«أوبك+» فى مواجهة أمريكا.. المعركة أكبر من «برميل نفط».. الدول النفطية ترفض الانحناء لضغوط بايدن
خطوة مفاجئة وقرار مُربك يعيد كافة الحسابات، هكذا تم اعتبار قرار مجموعة أوبك+ خلال الأيام الماضية بتخفيض الإنتاج بمقدار مليونى برميل يوميا، وهو ما تُرجم فى لحظات إلى إعصار ضرب الأسواق.
وبجانب التأثيرات الاقتصادية الكبيرة لقرار مجموعة أوبك+ على الاقتصاد العالمى وارتفاع الأسعار بشكل جنونى وزيادة التضخم فى الأسواق التى لازالت تعانى تبعات الحرب الأوكرانية، إلا أن هذا القرار له أبعاد سياسية كبيرة.
وجاء قرار أوبك+ بخفض الإنتاج بعد المطالب الأمريكية بزيادة الإنتاج، وبالرغم من قمة جدة التى حضرها الرئيس الأمريكى جو بايدن مع قادة الخليج لضمان تدفق النفط لتخفيف التضخم وتعويض النقص الروسى، إلا أن القرار يؤكد أن دول المجموعة اختارت مصالحها الشخصية متجاهلة الضغوطات التى تمارسها واشنطن لزيادة الإنتاج.
ومن جانبه علق الرئيس الأمريكى بايدن على القرار قائلا: «إنه محبط، ويبحث فى عدة خيارات من أجل الحفاظ على الأمن القومى الأمريكى، وضمان تدفق النفط إلى حلفائه».
من ناحية أخرى، صب هذا القرار فى مصلحة الجانب الروسى، خاصة مع القرارات التى صدرت عن مجموعة الـ7، بشأن تحديد سقف للنفط الروسى، وهو ما حذرت موسكو من تداعياته على الأسواق العالمية.
وأثار قرار مجموعة السبع بتحديد سقف للنفط الروسى انقسامات بين الدول الأوروبية، حيث رفضت بعض الدول وعلى رأسها ألمانيا ذلك القرار، حيث تعتبر برلين من أكبر مستوردى النفط من موسكو.
وأصبح قرار أوبك+ بمنزلة طوق النجاة لموسكو من أزمة اقتصادية كانت ستحل بها فى حال انخفاض أسعار النفط، أو نجاح خطة الغرب فى تحديد سقف لسعر النفط الذى تصدره.
ويعتبر قرار مجموعة أوبك+ بمنزلة رسالة من دول الخليج، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، مفادها التقرب من الحليف الروسى فى ظل تخلى واشنطن عن الشرق الأوسط.
معاناة أمريكية
فى نفس السياق، وسريعًا بدأت المعاناة الأمريكية فى الظهور، إذ توجهت واشنطن لسحب 10 ملايين برميل من الاحتياطى الإستراتيجى للبلاد، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية لهذا القرار على السوق الأمريكى الذى يعانى من أزمات اقتصادية ضخمة وارتفاع كبير فى معدلات التضخم لم تشهدها البلاد من قبل.
كما أشارت التقارير إلى أن هذا القرار تهديد لإدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن والحزب الديمقراطى فى انتخابات التجديد النصفى، والتى من المقرر أن تعقد فى شهر نوفمبر المقبل.
ارتفاع أسعار النفط
وفى هذا السياق، قال الخبير الاقتصادى، الدكتور أحمد معطى، إن قرار أوبك+ بتخفيض إنتاج النفط، له انعكاسات سلبية مباشرة على الاقتصاد الأوروبى والأمريكى، مشيرا إلى أن عقب ذلك القرار ارتفعت أسعار النفط من 89 دولارا للبرميل إلى 95 دولارا.
وأوضح الخبير الاقتصادى، أن اقتصاد دول الاتحاد الأوروبى أكثر من سيتضرر، باعتبار دول القارة العجوز أكبر مستورد للنفط، وأبسط مثال على ذلك أنه بمجرد صدور القرار، اضطرت شركة توتال الفرنسية إلى إغلاق ما لا يقل عن 25 محطة وقود، وذلك لعدم توافر المواد النفطية، بالإضافة إلى إضراب العمال للمطالبة بتحسين الأجور فى ظل الأوضاع الاقتصادية المتدنية.
وحول أسباب قرار أوبك+ بخفض الإنتاج، أوضح معطى أنه يستبعد أن يكون سببه وجود تحالف روسى سعودى، مؤكدا أن العلاقات السعودية مع الاتحاد الأوروبى وأمريكا علاقات قوية، مشيرا إلى أن هذا القرار يأتى تحقيقا للمصالح الاقتصادية لدول أوبك+، لإعادة ضبط الأسواق خاصة بعد انخفاض أسعار البترول فى الفترة الأخيرة.
العقوبات الروسية
أما علاقة قرارات أوبك+ بالعقوبات الروسية، أشار الدكتور أحمد معطى إلى أن الرئيس الروسى بوتين، أصبح يبحث عن البدائل من أجل التعايش مع عقوبات الغرب، مؤكدا أنه لا يأبه بالعقوبات الغربية أو بقرار مجموعة الـ7 بتحديد سقف لأسعار النفط الروسى، لأن لديه البدائل الآسيوية، وهما الصين والهند.
وأكد معطى أنه حتى فى حال قيام مجموعة الـ7 بتطبيق قرار سقف أسعار النفط الروسى، فإن ذلك لن يؤثر على موسكو، لأنها أصبحت تصدر أغلب إنتاجها من النفط إلى الصين والهند بدلا من الاتحاد الأوروبى.
ونوه أحمد معطى إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تتوافر لديهم المصادر البديلة التى تعوضهم عن النفط الروسى فى الوقت الحالى، مؤكدا أنهم مترددون فى اللجوء إلى النفط الإيرانى والفنزويلى، مع العلم أنهم تحت إطار العقوبات.
من جانبها قالت نورهان الشيخ، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إن قرار أوبك+ له أبعاد سياسية، فهو يبرهن على تحدى دول المجموعة المكونة من 23 دولة للضغوط الأمريكية من أجل تحقيق مصالحها الاقتصادية، موضحة أن القرار ليس له علاقة بالتحالف السعودى الروسى، وبالتالى فالاتهامات الأمريكية للرياض غير صحيحة.
وأوضحت عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن قرار مجموعة الأوبك+ سيكون له تأثير على مستوى الدعم الذى تقدمه دول أوروبا على وجه الخصوص إلى أوكرانيا مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ولكنها أكدت على استمرار الدعم الأمريكى والبريطانى باعتباره تحديا وجوديا مع موسكو.
وأشارت نورهان الشيخ إلى أن قرار أوبك+ انعكس بالإيجاب على الاقتصاد الروسى، موضحة أن ارتفاع أسعار النفط سيحافظ على العائدات المرتفعة التى تحققها موسكو، خاصة أنها تصدر النفط بخصم 30%، ففى حال انخفاض الأسعار سيحدث أزمة كبيرة فى روسيا.
وأكدت نورهان الشيخ أن سلاح العقوبات التى تهدد به الولايات المتحدة ضد مجموعة أوبك+، غير مجد تماما، ولن يكون له قيمة، خاصة أن المجموعة تضم كبار منتجى النفط فى العالم، مضيفة أنه فى حال اتخاذ واشنطن أي قرار من هذا القبيل سيكون له انعكاسات سلبية عليها، كما أن الإدارة الأمريكية ليست فى وضع يسمح لها بالدخول فى صراع مع دول أوبك+، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى، وتراجع شعبية الحزب الديمقراطى.
نقلًا عن العدد الورقي…،