خالد محيى الدين الفارس النبيل.. عاش يحلم بالديمقراطية ويبحث عن العدالة الاجتماعية
في إطار احتفال حزب التجمع بمئوية ميلاد مؤسسه وزعيمه الراحل خالد محيي الدين، نظم الحزب ندوة علمية حول نشأته ومسيرته السياسية والوطنية، تحدث خلالها الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر، وسيد عبد العال رئيس حزب التجمع، والكاتبة أمينة النقاش القيادية بالحزب، وعدد من أعضاء وقيادات التجمع.
عاش يحلم بالديمقراطية وتحرير الوطن من الاحتلال وتحرير الشعب من الإقطاع والاستغلال، كان مؤمنا بأن المدخل لكل أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية يبدأ بحل أزمة الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية..كان له مدرسة سياسية معروفة باسمه يعلمها كل الوطنيين ومازال الجميع يتعلم منها ويقتدى بها ،تمتع بشجاعة أدبية نادرة عندما التحق بتنظيم الضباط الأحرار ، تمتع برؤية عميقة للأمور وبعد نظر وقدرة على التحليل واستشراف المستقبل والإيمان العميق بقدرة الشعب على التغيير بالرغم من كل الصعوبات والأزمات.
امتلك شجاعة ادبية مذهله عندما انتقد نفسه فى مذكراته "الآن أتكلم"،ورغم نفيه خارج البلاد بعد أزمة مارس 1954 رفض أن يستغل أحد الخلاف بينه وعبد الناصر ،ورفض عرضا ماليا سخيا من محمود أبو الفتح فى مقابل العمل لما وصفه شيء لإنقاذ مصر من براثن عبد الناصر، وهو ما يكشف عن تربيته الدينية الصائبة ، وأيضا رفضه لعمليات القتل والاغتيالات لجنود الاحتلال قبل الثورة.. دخل البرلمان لخدمة الناس..تمسك بالحق والعدل والضمير والديمقراطية..نال محبة الناس واحترام الوطن..إنه الزعيم الفارس الثائر المناضل.."خالد محيى الدين"..تردد هذا الكلام بقوة داخل حزب التجمع احتفالا بمرور مائة عام على ميلاد الزعيم..
تحدث رئيس حزب التجمع "سيد عبد العال"عن الزعيم خالد محيى الدين قائلا: إنه رجل امتلك الشجاعة لأن يعيش بمبادئه لمبادئه وتتلمذ على يديه أجيال عديدة تعلمت منه حب الوطن والاهتمام بالعمل السياسي والحلم بوطن يتمتع بالعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية،فهذه القيم التى تعلمناها في مدرسة الزعيم "خالد محيى الدين"فهو أسس لنا مدرسة سياسية مازلنا نتعلم منها ونقتدى بها ،خالد محيى الدين يمثل لنا مجموعة من القيم والأفكار، قدم لنا،تراثا حقيقيا فى العمل السياسى تعلمنا منه كيف نعارض ونستخلص الرؤية من ممارسة السياسة الجماهيرية ،تعلمنا منه أن الخلاف بين القوى الوطنية هو اختلاف بين خصوم وليس أعداء ،تعلمنا أن نختلف لصالح الوطن وليس عليه..
مواقفه كلها لا ينطلق فيها من خلفية أيديولوجية أو عقيدة فكرية معينة ، ولكن ينطلق من الواقع ،فالواقع يمكن تغييره ،وهذا هو المبدأ الذى قام عليه حزب التجمع الذي يضم كل الوطنيين المصريين من منابع فكرية مختلفة،والدرس الثانى الذى تعلمناه من خالد محى الدين أن قوة الحزب لن تأتى بإضعاف الطرف الآخر ولكن قوة الحزب هى مدى قدرته فى التأثير على الجماهير ،أما ضعف الحكومة أو المعارضة فلن يكون مؤشرا على قوة الحزب ،تعلمنا من خالد محى الدين أن ليس كل من هو ضد الخصوم يكون حليفى
واتضح هذا جليا مع الإخوان المسلمين ،فهو كان ضد اى تغيير يمس سلامة الدولة المصرية وقوة شعبها ولذلك رفض دولة الخلافة وكان ضد العبث بالحدود المصرية، هذا فضلًا عن تأكيده على أن المعارضة للحكومة أو السلطة يجب ألا تمس سلامة الدولة أو تؤدى لإضعافها تعلمنا أيضا منه المعارضة الوطنية وأن الانتماء للوطن والمناصب ليست هدفًا..
هذا التراث الذى تركه لنا خالد محيى الدين ومازال باقيا فى نفوسنا ويقوم عليه برنامج حزب التجمع الذي يتضمن فى جوهره ان الآمال لن تتحقق الا بشعب يتمتع بالعدالة الاجتماعية وكان هذا الفكر هو المسيطر على الزعيم والفارس النبيل خالد محيى الدين..سيظل خالد محى الدين ليس مؤسسا لحزب التجمع فحسب ولكنه سيظل صاحب مدرسة وصاحب فكر.
