رئيس التحرير
عصام كامل

الأزمة الأولى تشكيل حكومي

نوهت في مقال الأسبوع الماضي، إلى أن حكومة الكويت الجديدة لن تجد سبيلًا للسيطرة على البرلمان بتركيبته الجديدة المنتخبة وتنوعه الكبير بين شخصيات وطنية مخضرمة برلمانيًا وأكبر قادة المعارضة وشباب تكنوقراط مؤهل من الجامعات العالمية، إلى جانب طوائف المجتمع سنة وشيعة وبدو وحضر. 

البرلمان صعب المراس اختاره الشعب تصحيحًا للمسار، وحتى يعاقب من خذلوه وتحالفوا مع الحكومة ضده، من هنا تغول نواب مجلس الأمة على الحكومة حتى قبل افتتاح الدور التشريعي الجديد، إذ بمجرد أن أعلن رئيس الحكومة الشيخ أحمد النواف، نجل أمير الكويت، أسماء وزراء حكومته، حتى ثارت ثائرة النواب مدفوعة بتأييد شعبي كبير، رفضًا لإعادة توزير شخصيات بعينها من أعضاء الحكومة السابقة وبينهم شيوخ من الأسرة الحاكمة، لأنهم إما شاركوا في انتهاك الدستور أو لم يقدموا إنجازًا ملموسًا في وزارتهم وتخاذلوا في أداء وظيفتهم، وأمام ضجة رفض التشكيل في منصات الميديا، تقدم الوزراء جميعًا باستقالاتهم قبل أداء اليمين الدستورية.


أدرك الشيخ أحمد النواف، أن عليه نزع فتيل أزمة مبكرة، لآن التمسك بإعادة توزير شخصيات مرفوضة شعبيًا وبرلمانيًا، لن يكون في صالح الجميع وستدخل معها الكويت في دوامة جديدة من مشاحنات برلمانية حكومية وشعبية أيضًا، من هنا قرر سحب التشكيل وتصحيحه، وإرضاء للجميع زار بنفسه القطب البرلماني الكبير أحمد السعدون رئيس البرلمان المقبل في منزله، وتشاور معه بشأن التشكيل الحكومي، ثم استقبل في مكتبه كتل البرلمان ومجموعاته كل على حدة، للتشاور في الأمر نفسه وبحث أسباب اعتراض أكثر من 80% من النواب على إعادة توزير بعض الشخصيات.

مطالب نواب البرلمان


انتهزت الكتل البرلمانية فرصة تشاور رئيس الحكومة معها ووضعت أمامه مطالب من شأنها عدم عرقلة التعاون بين السلطتين وتعاونهما لتحقيق التطلعات الشعبية، كان منها تشكيل حكومة تكنوقراط قوية قادرة على تحقيق طموحات وتطلعات الشعب، استبعاد الوزراء المسجل بحقهم مخالفات دستورية وقانونية وغير المقبولين شعبيًا، تقديم برنامج عمل حكومي واضح وواقعي قابل للتنفيذ، الالتزام بالدستور وعدم انتهاكه، فتح صفحة جديدة بالعفو عن المواطنين المهجّرين، والنواب الجدد المسجونين لتورطهم في انتخابات فرعيات القبيلة.

 

انفتاح رئيس الوزراء أحمد النواف، ولقائه الجميع تفاديًا لأزمات مبكرة ومتكررة مع الحكومات السابقة، أغرت نواب بعض الكتل البرلمانية، وقرروا معها رفع سقف تصحيح المسار السياسي، وفرض مزيد من هيبة مجلس الأمة، انما في مرحلة تالية عقب الانتهاء من تحقيق المطالب الشعبية باعتبارها أولوية برلمانية يجب على النواب إقرارها حتى يرتاح الشعب.

 

اتفق النواب على ضرورة تزكية التكنوقراط في اللجان البرلمانية، بغض النظر عن أي انتماءات سياسية أو قبلية أو طائفية، ضمانًا للإنجاز الذي انتخب المجلس الجديد من أجله، فضلًا عن التنسيق مع الحكومة ونيل موافقتها على عقد جلسات مكثفة ومطولة لإنجاز أكبر عدد من القوانين، التي من شأنها تسريع الإنجاز ومواجهة الفساد على وجه الخصوص.


كما اقترح بعض النواب تقديم تعديلات غير مسبوقة من شأنها الحد من الاستقالات الحكومية المتكررة هروبًا من الاستجوابات البرلمانية المستحقة التي يقدمها النواب اعتمادا على مستندات دامغة. كذلك تعديلا يسمح باشتراط نيل الحكومة ثقة مجلس الأمة قبل أن تباشر أعمالها كما يحصل في دول العالم المتقدمة، إلى جانب تقليص الحماية الممنوحة لرئيس الحكومة في الاستجوابات البرلمانية لتكون مماثلة للوزراء، بحيث يحظر على رئيس الوزراء، الذي يصوت البرلمان على عدم التعاون معه أو طرح الثقة فيه العودة إلى الحكومة مرة أخرى، وهذا الاقتراح الأخير يفتح الباب أمام جدل دستوري غير مسبوق، لأن اختيار رئيس الحكومة وتكليفه شأن خاص بأمير البلاد، ورئاسة الوزراء لا يتولاها إلا أبناء أسرة الحكم فقط.

 

 

ومن التعديلات التي مازالت قيد البحث من النواب، تحديد فترة زمنية لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات أو لدى استقالتها، وعدم اشتراط حد أعلى لعدد الوزراء مرتبط بعدد أعضاء مجلس الأمة، كذلك عدم ضرورة تواجد أي من الوزراء لصحة انعقاد جلسات البرلمان، خصوصا أن الحكومة كثيرا ما تقاطع جلسات البرلمان نتيجة التجاذب السياسي.
ولم ينس النواب أصحاب التعديلات، محاولة تغيير الدوائر الانتخابية ونظام الانتخاب الراهن لمواجهة محاولات التعدي على إرادة الأمة واختياراتها، ورأوا ان النجاح في إقرار تلك التعديلات رغم صعوبتها سيعزز سيادة الأمة ويدفع عجلة الإصلاح والتنمية والقضاء على الفساد، حتى تلحق الكويت بجيرانها بعدما كانت تسبقهم بأشواط.

الجريدة الرسمية