ما حكم إنفاق أموال حرام في المشاريع الخيرية؟.. الإفتاء تجيب
حكم إنفاق أموال حرام في المشاريع الخيرية.. يتساءل كثيرون عن حكم إنفاق أموال مكتسبة بطرق غير مشروعة في عدد من المشاريع الخيرية.
حكم إنفاق أموال حرام في المشاريع الخيرية
وكشفت دار الإفتاء أن الإسلام حدد طرق جمع المال وطرق إنفاقه، وحرّم على المسلم الاكتساب من طرق محرمة، ومن المعروف أن التحليل والتحريم في الإسلام يتبع الخبث والضرر، فالطيبات في ديننا كلها حلال، والخبائث في شرعنا كلها حرام؛ لصريح قول الله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف/157.
وما يكتسبه الإنسان من عمل حلال فهو حلال طيب، يأكل منه المرء وينفق ويتصدق، وله الأجر الكبير من الله عز وجل، وما يكتسبه من عمل حرام فهو حرام خبيث، إلا أنه يجوز التصدق والتبرع منه، لكن لا أجر له إلا أجر التخلص من المال الحرام، إن كان القصد من التبرع التخلص من الحرام وتطهير المال.
والنية الحسنة -كبناء مسجد أو إقامة مشروع خيري- لا تبرر الوقوع في الحرام؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، فمن جمع مالًا من حرام ليتصدق به أو ليعمل به عملًا حلالًا؛ لم يشفع له نبل قصده لرفع إثم الحرام عنه، لحديث أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنهَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون/51، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) البقرة/172) رواه مسلم.
وبناء على ذلك فلا مانع من قبول هذه التبرعات وإنفاقها في مصالح المسجد. والله تعالى أعلم.
حكم البيع والشراء مع ماله حرام او اختلط ماله بالحرام
يجوز شرعًا التعامل مع من اختلط ماله الحلال بالحرام إذا لم يعرف حاله؛ بيعًا وشراءً، وأخذًا وإعطاءً، والإثم في المال المأخوذ من حرام إنما يقع على من اكتسبه، أما مَن انتقل إليه المال بالطرق المشروعة فلا حرمة عليه ولا إثم، لكن إن تعين المال الحرام -سواء لتعلق حق الغير به أو غير ذلك- وتميز عن الحلال، حرُم أخذه؛ لِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل.
هذا، مع التنبيه على أنه لا يشرع للإنسان التكلف في السؤال عن مصدر ما يأخذه أو يتناوله غيره، ولا يجوز له التجسسُ لمعرفة ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا، فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ، فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ».. رواه أحمد وغيره.
وقد فتح الله تعالى لعباده أبواب الحلال في الكسب، ولم يحرم عليهم إلا ما فيه ضررهم وفسادهم؛ فإذا تنكب الإنسان طرق الحلال الكثيرة، واختار لنفسه مع ذلك مسالك الحرام، في كل ماله أو بعضه، فقد استحق الإثم على ذلك.
والمقصود من اختلاط الحرام بالحلال في المال: انضمام بعضه إلى بعض، وهذا يشمل ما يمكن تمييز الحرام فيه عن الحلال، وما لا يمكن تمييزه.
والأصل في تكسب المال هو الحِلّ، إلا أن يكون ثمنًا لمحرَّم؛ كالخمر والمخدرات، أو مكتسبًا على صفة محرمة؛ كالسرقة والغصب؛ لتعلق حق الغير به.
فإذا تميز الحرام في المال عن الحلال؛ بحيث يمكن الاحتراز عن الحرام: كان ذلك واجبًا، وحرُم على الإنسان أخذُه حتى لا يشارك صاحبَه في إثمه وتَبِعتِه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنِ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ، فَقَدْ شَرِكَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا».. رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح ولم يخرجاه، والبيهقي في "السنن الكبرى".
أمّا إذا اختلط حرام المال بحلاله، ولم يمكن التمييزُ بينهما: فالذي عليه جماهير الفقهاء من المذاهب الأربعة المتبوعة وغيرها: أنه يجوز التعامل مع صاحبه؛ استصحابًا لأصل الحل؛ فإن الحلَّ هو الأصل، والحرمة طارئة، وما لم يُتَيَقَّن الطارئُ فالأصل بقاءُ ما كان على ما كان.
ومن العلماء مَن كره ذلك تورعًا، ومنهم من قصر الكراهة على ما إذا عُلِم أن أغلب المال حرام، ومنهم من حرَّم التعامل معه إذا كان غالب ماله حرامًا، ومنهم من حرَّمه مطلقًا؛ بدعوى أن اختلاط الحرام بالحلال في المال يستوجب شيوعه في جميعه؛ فيكون للحرمة نصيب في كل أجزائه، وهذا القول ردَّه المحققون من أهل العلم، ونصوا على كونه غلوًّا وتشددًا وشذوذًا.
والصواب الذي عليه الفتوى والعمل: جواز التعامل مع صاحب المال المختلط حلاله بحرامه، وقبول دعوته وهديته، وغير ذلك من صور التعامل المختلفة، وأن كراهة من كره ذلك من السلف إنما هي كراهة تنزيهية على جهة الورع لا على سبيل التحريم، وهذا هو الموافق لأدلة الشرع الشريف وأصوله وقواعده، وهو الذي جرى عليه عمل الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم.
حكم أخذ قرض لفتح مشروع
وفي سياق آخر قال الدكتور محمد وسام، مدير إدارة الفتوى المكتوبة بدار الإفتاء، إن أخذ الإنسان سٌلفة من البنك من أجل عمل مشروع؛ لا يُعد قرضًا بمفهومه المنهي عنه شرعًا.
وأوضح «وسام»عبر فيديو البث المباشر لدار الإفتاء على صفحتها الرسمية على فيس بوك، ردًا على سؤال: هل القرض لفتح مشروع حرام.. والمشروع لم تكف أموالى لإتمامه ؟ أن هذه الصورة تعد تمويلا وليس قرضًا وإن سماه الناس كذلك، مشيرًا إلى أن القرض الحسن في عرف الفقهاء عقد إنفاق وتبرع، بمعنى أن العبد يعطي لغيره مبلغًا من المال ليسد حاجته ويرجعه إلى صاحبه كما هو، دون أن يكون لهذا المقرض مصلحة دنيوية.
وأشار إلى أن القرض الحسن لا يجوز فيه لصاحب المال أن يضيق على المقترض؛ كما قال الله تعالى: « وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)»البقرة، لافتًا إلى أن صورة القرض الحسن لا توجد في البنوك أو المؤسسات المالية، لكن قد توجد في الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي لا تهدف إلى الربح من وراء إقراضها للغير.
وأفاد بأن الصورة المذكورة في سؤال السائل؛ جائزة شرعًا، لأنها تمويلا وليست قرضًا.