موجودة في الماء والغذاء والملابس.. قصة أخطر مادة كيميائية على الأرض
ينصّب تركيز الباحثين حول العالم في العقود الأخيرة على إيجاد طرق للتعرف وتحديد مستويات مادة البولي فلورو الكيل (PFAS) في البيئة، وتطوير تقنيات معالجة فعالة؛ لإزالتها وتكسيرها إلى جانب تقنين استخدامها وإنتاجها.
وأحد هؤلاء الباحثين هو الدكتور محمد عطية الباحث المصري الذي يعمل الآن بالوكالة الأمريكية لحماية البيئة، حيث عُيّن مهندس بيئي ورئيس مجموعة بحثية وظيفتها الأساسية التخلص من مادة البولي فلور ألكيل في المياه.
وجاءت أبرز تفاصيل الدراسة الأمريكية كالتالي:
مادة البولي فلورو الكيل معروفة علميا بـPFAS وهي أخطر مجموعة ملوثات على الأرض موجودة في البيئة بعدد يتراوح بين حوالي 5 آلاف إلى 9 آلاف مركب، وتتخذ هذه المركبات عدّة أشكال نظرًا لتنوع المواد التي تحتوي عليها.
وتوجد هذه المادة المثيرة للاهتمام في عدد من المواد المحيطة التي نستخدمها يوميًا، مثل: الأثاث، والمنسوجات، والمواد اللاصقة، ومواد تغليف العبوات الغذائية، وأسطح الطهي المقاومة للحرارة، والأجهزة الإلكترونية، والبطاريات ومحتويات طفايات الحريق، وحتى الملابس.
واستحوذت هذه المادة على اهتمام الرأي العام البحثي، بسبب مقاومتها للتحلل، فضلًا عن سميتها الشديدة وخطرها على البيئة، إذ إن مشتقات البولي فلورو الكيل (PFAS) لا تتفاعل ولا تتحلل حيويًا، إلى جانب مقاومتها العالية لدرجات الحرارة الشديدة، ما يجعلها من بين أكثر المركبات السامة ثباتًا في الوجود.
ويكمن السؤال هنا في الطريقة التي تسللت بها مركبات البولي فلورو الكيل (PFAS) إلى سلسلة طعامنا و موارد مياهنا، وحتى إلى غلافنا الجوي في خلال ثمانية عقود فقط منذ اختراعها.
تلوث المياه
ليس من المبالغة بأي شكل من الأشكال إذا قلنا أن مركبات الـ PFAS تسري تقريبًا في دماء كل الأحياء على الأرض، ورغم انعدام تأثير تلك المركبات على طبيعة مياه الشرب من لون ورائحة، إلا أن عديد من مياه الصنابير والمياه المعبأة ملوثة – بلا شك – بتركيزات متفاوتة منها".
أدوات التجميل
هناك أيضا أنواعا عشوائية ومغشوشة من أدوات التجميل تمتلىء بتلك المركبات وتسبب العديد من الأضرار البالغة، ويصل الأمر أحيانا لإصابة الجلد بالخلايا السرطانية، وفقا لما أكدته الكثير من الدراسات، حيث يتم تحضير بعض أنواع المكياج من مركبات كيميائية ضارة بالجلد وسامة.
ووجدت دراسة أمريكية حديثة أن نسبة 52% من أصل 231 منتجًا من مستحضرات تجميل تُباع في الولايات المتحدة وكندا، تحتوي على مستويات عالية من مواد كيميائية سامة ومعروفة باسم "بولي فلورو ألكيل" (PFAS)، وقد قُدم مشروع "قانون حظر استخدام مواد PFAS في مستحضرات التجميل" في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي.
وعُثر على أعلى المستويات منها في كريم الأساس (بنسبة 63%)، والماسكارا المقاومة للماء (بنسبة 82%)، وأحمر الشفاه طويل الأمد (بنسبة 62%)، وذلك وفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة العلوم البيئية والتكنولوجية.
الأدوات المنزلية
توجد PFAS أو مواد بيرفلوروالكيل وبولي فلورو ألكيل، في العديد من الأدوات المنزلية أيضا، بما في ذلك اواني التفلون غير اللاصقة وخيط تنظيف الأسنان.
وحذرت دراسة أمريكية من التعرض إلى مواد بولي فلورو ألكيل الكيميائية في الأواني غير قابلة للالتصاق إذ تسبب تقدم الوصول إلى سن اليأس عامين، كما حذرت دراسة حديثة من أن التعرض إلى ان أحد أنواع المواد الكيميائية من صنع الإنسان ربما يبكر من وصول السيدات إلى سن اليأس بعامين.
خطورة مواد البولي فلورو الكيل
توجد مواد بولي فلورو ألكيل الكيميائية في كل مكان وتظهر في كل شيء من مستحضرات التجميل إلى الملابس المقاومة للماء إلى المنتجات التي تزيل الدهون والزيوت، ويمكن أيضا أن تتسلل إلى مصادر المياه، وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة.
وتستخدم هذه المواد الكيميائية بصفة أساسية في تعبئة الأطعمة وأواني الطهي غير قابلة للالتصاق والرغاوي الصناعية، ويمكن أن تعطل نظام الغدد الصماء الذي يفرز مجموعة من الغدد التي تنظم الوظيفة الجنسية ما يمكن أن يعطل وظيفة المبيض.
وحسب جمعية الغدد الصماء في الولايات المتحدة، تؤثر هذه المواد الكيميائية على بيولوجيتنا من خلال محاكاة الأحماض الدهنية وهي اللبنات الأساسية للدهون في أجسامنا. كما أنها تعمل كمواد كيميائية معطلة للغدد الصماء (EDCs) بسبب قدرتها على التدخل في أنظمة الهرمونات.
ووفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية، يوجد اليوم ما لا يقل عن 12000 من هذه المواد، يشتركون جميعًا في ميزة واحدة مشتركة بينهم وهى: العمود الفقري لفلور الكربون الذي يعد أحد أقوى الروابط المعروفة في الكيمياء العضوية.
ونظرًا لأنها متينة للغاية من منظور جزيئي يمكن أن تبقى PFAS في التربة والمياه لأجيال، فيما أظهر العلماء أن التعرض المطول لها يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، وتقليل المناعة وتأثيرات النمو على الأطفال.
ووجدت دراسة حديثة أخرى أن مياه الأمطار في كل مكان على الأرض غير آمنة للشرب بسبب انتشار هذه المواد في كل مكان، ومع ذلك فإن العلماء متحمسون لاكتشاف طريقة تساعد الباحثين في إيجاد حلول جديدة أخرى لتدمير PFAS.
جهود التخلص من مادة PFAS
وفي دراسة نُشرت بمجلة Science، وجدت مجموعة من الكيميائيين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وجامعة نورث وسترن والصين أن خليطًا من هيدروكسيد الصوديوم، وهو مادة كيميائية تستخدم في الغسول، ومذيب عضوي يسمى ثنائي ميثيل سلفوكسيد كان فعالًا في تحطيم مجموعة فرعية كبيرة من PFAS المعروف باسم الأحماض الكربوكسيلية البيرفلورية أو PFCAs.
وعندما قام المؤلف الرئيسي بريتاني ترانج بتسخين الخليط بين 175 و250 درجة فهرنهايت (حوالي 79 إلى 121 درجة مئوية)، بدأ في تفكيك الروابط بين جزيئات PFAS.