صناع الملحمة.. "فيتو" تحاور أبطال أكتوبر فى السويس.. علي محمد "صائد الطائرات".. و"إبراهيم" تخصص كمائن للعدو
أكتوبر هذا العام مختلف تماما، بعد مرور 49 عاما على الاحتفالات، اختارت «فيتو» أن تنتقل إلى أبطالها فى محافظاتهم ومنازلهم، خصوصا الذين يسكنون فى محافظات القناة (الإسماعيلية – السويس – بورسعيد)، ولهم قصص مباشرة فى مقاومة العدو الإسرائيلى ترتبط بمكان الميلاد، هذه المحافظات التى واجه أهلها العدو الإسرائيلى وجها لوجه فى المعارك، وكل محافظة منها لها قصة فى الصمود والتحدى.
محمد حجازى.. عزيمة لحظات العبور
محافظة السويس الباسلة، التى حطم شعبها أوهام إسرائيل فى احتلالها، ولقنوا الأعداء درسا لن ينسوه أبدا عندما خرج كل فرد من منزله يحمل ما يجده من سلاح فى وجه دبابات ومجنزرات العدو وضربوا أروع الأمثلة فى المقاومة الشعبية على مر التاريخ.
بعد سنوات الحرب الطويلة، تغيرت ملامح مدينة السويس حيث تسببت غارات العدو فى هجرة أهلها إلى خارج المحافظة، وتهدمت المساكن التاريخية تحت قصف العدو المتغطرس طوال 6 سنوات لاحتلاله سيناء، وقد أحدث العدو خسائر فادحة عندما تركزت نيران مدفعيته ليل نهار تجاه السويس، ولا ننسى الدشمة الغول التى كانت تقصف مصانع الزيتية والأربعين وعتاقة فى منطقة عيون موسى وكانت عبارة عن 6 مدافع على ربوة عالية تم إخفائهم تماما، وعمل أبواب فولاذ عليهم يخرج المدفع ويضرب الهدف ثم يعود مرة أخرى لمكانه ويختبئ.
أصبحت الآن السويس مدينة أخرى كقطعة من أوروبا، حيث امتلأت بالمساكن والمشروعات الاستثمارية الكبرى لأنها تتميز بموقعها الفريد فى العالم حيث يوجد بها عدة موانئ وشركات للبترول ومصانع كبيرة لشركات عالمية.
التقت «فيتو» البطل المقاتل محمد السيد إبراهيم حجازى، أحد أبطال سلاح المهندسين العسكريين، وأحد أبناء السويس الباسلة الذى يروى تاريخ دخوله القوات المسلحة قائلا: “تم تجنيدى فى 19 يونيو 73 أى قبل الحرب ب3 شهور ورغم أننى كنت كبير عائلة ولا يحق لى دخول التجنيد، ولكن والدتى دفعتنى للتقديم للتعبئة العامة قبل الحرب حتى أستطيع الدفاع عن وطنى ضمن طابور الأبطال، وبالفعل تم قبولى وتجندت بسلاح المهندسين، وبعد اجتياز فترة التدريب فى بنى يوسف بالهرم التحقت على الكتبية 64 كبارى، ولم يطل تواجدى بها، ولكننى تعلمت منها كيفية عمل الكبارى وخلال أيام وتحديدا يوم 5 أكتوبر، تم دفعنا إلى القناة عن طريق حلوان الذى يطلقون عليه طريق جرة، ووصلنا إلى ضفة القناة وكل واحد منا يحمل شدته كاملة، ولا نعلم ساعة الصفر، لكننا وجدنا المقاولين يمهدون أماكن سريعة لانزلاق الكبارى.
وعن ذكرياته فى اللحظات الأولى للعبور يقول: فى الساعة الثانية ظهرا وجدنا الطائرات المصرية تخترق الضفة الشرقية وتضرب الأهداف الإسرائيلية فى سيناء، والكل يهتف الله أكبر الله أكبر هذا الدعاء ألهب عزيمة الأبطال وبدأوا يندفعون نحو الضفة الشرقية ويقتحمون الساتر الترابى بكل عزيمة وجسارة، وبدأوا فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى، ونحن بدأنا فى إنشاء الكبارى بسرعة، وتم إنشاء أول كوبرى لمرور الدبابات والمعدات الثقيلة الساعة 8 مساء 6 أكتوبر 1973 وكانت هذه أسعد لحظات حياتى، حيث كنت من أصغر جنود المهندسين وقتها ولكن بداخلى عزيمة ألف شاب وكل ما كنت أحلم به هو عبور قناة السويس، وتحرير أراضينا المغتصبة.
ويضيف: أهم ما تعلمته من حرب أكتوبر وسلاح المهندسين، أن العمل مشاركة حيث كان الجندى يعمل مع الضابط بأيديهم لإقامة الكبارى، وقد شاهدت بعينى اللواء أحمد حمدى مدير سلاح المهندسين يشمر أفروله ويعمل بيديه معنا فى إقامة الكبارى، ويمر علينا يوميا ويسألنا عما إذا كان أى مشكلة أو عطل، وقد تمكنت معابر سلاح المهندسين من الصمود طوال فترة الحرب دون المساس بها بفضل رجال الدفاع الجوى البواسل الذين عملوا مظلة جوية لاصطياد طائرات العدو التى تقترب من القناة.
