كواليس التحركات الخفية لـ«الإخوان» بأوروبا.. الجيل الجديد يقود أهداف الجماعة.. يندس في المراكز البحثية.. ويجند مشروعهم لصالح التنظيم
لا تستسلم «الإخوان» لنواميس الحياة؛ بل تتكيف حسب المشكلات التى تتعرض لها، وهذا ثابت فى أدبيات الجماعة منذ نشأتها، لهذا رغم المحاولات المستميتة للاختباء والتخفى لا يبدو أن التنظيم قادر على استخدام أوراقه القديمة للابتعاد عن الأعين فى أخطر مرحلة يمر بها؛ إذ أَوكل المهمة كاملة إلى الجيل الجديد فى الجماعة، الذى وُلد وتربى على التراب الأوروبى، ويعرف لغته كاملة ونفسيته وتفاصيل اهتماماته.
وهؤلاء يستغلون المعركة الطاحنة بين اليمين واليسار لاقتناص مكاسب الوقت الضائع؛ إذ حسمت معارك النفط والأسعار ورفض الصدام مع روسيا على حساب رفاهية المواطن الغربى صعودَ اليمين فى العديد من دول الغرب آخرهم إيطاليا، ولا يتبقى إلا معركة استئصال الإخوان والتيارات الدينية من البلدان الأوروبية مقابل معركة أخرى لإحياء القيم والتسامح مع المختلف ولو كان متطرفًا، التى يسوقها اليسار كدليل على تفرد الغرب وتحليقه بعيدًا عن كل بلدان العالم، وهو ما يستغله أشبال الإخوان للبقاء فى الساحة الغربية حتى إشعار آخر.
استغلال اليسار
يتصارع اليمين واليسار على كل شيء، لكل منهما رؤيته الخاصة ومشروعه المعارض كلية للآخر، تاريخيًّا، غالبًا ما كان اليسار يحشد جماعة الإخوان وأنصارها إلى جانبه لتجنيد أصواتهم الانتخابية لصالح أحزاب اليسار، فى المقابل تدعم هذه الأحزاب الإخوان سياسيًّا وتطورهم ضمن دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبى.
تؤمن الأحزاب اليسارية الأوروبية بقيم العولمة وتدافع عن حقوق الإنسان والأقليات والمضطهدين والإخوان نجحوا فى تصنيف أنفسهم ضمن هذه الشرائح، مما وثق تحالفاتهم مع أحزاب اليسار.
أتقن اللعبة بكل تفاصيلها باقى التيارات الدينية بما فيها التيارات الشيعية وليس الإخوان وحدهم، ودست كل تيارات الإسلام السياسى أنصارا لها داخل المنظمات التى يسيطر عليها اليسار، فاحتضنتها ودافعت عن حقها فى العمل من داخل الأراضى الأوروبية.
كانت هذه السياسة دائمًا أحد أخطر محاور الصراع بين الأحزاب اليمينية الرافضة لفكرة اختراع حاضنة أوروبية لتلك الجماعات، وهاجمت كثيرا اليسار الذى احتواهم ودعمهم لوجستيا - ولا يزال - يقول وليد صالح الكاتب والباحث وأستاذ الدراسات الإسلامية.
توصى الجماعات الدينية وعلى رأسها الإخوان أتباعَهم دائمًا بالسير فى كنف اليسار لتخفيف الضغط عليها والحصول على الدعم السياسى والمالى والقانونى، وخاصة هذه الأيام التى تشهد صعودًا كبيرا لليمين؛ إذ زادت قوته وتضاعفت فى كل بلدان الغرب الأوروبى وأصبح يهددهم بطريقة غير مسبوقة.
فى ندوة بحثية لمركز تريندز للأبحاث، الذى استضاف نخبة من الخبراء الغربيين فى شئون الجماعة، جرى التحذير من المخططات الجديدة للجماعة لإبقاء جذورها راسخة فى أوروبا؛ إذ بالرغم من تراجعها الكبير حاليا، لكنها تعرف كيف تتكيف مع أصعب الظروف وأكثرها قسوة.
وفقًا للدكتور لورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن، أحد الذين شاركوا الجلسة النقاشية، جماعة الإخوان تحديدًا أصبحت تستخدم لغة جديدة للغاية بما يجعلها قادرة على طمس أهدافها الحقيقية.
وضع خاص
أوضح أن الإخوان التى خسرت شعبية طاغية لها بين السكان فى العالم العربى خلال السنوات الماضية لازالت تملك وضعًا خاصًّا فى الغرب وخاصة فى أوروبا رغم الصراع الطاحن بين تيارات اليمين واليسار.
أضاف: أوكل الإخوان القضية للجيل الجديد، الذى يسعى الآن لإعادة تشكيل صورة ذهنية تجعل الجماعة مختلفة كليًّا بأهداف وأولويات أخرى مقارنة بأهدافها فى الدول الإسلامية، ويلفت إلى أن الجيل الجديد ولد فى أوروبا ولديه دراية جيدة بالخطاب السياسى الغربى، وبفضل ذلك فهم قادرون على فعل ما كان الجيل الأول من الرواد يطمح إلى القيام به ولكنهم لم يكونوا قادرين حقًا.
يوضح الباحث أن الهدف الأسمى للتحركات الدائرة الآن أن تصبح الإخوان مقبولة من قبل المؤسسات الكبرى فى الغرب، لذلك يستخدمون فهمهم للخطاب السياسى الغربى لتحقيق ذلك، مردفا: «إنهم لا يشبهون الإخوان»، صحيح كانت بدايتهم السياسية فى أوساط التنظيم لكن من لغتهم إلى التحالفات السياسية التى يدخلون فيها، فهم لا يتبعون طريقة عمل الإخوان النموذجية المعروفة عنهم، بل يتبنون سياسة تقدمية للغاية.
يحذر مدير برنامج التطرف فى جامعة جورج واشنطن من أن الجيل الثانى من الإسلاميين فى الأوساط البحثية أصبحوا يطلقون على أنفسهم الإسلاميون المستيقظون، الذين يعرفون إلى حد كبير كيف يستخدمون مفاهيم العنصرية والتعصب السائدة فى الخطاب السياسى فى أوروبا لإخفاء طبيعتهم الحقيقية، خاصة مع إجادتهم التعبير والتحدث بلغة تجعلهم أكثر قبولًا وأكثر استساغة.
ولفت إلى ضرورة السعى داخل أوروبا لقطع الطريق على ما أسماها "النماذج السامة من الإيدلولجيا الإخوانية".
نقلًا عن العدد الورقي…،