الله".. تردد هذه الجملة كثيرة عندما يصل الإنسان المريض إلى المحطة قبل الأخيرة ويتمكن منه المرض ويعجز الطب والأطباء أمام حالته ومرضه، جملة نسمعها كثيرًا وقعها كارثي على المريض وأسرته ومن حوله وتظهر ملامح السيناريو الأخير في حياة الإنسان ليشاهده كل الأهل والأحباب وسط بكاء وعويل وعجز تام.
وسط هذه الظلمات ظهرت في الآونة الأخيرة مؤسسات خيرية تقوم برعاية مرضى في أيامهم الأخيرة ولا يوجد علاج لحالتهم، وفي تلك الفترة تكون توصية الأطباء لهم بأن يتلقوا العلاج الذى يخفف من الآلام ويحسن من نوعية حياتهم، وهو ما يعرف عالميًا بخدمة "الهوسبيس".
الخدمة مجانية
الدكتور رانيا حسين يونس، طبيبة أورام، ورئيسة فريق عمل ميداني في إحدى مؤسسات هوسبيس مصر قالت: "نقدم خدمة الهوسبيس بشكل مجاني تمامًا للمرضى البالغين المقيمين بمحافظة القاهرة والجيزة والقليوبية"، مضيفة: “هؤلاء المرضى لا يوجد جهات مختصة ترعاهم، وعندما يصل المريض لهذه المرحلة من العمر، ويبلغه الطبيب أو يبلغ أسرته أن أيامه المتبقية معدودة، فيمر المريض هنا بتقلُبات نفسية حادة وعنيفة تحتاج إلى دعم نفسي، وهذا لا يقلل أبدًا عن الدعم الطبي والتمريضي للمريض”.
وأشارت إلى أنهم يواجهون الكثير من التحديات خلال عملهم، مضيفة: "الثقافة المجتمعية ترفض الاعتراف بأن هناك فترة أخيرة متبقية في حياة المريض، وأيضًا من ضمن العقبات التي نقابلها، هي عندما ندعو الناس إلى التبرع، فنجد صعوبة شديدة بالتبرع لهذه الفئة، لأن الناس أغلبهم تحب التبرع للحالات المرضية التي يوجد أمل في شفائها.
الحفاظ على كرامة المريض وأسرته حتى آخر لحظة من عمره
وأضافت "يونس": إننا لا ندعم المريض فقط، ولكن نحن نتكفل بأسرته كاملة، هدفنا هو الحفاظ على كرامة المريض وأسرته حتى آخر لحظة من عمره، لأن هناك بعض الحالات عندما نتدخل لمراعاتها، إذا كانت من الطبقات المتوسطة أو الأقل، نجد أن حالة المريض قد استنزفت الكثير من المُدخرات المالية للعلاج والكشوفات وغيرها، فقد يؤثر على الأطفال الموجودة بنفس الأسرة من مصاريف تعليم ومدارس، أو لو كان هناك بنات مقبلة على الزواج فيحدث تعصر مادي، فنحن نحاول بقدر الإمكان التكفل بكل هذه الأمور للأسرة، بالإضافة إلى أننا نحاول نوفر للمريض بعض أمنياته الأخيرة التي يمكن أن تكون في نظرنا ككل أشياء بسيطة، ولكن بالنسبة لهم أشياء عزيزة وغالية على المريض.
254 ألف مريض كل سنة
من جانبها قالت دكتور تنديار سمير، مدير عام مؤسسة هوسبيس مصر، إن عدد المرضى الذين يحتاجون إلى خدمات الهوسبيس في مصر كبير جدًا يصل إلي 254 ألف كل سنة، ولا توجد أي مؤسسة طبية تقدم هذا النوع من الخدمات، لأنه يعتبر مفهوم جديد على المجتمع المصري، بالإضافة إلى أن مصطلح "الهوسيبس" لا يوجد له معنى لغوي عربي، لكن منظمة الصحة العالمية عرفت الهوسيبس أنه خدمة المرضى في أيامهم الأخيرة.
وعن كيفية وصولهم للمريض، قالت: “الحالات تأتي لنا من خلال المستشفيات، عندما يبلغ الطبيب بحالاتهم أنه في المراحل الأخيرة من المرض، فتقوم المستشفى بتحويل المريض إلينا بالمؤسسة”.
الدعم النفسي
وأشارت "سمير" إلى أن الدعم النفسي هام للمريض في أيامه الأخيرة لأنه يمر بمراحل نفسية صعبة جدًا، منها الكلام الذي يقال له "أننا خلاص مش هنقدر نساعدك انتظر بالبيت"، فتتكون لديه حالات من القلق، الخوف، العزلة، وأحيانًا المجتمع يفرض على هذا المريض أن يشعر بالموت بينما ما زال حيًا، ولهذا فإن هذا المريض يحتاج إلى نوع من الدعم النفسي المتخصص، وأحيانًا أسرة المريض بتكون محتاجة إلى هذا الدعم أكثر من المريض نفسه.
بدورها قالت ميان فايز إحدى المتطوعات في المؤسسة: “نحاول أن نكون أقرب للمريض بالدعم الاجتماعي، وعندما نشعر أنه في حاجة إلى الدعم النفسي نقوم بالاستعانة بالطبيب النفسي ليساعدهم في هذه المرحلة التي يمرون بها”.
تجارب سابقة
منار أمين قالت: "كانت لي تجربة سابقة مع المؤسسة حيث كان أحد أقاربي في المراحل الأخيرة اليائسة من المرض، وبعد أن استسلمت المستشفى وقالت أنه من الأفضل أن يبقى بالبيت هذه الأيام، فجأة بعد ما كانت الدنيا اسودت أمامي، فوجئت بمكالمة تليفونية، من جمعية تبلغني أنها ستقوم برعاية قريبي وتوفر كل الاحتياجات من أطباء وتمريض،ورعاية شخصية ونفسية، وكان هذا بمثابة طوق نجاة لنا".