أما الكاتبة "امينة النقاش"والقيادية بحزب التجمع ورئيس مجلس إدارة جريدة الأهالى فتحدثت عن البيئة التى نشأ فيها فارس الديمقراطية "خالد محيى الدين"ونشأته الصوفية التى لعبت دورا مهما فى تشكيل وجدانه وشخصيته فأكدت أن نشأته فى تكية النقشبندية وهى أحد الطرق الصوفية اكسبته التفكير فى الدين بشكل عقلانى، خاصة أن الصوفية ترتقى بالمشاعر والأحاسيس وتجعل الدين تجربة بين الانسان وربه وتسعى لخدمة البشرية،وهذا انعكس على علاقة خالد محيى الدين بالتدين ، فالتدين بالنسبة له لم يكن تدينا شكلىا بالصلوات فحسب ولكنه سلوك إنسانى رفيع ،
فرأى عائلته فى التكية تعمل بجد واجتهاد ويقدمون خدمات تطوعية للمجتمع الذى يعيشون فيه فشب على ثقافة التطوع والعمل الاجتماعى ،فهذه المدرسة التى تعلم فيها خالد محيى الدين كيف يعتنى بالأخر ،ولذلك عندما دخل الكلية الحربية ،درس فى كلية التجارة من أجل تنمية المهارات الفردية ولكى يستطيع أن يكون فردا مخلصا لبيئته ،كان واحدا من الضباط الأحرار الذين اهتموا بالثقافة هو ومعه:جمال غبد الناصر،واحمد حمروش، وثر ت عكاشة ..اعتبروا الثقافة اساسا للمشروع الوطنى الذى تبنوه ،وعندما ابتعد عن السلطة ،اختار خالد محيى الدين أن يخوض معارك الانتخابات البرلمانية فى العهود السابق رغبه منه فى خدمة الاهالى والمواطنين ،وفى قلب التكية التى نشأ فيها اهتم بالسياسة فهو رأى أن العمل البرلمانى هو السبيل الوحيد لخدمة الناس.
وتابعت النقاش أن خالد محيى الدين رجلا شجاعا فأول بيان للثورة كتبه خالد محيى الدين وهذه شجاعة أدبية عالية ،شجاعة المواجهة ،وعندما كتب مذكراته تحلى أيضا بالشجاعة الأدبية فى نقده لنفسه فهذه الشجاعة لا يتحلى بها إلا الفارس النبيل ،رغم انتقاده لنفسه وقوله ان عبد الناصر كان على صواب فى أزمة مارس عندما رفض دعوة البرلمان للانعقاد، ورغم انتقاده لنفسه الا انه كان على صواب لأن ظروف البلاد بعد الثورة لم تكن مستقرة لقيام انتخابات جديدة.
واضافت "النقاش" رغم أنه كان ينتمى إلى أسرة ثرية تمتلك 92 فدان،وكان يعيش حياة مطمئنة خالية من المشكلات، إلا أنه لم يكن يرضى بذلك، ولم تؤثر هذه الحياة عليه وترك هذا الترف وسار ضد مصالحه الشخصية لخدمة الوطن وخدمة أبنائه.. وهذا هوخالد محيى الدين الفارس النبيل القائد اليسارى الذى غاب بجسده ولكنه باقيا فى ذهاننا..
فيما أكد المؤرخ الكبير د"عاصم الدسوقى"أن الإنسان ابن ظروفه ووليد الأحوال التى يتفتح عليها وعيه ،فهى التى تشكل ملامح تفكيره الأساسية ،وهنا يأتى الاختلاف والتباين بين شخص وآخر ،
فكل شخص له رؤيته الخاصة التى تتشكل نتيجة ما يصادفه من ظروف،ومواقف ،خالد محى الدين من هذه الشخصيات ،فقد تفتح وعيه السياسى مبكرا عام 1931عندما اندلعت مظاهرات ضد حكومة اسماعيل صدقى باشا بسبب الغاء دستور 1923،و وضع دستور 1931 الذى أعطى الملك سلطة مطلقة ،وكان خالد محى الدين وقتها طفلا عمره 11 عام ولكنه شهد هذه المظاهرات وأدرك أن الشعب يخوض مظاهرات ضد الحكومة فهو واع للأحداث السياسية الكبرى فى هذه السن المبكرة دون أن يدرك حقيقتها.
وتبلورت كراهيته مبكرا ضد الإنجليز بعد معاهدة 1936 التى أبقت على قواتهم فى البلاد ولم تنتهى بالجلاء ،واندلعت ايضا احتجاجات ضد هذه المعاهدة لانها تؤكد التبعية لإنجلترا ، وأن مصر لا تزال تحت السيادة البريطانية ،وبالتالى تبلورت الكراهية بداخله ضد الانجليز.
