أمريكا العظمى.. خطة متكاملة تنزع أنياب أوروبا وروسيا بضربة واحدة فى حرب أوكرانيا
تطغى الرأسمالية بأفكارها وقناعاتها ومنطقها المادى على تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية حتى فى أشد الأوقات وأكثرها صعوبة لها ولحلفائها، تحاول الآن استغلال الصراع مع روسيا لفرض مزيد من الضغط على أوروبا وتوسيع الفجوة الحضارية والصناعية والاقتصادية مع القارة العجوز لضمان استمرار تفردها فى قيادة العالم، وهو ما استشعرته هذه الدول جيدا.. لكن ماذا تفعل أمريكا لإنفاذ مخططها بغض النظر عن صياح الغرب الذى يبدو أنه استفاق مؤخرا على الكارثة.
عرفت أوروبا أن واشنطن تستغل الحرب الأوكرانية الروسية لضرب موسكو وفى الوقت نفسه تنزع أنياب أكبر كتلة اقتصادية فى العالم لتكون لها القيادة المطلقة على دول الغرب، وذلك من خلال إضعاف الاقتصاد الأوروبى وامتصاص ثرواته بعدة طرق متنوعة، غير مكتفية بإخراج بريطانيا من الاتحاد فى صفقة عرفت باسم بريكست.
الإنفاق العسكري
ولعل أهم هذه الطرق هى إقناع الدول الأوروبية بزيادة الإنفاق العسكرى، وشراء المزيد من الأسلحة، وهو بالطبع ما سيعود بمكاسب مادية هائلة على شركات السلاح الأمريكية، التى تعد المصدر الأكبر إلى دول القارة العجوز بحجة الوقوف أمام الخطر الروسى.
وليس ذلك فحسب، بل أن تسعى الولايات المتحدة للحصول على أموال من بعض الدول التى تدفع مقابل مادى نظير نشر قوات أمريكية بطريقة تشبه مشروع مارشال على أراضيها، بزعم حمايتهم من غضب الدب الروسى، وبث الخوف من خطر الدمار الذى ينتظر بلدانهم من جهة الشرق، حيث موسكو بكين، وذلك من أجل ضمان تبعية هذه الدول فى قراراتها لواشنطن.
تمادت الولايات المتحدة الأمريكية فى تنفيذ مخططها لتحقيق أكبر عائد مادى من الحرب الأوكرانية من خلال إجبار دول الاتحاد الأوروبى الذى يعتمد على النفط الروسى فى 40% من استهلاكه على فرض عقوبات على النفط الروسى، والذى وصفه كثير من الخبراء بأنه قرار انتحارى من دول القارة العجوز، من أجل إرضاء واشنطن، لتظهر بعد ذلك أمريكا فى ثوب الملاك المنقذ للدول الأوروبية، تصدر إليهم الغاز والنفط ولكن بأسعار مضاعفة، بحيث تنهب ثرواتهم وتحل شركاتها ذات الأسعار الباهظة محل شركات النفط الروسية التى تبيع بأسعار مناسبة لدول الاتحاد الأوروبى.
قادة الدول الأوروبية، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، أعلنوا صراحة، مؤخرا، أن واشنطن تستغل حاجة دول الاتحاد الأوروبى إلى الطاقة لتصدر لهم النفط بأسعار مرتفعة جدا، الأمر الذى يتسبب فى موجة تضخم هائلة داخل هذه البلدان، مما يضمن لأمريكا فرض السيطرة المطلقة على القرار الأوروبى دون اعتراض.
تصنيع السيارات
ولم تكتفِ واشنطن بذلك، بل سارعت لإنهاء منافسة شركات تصنيع السيارات لصالح شركاتها فى مقابل الشركات الأوروبية داخل السوق الأمريكى، من خلال بعض القرارات التى وقعها الرئيس بايدن، والتى عرفت بقانون خفض التضخم، إذ ينص القانون الأمريكى على إعفاء ضريبى للسيارات الكهربائية المصنوعة فى أمريكا ومزودة ببطارية منتجة داخلها، الأمر الذى يؤثر على المنافسة بين الشركات المصنعة من خارج أمريكا، ولهذا أعرب المستشار الألمانى أولاف شولتس عن قلقه من العواقب التجارية لخطة الاستثمار التى أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التحول المناخى.
وقال المستشار الألمانى إن هذه الخطوة تخاطر بإثارة حرب جمركية هائلة، بسبب إضعاف قدرات شركات الاستثمار الأجنبية على المنافسة، وفى هذا السياق قال الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، إن الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الدول المنتجة للنفط ولديها مخزون هائل، ولكنها لا تأبه لمصالح الشعوب الأوروبية، وهدفها الوحيد هو مضاعفة مكاسبها الاقتصادية، مستغلة حاجة القارة العجوز للنفط، لذلك تبيع نفطها بأسعار مضاعفة.
وأوضح خالد الشافعى، أن الشعوب الأوروبية هى الوحيدة التى تدفع فاتورة الحرب الأوكرانية، التى استغلتها واشنطن لتحقيق مكاسب اقتصادية هائلة، مما انعكس على أسعار المنتجات وتسبب فى زيادة التضخم.
وتابع بأنه لا يستبعد أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية وراء تفجير خطوط الغاز نورد ستريم، التى تنقل الغاز من روسيا إلى دول أوروبا، وذلك لتحتكر شركاتها السوق الأوروبية، وأكد الشافعى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع تلبية الاحتياجات الأوروبية بشكل كامل، لأن ذلك يؤثر على مخزونها الإستراتيجى من النفط، والذى تناقص بشكل كبير بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
موازين القوى العالمية
أما على الصعيد العسكرى، قال اللواء محمد عبد الواحد، الخبير الأمني، إن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتمد سياسة التغيير فى موازين القوى العالمية كل 10 سنوات، وذلك بهدف بيع وتنشيط تجارة أسلحتها لتحقيق عوائد مادية، وأضاف أن أمريكا فى التسعينيات تسببت فى إشعال حرب الكويت، وبعدها بـ10 سنوات تسببت فى غزو العراق، مما أدى إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة بمنطقة الشرق الأوسط، وبعدها بـ10 سنوات خلقت الربيع العربى وأطلقت العنان للتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش، مما جعل دول المنطقة تضطر إلى شراء الأسلحة لمواجهة الإرهاب، وهو ما يحقق لها عوائد مادية كبيرة.
وتابع: فى 2022 تسببت أمريكا كذلك فى إشعال الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تعتبر المستفيد الأكبر من هذه الحرب التى يدفع فاتورتها الاتحاد الأوروبى بشكل كامل، لتحقق شركاتها مكاسب هائلة من مبيعات الأسلحة بشكل كبير.
وأشار الخبير الأمنى إلى أن مبيعات الأسلحة تشكل حيزا كبيرا فى الموازنة الأمريكية، حيث ضاعفت دول أوروبا وارداتها من الأسلحة الأمريكية منذ بداية الحرب الأوكرانية فى فبراير الماضى.
وأضاف عبد الواحد أن نفقات الأسلحة المرسلة لأوكرانيا تتحملها الدول الأوروبية، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على اقتصادها خلال تلك المدة.
وذكر الخبير الأمنى أن الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الحرب الباردة كانت تتحمل جميع نفقات الانتشار العسكرى، بل إنها قدمت منحًا للدول التى استضافت قواتها، إلا أنها بعد أن تحولت إلى القطب الأوحد بعد تفكك الاتحاد السوفييتى، تحولت إلى مرحلة جنى المكاسب من انتشارها العسكرى فى دول العالم ومن بينها أوروبا.
نقلًا عن العدد الورقي…