نهاية زمن الغنوشي وإخوانه في تونس.. اعتقالات بصفوف رجاله.. تصفية ثروة التنظيم المالية.. وتجميد أرصدته
قبل أعوام قليلة لم يكن سهلًا تصور وجود الإخوان خارج دواوين الحكم والسلطة فى تونس؛ فالرجل القوى "الداهية" كما يسمُّونه راشد الغنوشى، زعيم حركة النهضة، درس جيدًا التجربة المصرية التى أزاحت الجماعة ودمَّرت أساساتها فى المجتمع، وكذلك أغلب الدول التى صعد فيها التنظيم وحلفاؤه خلال ثورات الربيع العربى، وعرف كيف يهرب من المنحنيات الصعبة التى وقع فيها الإخوان بجميع البلدان الأخرى، لكنه رغم دهائه الشديد فى النهاية لم يبتعد عن مصير أقرانه، بل انزلق إلى نفس المستنقع، وتنتظره مستقبل غامض فى تونس.
استجواب الغنوشي
خضع الغنوشى الأسبوع قبل الماضى لاستجواب شرس من وحدة مكافحة الإرهاب فى البلاد للاشتباه فى قيامه بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال جمعية خيرية، واستمر أكثر من 12 ساعة متتالية.
وحسب مصادر، فقد كانت هذه هى الضربة الأعنف التى شعر بها راشد الغنوشى بعد صفعة سابقة ما زال يحاول التعافى منها؛ إذ جمَّد البنك المركزى التونسى حساباتِ الرجل المصرفية ضمن عشرة من كبار مسئولي حزب النهضة، وهى ضربة فى مقتل؛ فالاقتصاد والوفرة المالية أحد أذرع التنظيم فى ترسيخ قوته وهيمنته على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى تونس وخارجها.
أصبح الأمن التونسى يملك أدلة دامغة على تورط حركة النهضة فى مساعدة آلاف الشباب التونسى المتطرف للانضمام إلى التنظيمات الدينية الإرهابية بعد انفجار الثورة التونسية عام 2011.
يقول إبراهيم ربيع، الكاتب والباحث فى شئون الجماعات الإسلامية: إن التنظيم الإخوانى كيان وظيفى يعمل بالوكالة ولا يستطيع التحرك إلا بأوامر ووفق مصالح أجهزة خارجية تحركه لهذا لا يملك الغنوشى أى حجة فى الهروب من التهمة؛ فالرجل كان زعيمًا للنهضة، أخطر لاعب رئيسى فى السياسة التونسية منذ ثورة 2011 التى أطاحت بنظام زين العابدين؛ حيث انضم حزبُه إلى عدة حكومات ائتلافية متعاقبة، وتولى عدة مناصب رئيسية بما فى ذلك الأمن الداخلى نهاية برئاسة السلطة التشريعية "البرلمان".
عقيدة انتهازية
يكشف "ربيع"، أن الإخوان تملك عقيدة انتهازية أساسها النفعية والاستغلال، لذلك تطوع الإيمان الفطرى عند أعضائها وحتى الجماهير العادية فى سبيل تمكين التنظيم من السلطة بأى طريقة كانت ولو خدمت على أهداف التنظيمات الأكثر تطرفا، ومن هذا المنطق فقد أدت عمليات تسريب الشباب التونسى إلى قُتل واعتقال الكثيرين منهم فى سوريا وعدد من البلدان العربية، بينما فرَّ آخرون وعادوا إلى تونس، ومنهم من قرر التوجه إلى ليبيا لارتكاب أعمال إرهابية فى الصراع الدائر هناك، ما جعل القضية تأخذ بعدًا دوليا أبعد من مجرد مشاحنات سياسية أو رغبة من السلطة الحالية فى تركيع الغنوشى كما يروج زعيم الإخوان فى تونس، وأصبح الغنوشى لا يجد أى دعم من أغلب الساسة فى بلاده.
كما يتهم الغنوشى بالعمل بكل قوته وسطوته لتعطيل قانون المحكمة الدستورية وتشكيلها حسب دوائر مصالحه وحركته طوال الفترة النيابية من 2014-2019 حيث أشعل خلافات ضخمة طوال هذه السنوات مع معارضيه، ما أجبر رئاسة الجمهورية على الدخول على خط المعركة واعتبار إجراءات تشكيلها غير دستورية.