وعندما التحق بالكلية الحربية عام 1938 ووجد الجيش المصرى يخضع للضباط الإنجليز فى التدريب والتسليح زادت كراهيته للانجليز ،وفى 4 فبراير 1942 عندما فرض الإنجليز على الملك فاروق حكومة النحاس باشا وكان وقتها قد تخرج ضابطا بسلاح الفرسان اشتعلت مرة اخرى المشاعر المعادية للإنجليز والملك ، واجتمع مع عدد من الضباط منهم حسن عزت وعزيز المصرى الذين رأوا وقتها انه لا مفر من اغتيال الجنود الإنجليز ، إلا أن خالد محيى الدين رفض اللجوء إلى طريقة القتل ،وهذا يرجع إلى التربية والنشأة والتركيبة الصوفية التى تربى عليها.
وأشار د"عاصم الدسوقى"أن الزعيم خالد محيى الدين كان مرتبطا بالطريقة النقشبندية وتكيتها وكان شيخها جده لأمه ولذلك كان يرفض أعمال القتل والاغتيال وإزهاق الأرواح لدرجة انه كان ضد إعدام الملك فاروق نفسه بعد قيام الثورة، هذا البعد الدينى فى شخصيته والتكوين الصوفى لفت نظر "الضابط عبد المنعم عبد الرءوف عضو جماعة الإخوان المسلمين لتجنيده فى الجماعة وكان ذلك نهاية عام 1944 ، إلا أن المحاولة لم تتم ففى ذلك الوقت تعرف "خالد محيى الدين "على زميله "عثمان فوزى "الذى أعطى له كتاب روجيه جارودى "الاقتصاد محرك التاريخ"، وأرتد أن يحدث له تحول فكرى، وجعله يربط بين تحرير الوطن وتحرير المواطن، وبالفعل تبلورت لدى محيي الدين فكرة تحرير الوطن من حكم الملك والإنجليز وتحرير المواطن من الاستغلال ،وعندما بدأ يفكر ف برنامج جماعة الإخوان من هذا المنطلق ابتعد عنهم ،خاصة ان الجماعة لم يكن لها برنامجا اجتماعيا يحل مشكلات الطبقات الفقيرة والطبقة الوسطى وبدأ ينسحب منهم تدريجيا ،وفى يناير 1947 التقى خالد محى الدين بزميله بمدرسة الناصرية الابتدائية "أحمد فؤاد"وكيل النيابة عضو منظمة اسكرا الشيوعية وانضم خالد معه الى هذه الجماعة لأنه كان يبحث عن العدالة الاجتماعية، وبدأ خالد يقرأ عن الاشتراكية من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية ، ولكنه عاد وانسحب من أسكرا عندما وضعت تحت الرقابة الأمنية والتحق بالحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى " حدتو"عام 1950 وذلك بهدف التحرر من الانجليز والتحرر من الاستغلال.
وتابع د"عاصم الدسوقى:عندما انضم خالد محيي الدين الى الخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار التى تكونت فى عام 1949 كانت الاشتركية قاعدته الفكرية ،وفى تنظيم الضباط الأحرار بدأ خالد ينشط حيث قام بتكوين خلية سلاح الفرسان واشترك فى صياغة أول منشور أصدره التنظيم عام 1950 وشارك فى ارساله الى كل القيادات العسكرية ،واعد برنامجا بمشاركة أحمد فؤاد فى سبتمبر 1951 بأهداف التنظيم يدعو الى القضاء على الاستعمار الأجنبى وأعوانه وتكوين جيش وطنى.وبعد قيام الثورة اصطدم خالد بتكوينه اليسارى تدريجيا ،مع مجلس قيادة الثورة ،فكان وحده من أنصار دعوة البرلمان للانعقاد ،وكان اعتقاده انه لا ينبغى القضاء على الديمقراطية والثورة قامت لتنادى بها.
وعندما قرر مجلس الثورة توزيع أعضائه على الوزارات المختلفة للإشراف عليها كان من نصيب خالد محيى الدين وزارتى الصحة والصناعة واستغرب خالد لهذا الاختيار لأنه كان يرى انه من الأفضل أن يتولى وزارة المالية بحكم دراسته وتخرجه فى كلية التجارة شعبة المحاسبة،ثم جاءت أزمة مارس 1954 التى صورها خصوم الثورة على أنها صراع بين الديمقراطية والدكتاتورية وهى الأزمة التى وجد خالد نفسه فيها مع محمد نجيب دون اختيار ،وكان شعار خالد وقتها ان يعود الجيش مرة أخرى إلى الثكنات واعترض على اتفاقية الجلاء 1954 التى عقدها عبد الناصر مع الإنجليز ،
ولكن عبد الناصر رفض هذا الاتجاه وأبعد خالد محيى الدين عن مصر، وظل خالد محتفظا بنقائه الثورى ،ورفض أن يستثمر أحد خلافه مع عبد الناصر، وعاد إلى مصر أواخر 1955 ليبدأ صفحة جديدة من حياته بعيدا عن السلطة ودخل الحركة السياسية وخاض الانتخابات البرلمانية عن دائرة كفر شكر وظل يفوز بها ،وظل مؤمنا بالتعايش السلمى طريقا لتحقيق التحرر الوطنى والتقدم الاقتصادى والاجتماعى ،ومؤمنا بأن طريق الديمقراطية مرهون بتحقيق العدالة الاجتماعية.