محنة خريجى الهندسة الطبية فى مصر.. التأهيل للعمل ضعيف.. والثقافة العامة تجاه صيانة الأجهزة العلاجية “كارثية”
ضعف ثقافة ووعى وتأخر فى اللحاق بالعالم المتحضر، كلها أشباح تحاصر المجالات غير المعروفة للعامة فى مصر، أو حتى المتخصصين للأسف، إذ تحتضر مهنة الهندسة الطبية الحيوية، مع أنها واحدة من أبرز التخصصات النادرة فى مصر التى تحتاج لعناية خاصة وتعريف بها، حتى لا تبقى خارج دوائر اهتمام الطلبة الذين يهرولون للالتحاق بكليات الهندسة، ولكن لأقسام الاتصالات والعمارة والمدنى وغيرها من الأقسام الشهيرة دون غيرها.
الدكتور تامر يوسف، الأستاذ بقسم الهندسة الطبية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، يكشف الكثير عن أسرار الأزمة، ويسترجع قصة إنشاء القسم، موضحا أن تخصص الهندسة الطبية بدأ فى السبعينيات ويهتم بصناعة ماكينات تحاكى الجسم البشرى مثل الأطراف الصناعية، لافتا إلى أن دور الهندسة الطبية الإشراف على بناء المستشفيات بمعايير طبية عالية الجودة بالإضافة إلى صناعة الأجهزة وصيانتها والإشراف على استخدامها، وكذلك الإشراف على استخدام جهاز نبضات لإنعاش المريض.
شروط القبول
وأضاف، أن السبب فى ندرة وجود هذا التخصص بين الخريجين، شروط ولوائح القبول التى تضعها كلية الهندسة لأعداد المقبولين فيه، والتى تشترط أن يلتحق بالقسم أعداد قليلة بما يتلاءم مع احتياجات سوق العمل المصرى، وأنه يكون لدى خريجى القسم فرص للعمل فى أوروبا وأمريكا والحصول على منح لاستكمال دراستهم خارج مصر.
وفى سياق آخر، أكدت الدكتورة شيرين فراج أستاذ الهندسة الطبية وعضو مجلس النواب السابق، أن هناك ظاهرة خطيرة باتت منتشرة، حيث أصبحت الأجهزة الطبية فى المستشفيات مهملة تمامًا مطالبة بوضع حد لما يحدث للأجهزة الطبية الإكلينيكية بالمستشفيات وقواعد الأمن والسلامة حفاظًا على صحة المواطنين، مؤكدة أن المنظومة الطبية تقوم على أربع قواعد، الأطباء، والخدمات المساعدة من تمريض وفنيين والدواء والهندسة وخصوصا الهندسة الطبية.
ولفتت فراج إلى أن دور الهندسة الطبية فى مصر يتراجع، مع أن الأجهزة الطبية أساس التشخيص والعلاج، لاسيما بعد أن تطورت التكنولوجيا المستخدمة فيها تطورًا هائلا ومستمرًا، ويظهر يوما بعد يوم أجهزة جديدة بأحدث التقنيات المختلفة كما يواكب هذا التطور توسعا سريعا فى استخدام المنظومات التكنولوجية التى تؤدى إلى أخطار فيزيائية، وكيميائية، وبيولوجية وميكانيكية.
وأضافت عضو مجلس النواب السابق أنها تقدمت مسبقا بطلب إحاطة لوزير التعليم العالى بشأن الاهتمام بتخصص الهندسة الطبية فى الجامعات واعتباره تخصصا مستقلا بذاته ليس تابعا لقسم الكهرباء، موضحة أنه للأسف معظم أقسام الهندسة الطبية اليوم فى الجامعات الحكومية والخاصة يقوم بالتدريس فيها أساتذة من قسم الكهرباء، وليسوا متخصصين أو دارسين للهندسة الطبية.
فرص العمل والتأهيل
وأشارت فى حديثها لـ»فيتو» أنه نظرا لتزايد عدد المؤسسات الصحية من مستشفيات ومراكز طبية وما يشهده قطاع الصحة والأجهزة الطبية من تطور تكنولوجى هائل وعدم المواكبة المستمرة لهذا التطور وندرة المهندسين المؤهلين للعمل فى هذا المجال أصبح معظم خريجى قسم الهندسة الحيوية الطبية يبحثون عن الحصول على فرص عمل فى الخارج ويضطرون للسفر إلى أوروبا وأمريكا لاستكمال أبحاثهم ودراساتهم لوجود مجالات متعددة منها شركات الأجهزة الطبية، وجهات تقديم الخدمات الصحية والمراكز البحثية والمؤسسات الاستشارية، مشيرة إلى أن أعلى الرواتب فى أمريكا تُقدم للعاملين فى هذا التخصص.
وأشار الدكتور هيثم المراكبى، المدرس بقسم النظم والحاسبات بكلية الهندسة بنين جامعة الأزهر بالقاهرة، إلى أنه أدى تداخل التخصصات الهندسية والطبية إلى طفرة فى مجال صحة الإنسان، بدأ من استخدام الأجهزة الحديثة لعمل القياسات والأشعة المختلفة، كما أدت الطفرة المعلوماتية فى مجال الصحة إلى الحاجة إلى تحليل بيانات المرضى ودراسة طرق استجاباتهم للعلاجات المختلفة، وأدى هذا التداخل إلى ظهور مجالات بينية تدمج الدراسة والأبحاث فى مجالات الهندسة والمعلومات والطب والأحياء والكيمياء الحيوية.
وأضاف المراكبى لـ “فيتو” أن هناك مشكلات فى مجال البحث العلمى بمصر وخاصة مجال الهندسة الطبية، وأهم هذه المشكلات ضعف الدعم لقطاع البحث العلمى، وعدم وجود رؤية إستراتيجية لتطوير البحث العلمى والاهتمام بمخرجاته وتوجيه الباحثين للعمل على المشكلات التى تواجه المجتمع المصرى.
ولفت إلى أن الكثير من الباحثين يلجأون للسفر لاستكمال دراستهم فى الخارج سواء لدول أجنبية أو عربية نتيجة لنقص الدعم وقلة المشروعات البحثية فى مصر وانخفاض قيمتها العلمية.
وعن مقترحات تطوير مجال الهندسة الطبية فى مصر، أشار المراكبى إلى أنه من خلال تخصصه فى مجال تحليل البيانات الطبية يتمنى الإسراع فى عمل قواعد لبيانات المرضى يمكن مشاركتها بين مقدمى الخدمة الطبية والجهات البحثية، كذلك التوسع فى استخدام تقنيات التحليل الجينى Genome Sequencing فى تشخيص الأمراض وتحديد طرق العلاج وهى تقنية غير موجودة أو قليلة الاستخدام فى مصر، والاهتمام بوضع إستراتيجية للبحث العلمى الذى يخدم قطاع الصحة، وخاصة استخدام تقنيات الذكاء الصناعى فى حل مشكلات الصحة.
نقلًا عن العدد الورقي…،