كان الغنوشى ينتظر اللحظة المناسبة لدس أتباعه بين أطياف المحكمة حتى يضمن سيطرة كاملة بأعلى السلطات فى البلاد، قبل أن يلجأ الرئيس قيس سعيد بعد سلسلة من الصراعات والحروب الكلامية مع الجماعة وأنصارها والبرلمان الذى رأسه الغنوشى للمادة 80 من الدستور التونسى وعلق عمل البرلمان.
تجريد الامتيازات
بعد ذلك ضرب «سعيد» الإخوان فى مقتل بتجريدهم من كل امتيازاتهم، بعد أن لجأ سريعًا لتنظيم استفتاء على دستور جديد جرت المصادقة عليه شعبيًّا فى يوليو الماضى ليتم إجراء الانتخابات التشريعية فى ديسمبر من هذا العام.
حسب عماد عبد الحافظ، يعنى قدوم الانتخابات بعد أشهر قليلة مع توسع دائرة التحقيق مع الشبكات واللوبيات الدينية التى سهلت نقل الجهاديين المحتملين التونسيين إلى سوريا أن الجماعة انكشفت تمامًا للعالم وليس للداخل التونسى فقط؛ إذ تضم أدبيات التنظيم آليات تنفيذ عمليات الاستقطاب وسبق لها تنفيذ ذلك بداية من مراكز الشباب والمساجد وغيرها، مما يعنى أن الجماعة وأنصارها لن يتجرأوا فى ظل هذه التحقيقات على الإنكار ومن ثم الترشح، ولو سمحت لهم الظروف القانونية لن يتقبلهم الشارع بعد أن فاحت رائحة تورطهم فى جرائم ذات طبيعة إرهابية، فضلا عن شعبية الرئيس التى تتوسع بناء على رفض الإسلاميين وكل ما يأتى من طرفهم.
ما يدفع الجماعة أيضًا إلى حافة الانتحار بحسب مصادر قريبة من إخوان تونس، انقلاب كل مؤسسات القوة ضدهم، فبخلاف الأحزاب المدنية التى تتهم النهضة بالتطبيع والتحالف الوثيق مع المتطرفين الدينيين لإرهاب المجتمع وخاصة السلفية الجهادية طوال السنوات الماضية وتشجع على عزلهم سياسيًا، هناك تصميم بين مؤسسات الدولة على محاسبة المسئولين عن تجنيد المتطرفين وإرسالهم للخارج وفضح عمليات غسيل الأموال التى صنعت قوة وسطوة الجناح المالى للنهضة وأنصارها من التيارات الإسلامية.
أطاحت التحقيقات الجارية بعدد من المسئولين الأمنيين السابقين الذين كانوا على علاقة وثيقة بالنهضة بجانب القيادات الكبرى فى الحركة، على رأسهم رجل الأعمال التونسى البارز والنائب الإسلامى السابق محمد فريكة الذى أشارت عملية اعتقاله بوضوح إلى تصميم القضاء التونسى على توسيع التحقيق فى شبكات التجنيد الجهادية بعد أشهر من التحقيقات الأولية.
إذ كشف الأمن عن تورط فريكة كرئيس لشركة طيران سيفاكس فى المساعدة وتنظيم نقل الشباب التونسيين المتطرفين إلى ساحات القتال السورية والعراقية عبر تركيا، كما أمر القضاء باعتقال زعيم ائتلاف الكرامة الموالى للجماعة النائب السابق محمد عفس والنائب السابق والإمام السلفى رضا جوادى والنائب السابق عن النهضة حبيب اللوز.
بهذه الإجراءات يصمم القضاء بالتعاون مع الأمن على كسر التنظيم الإخوانى وتحطيم العنوشى فى تونس من خلال كشف كل الظروف الغامضة التى أدت إلى تجنيد الشباب التونسى المتطرف ونقلهم إلى بؤر التوتر خلال العقد الماضى الذى تولت فيها الجماعة مقاليد الحكم فى كل شيء.
نقلًا عن العدد الورقي…،