ما حكم بيع عقار ووضع أمواله في تجارة؟.. تعرف على آراء الفقهاء
حكم بيع عقار ووضع أمواله في تجارة.. يرغب الكثيرون في معرفة الحكم الشرعي لبيع منزل من أجل المتاجرة، سواء في الأسهم، أو بضاعة، أو مقاولات البناء أو غير ذلك.
حكم بيع عقار ووضع أمواله في تجارة
الشريعة الإسلامية أرادت تحصين الأسرة المسلمة من الضياع، فكان النهي عن بيع العقار الأساس وهو بيت السكن، دون وضع ماله في بيت آخر، وهو نهي كراهة وليس نهي تحريم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه فيه، كان قمنا ألا يبارك له فيه»، وقمنا أي جديرا، وقال صلى الله عليه وسلم: «من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له فيها».
وابتاع يعلى بن سهيل من أبيه دارا بمائة ألف، فقال له عمران بن حصين: بعت دارك؟ قال: نعم. قال: فلا تبعها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من باع عقدة مال، سلط الله عليها تالفا يتلفه». فاستقاله، فأقاله.
واستثنى العلماء بيع العقار للاتجار لمن يملك فضل مال، ولديه عقارات أخرى، فلا يؤثر على سكنه الأساس، وهو المهم والمقصود، فالأرض فيها بركة، كما قال ابن عيينة في تفسير الحديث الأول: إن الله عز وجل يقول: «وبارك فيها أقواتها، فلما خرج من البركة، ثم لم يعد في مثلها، لم يبارك له».
وجاء الاستثناء أيضا فيمن يريد العلاج (حاجة وليس ترفا)، أو سداد دين، أو الإنفاق على العيال، أو تزويجهم، أو غير ذلك من الضرورات.
وتأكيدا.. فإن الأحكام سالفة الذكر لا تدل على حرمة بيع العقار، إنما الترغيب في الاستقرار وإعمار الأرض، فالشريعة جاءت لتنظم أمور العباد، وتدلهم على الأصلح.
معنى حديث: "من باع دارًا أو عقارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يُبارك له فيه
الحديث المشار إليه رواه الإمام أحمد (17990) وابن ماجة (2481) عَنْ سَعِيدِ بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ بَاعَ دَارًا أَوْ عَقَارًا فَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهِ كَانَ قَمِنًا أَنْ لَا يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ ).
قَوْله: " قَمِنًا " أَيْ جَدِيرًا وَخَلِيقًا.
ورواه ابن ماجة (2482) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ بَاعَ دَارًا وَلَمْ يَجْعَلْ ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهَا لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهَا ).
والحديث حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (5/326) بمجموع طرقه وشواهده.
قال المناوي رحمه الله في معنى الحديث: ( من باع دارًا..) لأنها ثمن الدنيا المذمومة وقد خلق اللّه الأرض وجعلها مسكنًا لعباده، وخلق الثقلين ليعبدوه، وجعل ما على الأرض زينة لهم: ( لنبلوهم أيهم أحسن عملًا )، فصارت فتنة لهم ( إلا من رحم ربك) فعصمه، وصارت سببًا للمعاصي فنزعت البركة منها، فإذا بيعت وجعل ثمنها متجرًا لم يبارك له في ثمنها، ولأنه خلاف تدبيره تعالى في جعل الأرض مهادًا.
حكم التجارة من بيع عقار
وأما إذا جعل ثمنها في مثلها فقد أبقى الأمر على تدبيره الذي هيأه له، فيناله من البركة التي بارك فيها، فالبركة مقرونة بتدبيره تعالى لخلقه..." انتهى من "فيض القدير"(6/119)
وقال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: " وكأن ابن عيينة انتزع فيه أنه وجد الله عز وجل يقول " وبارك فيها وقدر فيها أقواتها " يعني الأرض فكان من باع دارًا أو عقارًا فقد باع ما بارك الله عز وجل فيه، فعاقبه بأن جعل ما استبدله به يعني مما سواه من الآدر والعمارات غير مبارك له فيه، والله عز وجل نسأله التوفيق " انتهى من "بيان مشكل الآثار"(9/206)
وقال الملا علي القاري: " قَالَ الْمُظْهِرُ: " يَعْنِي: بَيْعُ الْأَرَاضِي وَالدُّورِ وَصَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى الْمَنْقُولَاتِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، لِأَنَّهَا كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ قَلِيلَةُ الْآفَةِ لَا يَسْرِقُهَا سَارِقٌ وَلَا يَلْحَقُهَا غَارَةٌ بِخِلَافِ الْمَنْقُولَاتِ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُبَاعَ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْأَوْلَى صَرْفُ ثَمَنِهَا إِلَى أَرْضٍ أَوْ دَارٍ " انتهى من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 5/1983)
وأما قوله: "جعله في مثله " أي يشتري بها دارًا أو عقارًا ؛ لأن بالدور والعقار تُحي الأرض الميتة، ولا فرق بين أن يشتري دارًا عامرة أو أرضًا ثم يقوم بعمارتها لحصول المقصود، وهو إحياء وإعمار الأرض الميتة.
قال المناوي رحمه الله: " لأن الإنسان يُطلب منه أن يكون له آثار في الأرض، فلما محى أثره ببيعها رغبة في ثمنها جوزي بفواته.." انتهى من "فيض القدير شرح الجامع الصغير"(6/121)
وهذا الحكم، ما لم يكن في بيع العقار أو الدار ضرورة، فإن كان بيعها ضرورة، كأن يكون عليه دين قد حل أجله أو غير ذلك.. وليس عنده إلا هذه الدار فلا يدخل في الحديث، بل يجب عليه بيعها وتسديد دينه.