ليس انقلابًا.. وليسوا ثوارًا
فى كتابه "واشنطن تخرج من الظل.. السياسة الأمريكية تجاه مصر من 1946 – 1956 " دونَ جيفروى أرونسون بالوثائق نص رسالة السفير الأمريكى بمصر إلى وزير خارجيته بعد صفقة الأسلحة التشيكية وقرار جمال عبدالناصر تمويل بناء السد العالى عبر تأميم شركة قناة السويس بعد مماطلة واشنطن ولندن والبنك الدولى فى دعم مصر لهذا الحق، قوله "لقد كنا من الغباء بحيث لم نفهم كيف يفكر هذا الرجل".
وفى جملة أوراق بحثية لمؤرخين كبار وأساتذة بالجامعات المصرية صدرت مؤخراً عن دار المعارف والجمعية المصرية التاريخية، أشارت دراسات لمؤرخين كبار إلى مصر فى العقدين الأولين من النصف الثانى من القرن العشرين جُمِعت فى كتاب بعنوان "عبد الناصر وعصره"، تحمل 30 تقييمًا لجوانب من توجه مصر فى ظل فكر ثورة يوليو وعبد الناصر، منها الوحدة الأفريقية فى فكره وموقفه من مشروع حلف الدفاع الأفريقى وحلف بغداد، الصراعات والحروب التى فُرِضَت عليه، والتقييم الاقتصادى لعصره ومواقفه من قضايا المرأة والأقباط والثقافة والمؤسسات الدينية.
وحملت مقدمة وورقة الدكتور عادل غنيم بالكتاب حكمًا لأحد أكثر المؤرخين حيادية ورجاحة، مفاده أن يوليو التى بدت فى مقدمتها انقلابًا عسكريًا لمجموعة من ضباط الجيش "الفدائيين"، حملت إلى الشعب مفهومًا راسخًا لمعنى "الانقلاب العسكرى" فى التاريخ المصري المعاصر، دائمًا ما كان يستهدف التمرد على أوضاع سيئة يستهدف بها من فى السلطة إذلالاً لقطاعات عريضة من أبناء الوطن، إذا ما افترضنا أن إزاحة الرئيس محمد نجيب ومؤيديه فى مجلس قيادة الثورة نوع من الصراع الداخلى لحسم أمور السلطة بيد طرف ما، ورغم اعترافى الكامل بخسارة رؤية أول رئيس لمصر حول ضرورة أن يبتعد رجال الجيش عن الحكم.
ويذهب "غنيم" إلى التأكيد على أن مباديء وأهداف يوليو الستة تحققت تماماً فى القضاء على أسباب ظهور الجيش على الساحة وتدخله مباشرة فى أمور البلاد، وإقامة حياة جديدة لمصر الواقعة تحت نير استعمار 74 سنة وحكم هزلى لملكية متوارثة من قبل أسرة غير مصرية، إلا أن يوليو وعبد الناصر أخفقا فى تحقيق الهدف الأخير وهو "إقامة حياة ديمقراطية سليمة"، وهو أمر محل جدل سياسى حول تناسب الظرف الزمنى مع المقصد والهدف، ومتفق عليه حقوقياً مع إهدار أجهزة أمنية لحقوق وحريات كثيرين باتوا ضحايا لسياسات يوليو أو نظام ناصر، وإن اعتبر بعضهم الرئيس وقتئذ غير مخطئ بالدرجة التى تنكر عليه زعامته.
وما يميز حكم عبد الناصر فى تاريخنا المعاصر لدرجة أن سيرته مستمرة وأصبحت تمثل عقدة لكارهيه وخصومه السياسيين، هو "قوة القيادة" التى تجسدت فى تماسك وتجانس مجتمع وجمع أبنائه على هدف ومشروع واضحين وقيادتهم نحوه وحصد ثماره لصالحهم جميعًا دون تمييز، وهى مسألة استلزمت إرادة سياسية وطهارة ونقاءً إنسانيًا ميزت الرجل المصرى الذى مات فقيراً.
وحينما تحضر كلمة "الانقلاب" على ألسنة جماعة "البقالين" التى جعلت من شعارات 25 يناير "مداسًا" لأحذية مكتب إرشادها، وخلقت من مصر مجتمعًا متناحرًا بأقوال "منتخبهم المعزول" وأفعاله وسياسات حكومته المتخلفة ومشروعها "الفنكوشى" الموجه لثرواتنا وأموالنا لحساب أربابها بالداخل والخارج، تأكد أنهم ليسوا ثوارًا وما فعله الشعب وجيشه بحقهم ليس انقلابًا، وأنهم ينطقون الكذب ويتلفظون ويتنفسون الخداع ويمارسون الرذيلة السياسية، وحينما يتحولون بتنظيمهم المسلح إلى قطاع طرق ثورة مصر وقتله لشعبها وجيشها، تأكد أن ولاءهم ليس للعيش والحرية والعدالة والكرامة، وثِق تمامًا أن عقدة "عبد الناصر" تطاردهم هذه المرة ليس بغرض أن يعيشوا جماعة خارج التاريخ ولكن خارج الجغرافيا المصرية مع تنظيمهم الدولى.
التاريخ يفرض شتاتًا على لصوص الوطن، وجرائمهم بحق الشعب ستجعلهم خارج حدوده يومًا ما، ولو قلبوا "دفاترهم القديمة" لجلب دعم أجنبى وتحالف مع شياطين العالم فى وجه الشعب..وجيشه.