رئيس التحرير
عصام كامل

صانعو الشرعية


يكافح الكثير كي يتركوا بصمة في هذه الحياة، وتمر الأيام ويبقى الكثير في الذاكرة و ينمحي آخرون ومن يبقى في الذاكرة كُثر، البعض يبقى لأنه أثر بالإيجاب و الآخر يبقى أيضا لكن لا يطيب لنا ذكره. وعلى مر التاريخ تتغير المترادفات التي نستخدمها، وتتغير دلالاتها، والكلمات لا تُفسر دون فحصها ووضعها في السياق الزمني والتاريخي والاجتماعي والجغرافي لها، فالسياق هو القادر على جعلنا أكثر وعيا وفهما للحقيقة النسبية في فهم بعض من تلك الحياة.


بعض الكلمات تكتسب قيمتها وشرعيتها مِمّن يستخدمها، تخيل معي حين يتحدث غاندي عن المصالحة ويتحدث نيلسون مانديلا عن التعايش المشترك فلن تجد مشقة في تصديق كل ما يحدثك عنه هذا الزعيم أو ذاك، فحياة كلاهما تشهد شهادة حق عما تنطق به شفاهما، وبهذا يصنع هؤلاء شرعية جديدة لتلك الكلمات في حين تسحب الشرعية من آخرين.

لكن حين تحدث مرسي عن المحبة كثيرا ثم سمح للشيخ عبد المقصود أن يصف الشيعة بالأنجاس ويدعو بكسر شوكة متظاهري ٣٠ يونيو الكافرين، فقد مصداقية كل كلماته السابقة أو اللاحقة، وحين لم يمنع مرسي الشيخ عبد المقصود من هذا تحريض بالكراهية ضد متظاهري ٣٠ يونيو وضد الشيعة أيضا فقد أعطاه تصريحا له ولأتباعه بتحقير الآخر، ثم ما إن انتهى هذا المؤتمر ببضعة أيام حتى انهال بعض المتطرفين على أربعة من الشيعة في قرية "أبو النمرس" بالجيزة بالأسلحة البيضاء والحجارة وقضوا على حياتهم في واقعة تجلب العار لمصر وحاكم مصر وقد لا تمحى من التاريخ أبدا وإن حاول البعض تجاهلها، لم يتخذ الرئيس السابق أي إجراءات حيال ذلك سوى الأسف مع أن الحدث كارثي، وينبغي على أي رئيس أن يدرك أن كل مصري في هذا الوطن له نفس الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والعرق واللون، فهل يستمع الرئيس المستقبلي؟

رئيس الجمهورية شخصية اعتبارية محايدة، ولذا لا يجب أن يُشعر المواطنين بأنه لا ينحاز لفريق دون آخر وذلك على كل المستويات والأصعدة فيؤدي ذلك إلى شعور متنام بالانتماء والرغبة في الوجود داخل نسيج الوطن الواحد.

وليست الشرعية وإن تم انتخابك من خلال صناديق الاقتراع فحسب، فجموع الناخبين انتخبت شخصا ما وفقا لمعايير دستورية، ومن هنا فلابد للطرف المنتخب أن يظل محافظا على شروط التعاقد. لكن حين ينحرف رئيس الجمهورية عما تم انتخابه عليه هنا أن يكون من recall حق الناخبين أن يستردوا أصواتهم فيما يعرف بالاسترداد ويعتبر ذلك جزءا من العملية الديمقراطية التي تحدث في جميع أنحاء العالم الديمقراطي، لذا كان على الرئيس السابق أن يقبل بفكرة الاستفتاء على وجوده، ولو قام بذلك لجنبنا الكثير من التناحر ولم نفقد تلك الأرواح العزيزة علينا جميعا في عام ١٩٥٢ ووافق الملك فاروق على الرحيل في هدوء حتى يجنب الشعب الاقتتال، لكن مرسي لم يقرأ التاريخ جيدا ولم يقرأ الرئيس السابق المصريين جيدا، ولم يفهمهم، ولم يحاول ولم يبذل جهدا أن يخرج من عباءة الجماعة فخرج من تاريخ مصر غير مأسوف عليه.
الجريدة الرسمية