رئيس التحرير
عصام كامل

ديمقراطية عمر بن الخطاب


منذ الوهلة الأولى، أدرك عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أن العدالة لن تتحقق إلا بوجود حرية كاملة، وديمقراطية حقيقية؛ فأسس مجلس شورى المسلمين.. وكان على رأسه المهاجرون والأنصار، لفضلهما وسبقهما إلى الإسلام، وصحبتهما النبى- صلى الله عليه وسلم.


كان هذا المجلس من أهم ركائز الدولة الإسلامية، وكان ينعقد بأن ينادى في المسلمين "الصلاة جامعة"، فيخرج المسلون إلى مسجد النبى- صلى الله عليه وسلم- ويخطب فيهم عمر، ثم يوضح لهم الأمر الذي يريد أن يستشيرهم فيه، فإذا وافقوا عليه أخذ برأيهم، وإلا أعرض عنه وتركه.

ومن الأمور التي أقرها مجلس شورى المسلمين في عهد الفاروق، أن تكون الأراضى التي حصل عليها المسلمون في فتوحاتهم ملكا لكل المسلمين، وليست قاصرة على جنود الجيش الفاتح فقط، كما كان متبعا في عهد النبى- صلى الله عليه وسلم، وفى عهد أبى بكر الصديق- رضى الله عنه.

وهكذا، فإن عمر لم يقدم على أمر عظيم إلا استشار هذا المجلس؛ ليضع بذلك أهم ركن من أركان العدل في الدولة الإسلامية، وهو "الديمقراطية" بالمفهوم العصرى.

واستطاع الفاروق أن ينقل العامة إلى صفوف المواطنين، بدلا من أن يكونوا رعايا فقط، ليس لهم حق في اختيار حاكمهم أو واليهم.. فلما بدأ عمر تعيين ولاة الخراج في الشام والبصرة والكوفة أرسل إلى الناس في تلك الأقاليم الثلاثة يطلب منهم كل شخص يفضلونه، على أن يكون هؤلاء الناس من أهل الكفاءة والجدارة وأصلحهم وأتقاهم أيضا.. فبعث إليه أهل الكوفة عثمان بن فرقد، وبعث إليه أهل الشام معن بن يزيد، بينما بعث أهل البصرة الحجاج بن علاط، فاستعمل عمر كل واحد من على خراج أرضه.

وكان عمر يعقد مؤتمرا عاما لعماله في موسم الحج؛ يسمع منهم ويناقشهم.. وكان يعزل أي والٍ يشتكى الناس منه، فقد عزل والى الكوفة الصحابى الجليل سعد بن أبى وقاص- رضى الله عنه- فاتح عاصمة الفرس في العراق.

وفى إحدى المرات قال رجل للفاروق "اتق الله يا عمر" وكررها ثلاثا.. فقال له رجل آخر: "اسكت فقد أكثرت".. فرد عليه عمر قائلا: "دعه.. فلا خير فيه إن لم يقلها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".. فكان من تأثير تلك الأمور التي أرساها وأسسها عمر بن الخطاب أنه ظهر لجميع الناس حدود الحكم، وحدود سلطات الخلافة.. وليعلم الجميع لأنهم متساوون في كل الحقوق والواجبات.. لا تمييز بينهم بسبب الشرف أو النفوذ.

وللحديث بقية إن شاء الله..

الجريدة الرسمية