وكيل الأزهر: التغيرات المناخية أصبحت تهدد التنمية وتعوق مسيرتها
رحب الدكتور محمد الضويني - وكيل الأزهر الشريف بضيوف مصر الأكارم، الذين حضروا للمشاركة في مؤتمر الإفتاء «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة»، الذي يحظى برعاية كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية في إطار دعمه الدائم للفكر المستنير.
جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وناقلا إلى الحضور جميعا تحيات شيخ الأزهر ورجاءه الصادق لهذا المؤتمر أن يطرح بحوثا جادة ورصينة، تكون دليلا على مرونة الموروث الفقهي والفكر الإسلامي، وتجاوزه لزمانه، وتفاعله مع العصر الحاضر، وقدرته على الإسهام بنصيب وافر في حل مشكلات الواقع.
وأعرب الضويني عن سعادته بهذا الحفل العلمي الذي تقوم عليه دار الإفتاء المصرية، تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وبحضور كوكبة متميزة من علماء الأمة الأجلاء الذين جاءوا من ربوع الأرض؛ ليناقشوا قضية مهمة، في تكامل علمي بين متخصصين من علوم شتى.
وأكد أن «التنمية المستدامة» -وإن نشأت في إطار الاقتصاد- فإن العلوم الشرعية ليست بمعزل عنها؛ بل إنها تضرب بسهم وافر في إقرارها ورعايتها، وفي القرآن والسنة كثير من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى عمارة الأرض وإصلاحها والإحسان إلى الوجود كله.
وأضاف: ويكفي ما تضفيه العلوم الشرعية من عمق للدراسات التنموية؛ فالمتأمل لواقع المجتمعات يدرك أن التنمية ومشروعاتها حين تقوم على المقومات المادية وحدها فإنها سرعان ما تؤدي إلى انهيار تنموي وتراجع حضاري، ولا ينبغي أن نخدع بما يصور لنا من تجارب تنموية حول العالم يشار إليها بالنجاح المبهر؛ فإن النجاح في الجانب المادي وحده لم يستطع القضاء على الجرائم، ولم يقدم حلا للأسر المفككة، ولم يضع علاجا للاضطرابات الأخلاقية والسلوكية التي تهدد المجتمعات ومشروعاتها.
ولفت النظر إلى أن مما يميز الفكر الإسلامي أنه يمتاز بالشمول الذي يتجلى في معالجة قضايا الإنسان كفرد، وقضاياه كعضو في مجتمع، ثم يعالج قضايا المجتمعات وما تفرضه علاقة التعارف الضرورية، وكل هذه المعالجات دون أي خيال أو مثالية مفرطة، ودون تضليل أو واقعية محبطة، وإنما معالجة وسطية تستجيب لاحتياجات الإنسان وتطلعاته، وترتب سلوكه وعلاقاته، وتحفظ عليه دينه ودنياه وآخرته.
وشدد وكيل الأزهر على أن الفتاوى الحضارية تدعم التنمية المستدامة، بل تصنع التنمية المستدامة، وفي المقابل فإن هناك فتاوى ضالة مضلة تعمل على تقويض البناء، وتعطيل العمل، وتأخير الركب، وتؤصل لقطيعة فكرية غاشمة، وعزلة حضارية ظالمة، تضر المجتمعات ولا تنفعها.
وأشار إلى أن أحد المعوقات المعاصرة التي فرضت نفسها وبقوة على أجندة عمل المؤسسات هي «التغيرات المناخية»، والتي باتت تهدد التنمية، وتعوق مسيرتها بما تحمل من نذر مخيفة ومرعبة، توجب على البشرية أفرادا ومؤسسات ومجتمعات أن تعمل بجد لإيجاد علاج سريع لها، مؤكدا على أن الفتوى المنضبطة قادرة على توجيه الناس إلى السلوك الواجب تجاه هذه الأزمة الملحة.
وتطرق الضويني إلى دور الأزهر الشريف قائلا: انطلاقا من الواجب الإيماني والوطني سار الأزهر الشريف بخطوات طيبة في هذا السياق على المستويين المحلي والعالمي؛ فعلى المستوى العالمي شارك فضيلة الإمام الأكبر، شيخ الأزهر في مؤتمر قادة الأديان؛ لمحاولة الوصول إلى علاج يضع الجميع أمام مسئولياته، فضلا عن مشاركة قطاعات الأزهر مع هيئات أممية ودولية، وعلى الصعيد الداخلي أعلن الأزهر عن مبادرات مجتمعية، كان من أهمها: مبادرة «مناخنا حياتنا» ومبادرة «ولا تسرفوا»، وعقد شراكات علمية مع جامعات حكومية وخاصة معنية، ووجه قوافل توعوية إلى المحافظات الأكثر تضررا من التغيرات المناخية.
واستعرض جانبا من نشاط الأزهر على مستوى التدريب مؤكدا على أن الأزهر الشريف يستهدف تدريب الدعاة من الوعاظ والواعظات على المفاهيم العلمية والشرعية المتعلقة بالمناخ، باعتبارهم قادة الرأي وموجهي الفكر متمنيا فضيلته المزيد من الأعمال الإيجابية من قطاعات الأزهر التي تدل على وعيها وقت الأزمات.
وشدد وكيل الأزهر على أن الفتوى إما أن تكون مصدر ثراء وخصوبة للحياة تجدد نشاطها وتستجيب لمستجداتها، وإما أن توقف حركتها، وتجذر مشكلاتها، والفارق بين الأمرين هو المنهجية المعرفية المتبعة في إصدار الفتوى، فإن كانت أصيلة في التلقي، حكيمة في التوصيل، ساعدت الإنسان على بناء تصورات صحيحة ومواقف سديدة نحو مجتمعه والمجتمعات الأخرى، ومن ثم فإنها تساعد على التنمية وبناء الحضارة، وإن كانت الفتوى زائفة ذهبت بالناس إلى الهواجس والقلق وربما الكراهية تجاه كل ما يساعد على التنمية، سواء أكانت التنمية للإنسان ذاته أو للكون من حوله.
واختتم كلمته قائلا: وقد عانينا للأسف من هذه الفتاوى الزائفة، التي تحملها الفضائيات وصفحات الإنترنت، والتي تسعى لتحقيق مكاسب مادية، أو شهرة كاذبة، دون النظر لاستقرار مجتمع أو أمان وطن، وأن النظرة الإسلامية الشاملة للتنمية المستدامة توجب ألا تتم هذه التنمية بمعزل عن الضوابط الدينية والأخلاقية، وأن تمتد أنشطة التنمية إلى الدين والدنيا والآخرة، بما يضمن التوازن والتوافق، وإن «الفتوى الرشيدة» هي التي تبصر الثوابت والمناهج والقواعد العلمية بعين وتبصر الواقع بالعين الأخرى فتصح الرؤية، وإني لأتوق لهذه النتائج العملية التي أتوقع أن يتمخض عنها المؤتمر، سائلا الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد العالمين من آثار تغير المناخ، وأن يحمي مجتمعاتنا من زلل الفتوى وخطرها.