على محمد.. صائد طائرات العدو
وفى السويس أيضا، التقت «فيتو» الجندى المجند على محمد على الذى التحق بالقوات المسلحة بداية عام 1969، حيث تم إلحاقه بالقوات الخاصة لمدة 13 يوما، ولكن تم إلحاقه بسلاح الدفاع الجوى بعد صدور أمر رئاسى بأن يتم إلحاق كل المجندين الجدد بسلاح الدفاع الجوى.
وعن تلك الفترة يقول: بعد فترة التدريب تم إلحاقى بمعهد التمييز الجوى ترحيلى إلى مطار دنديل للحماية هناك، وبعد 6 شهور اختارونى لدراسة التمييز الجوى وهو تمييز المعدات والطائرات قضيت فيها شهرا كاملا وأثناء استطلاعى بالسرية فى مركز عمليات الكتيبة وجدت طائرة سوبر مستير قادمة من مسافة بعيدة، وكنت فى مركز قيادة النيران وكان بالمطار وقتها حوالى 15 طائرة واقفين على أرض المطار ومسكت الرشاش الأرضى وضربت على الطائرة وأصبتها، وبعدها جاءنى أحد من القيادة وسألنى هل ضربت على طائرة مصرية قلت لهم لا ضربت على طائرة سوبر مستير، فأنا أعلم جيدا الهدف الذى ضربت عليه لأننى حاصل على فرقة تمييز جوى وعندما تحققوا من حقيقة إصابة الهدف قاموا بتقديم الشكر لى ورفعوا البالون على مطار دنديل لأول مرة بعد حرب 67 بسبب إصابتى لهدف حى.
ويضيف: بعد أيام جاء أمر باختيار بعض من الدفاع الجوى إلى الجبهة لسد الخسائر، وقمت بالحديث مع القائد، أريد الذهاب معهم إلى الخطوط الأمامية على القناة وخصوصا السويس مدينتى، ولكنه لم يوافق ولكن وسط إصرارى وعندما وجد الدموع تملأ وجهى وافق.
وعن بطولاته فى الحرب يقول الجندى على محمد على: كانت الطائرات والمدافع الإسرائيلية كل يوم تضرب على المعامل وشركات البترول والمساكن فى السويس، وقد التحقت بموقع فى جنوب السويس وكنا نصطاد طائراتهم، وكان موقع الاستطلاع الجوى موجودا فى “فلل السويس” وسمعوا رجال الاستطلاع أن هناك طائرتى استطلاع إسرائيلى تتحدثان فى الأجهزة اللاسلكية بأنه لا بد من أن يضربوا موقع الدفاع الجوى الخاص بنا، وأبلغنى قائد الموقع بهذا الكلام، فقلت له لن يحدث هذا يا فندم، وإن شاء الله يقتربوا منا، فدرست الوقت الذى سوف يأـتون فيه، فوجدت الوقت المناسب فى الظهيرة لأن الصباح تكون هناك شبورة ولن يستطيعوا رؤية الهدف، وفى وقت الشروق جبل عتاقة يعكس الشمس، فالوقت الوحيد للغارة الإسرائيلية سيكون بعد الظهر، وابتكرت فكرة للتخفى بأن ألقى بنزينا بجوار الموقع، فمع صعود البخار يعمل اختفاء الكتيبة، وبالفعل جاءت 3 طائرات وأخذوا يبحثون عنا ولم يستطيعوا رؤيتنا وبدءوا فى العودة إلى أماكنهم دون مشاهدة الكتيبة، ففتحنا عليهم النيران وأسقطنا منهم طائرة سكاى هوك، وظلت الاشتباكات معنا حتى حرب أكتوبر والنصر المجيد.
محمد إبراهيم وكمائن العدو
ومن الأبطال الذين التقينا بهم فى مدينة السويس أيضًا المقدم محمد إبراهيم عبد الجواد، الذى يروى أنه تم تجنيده فى شهر أبريل 1972 بسلاح المدرعات وتم تدربيه جيدا على الحرب فى أى وقت، وعن تلك الفترة يقول: قبل الحرب بعدة أيام قالوا لنا أن هناك مشروعا تدريبيا على مستوى الجيش كله، وقامت الحرب، ولم نشترك فيها، ولكن فى 23 أكتوبر دفعونا إلى مدينة السويس بعد حدوث الثغرة، ولابد أن تتمركز دباباتنا فى منطقة وادى حجول، وبالفعل ظللنا هناك، وهرب من هرب من القوات الإسرائيلية وأبطال السويس تصدوا لهم وأصابوا الكثير فيهم.
ويضيف: صدرت لنا الأوامر أن نتمركز عند معسكر الفنجرى أمامهم، وكنا حوالى 7 دبابات، ولكنهم من أسوأ الدبابات وقتها، وكانت منذ الحرب العالمية والقوات الإسرائيلية تمتلك أحدث الدبابات وقتها، ورغم ذلك لم نخف، ووقفنا بكمين أمام القوات الإسرائيلية التى فور مشاهدتنا لهم فروا هاريبن لأنهم كانوا يشكون أننا من قوات الفرقة الرابعة، وناصبين لهم كمين، ففروا هاربين من أمامنا فورا، ولم نطلق ولا طلقة واحدة يومها، وتحررت مدينة السويس مدينتى الباسلة، وكان يوم 24 أكتوبر ملحمة تاريخية فى ذاكرة الأجيال، وهو تحرير مدينة السويس بفضل القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي.
نقلًا عن العدد الورقي…،