خطابات جمال عبد الناصر.. "لقاء" المنشية الأشهر.. يعلن السيادة المصرية في "التأميم".. ويؤكد من الأزهر: مصر مقبرة الغزاة
تحل اليوم الذكرى الثانية والخمسون لوفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على الرحيل إلا أن عبد الناصر لا يزال حاضرًا بقوة فى ذاكرة الكثيرين، بمواقفه السياسية وكذا بخطاباته التى كانت تحظى باهتمام كبير ولا يزال بعضها محفورا فى الذاكرة حتى الآن..وفى السطور التالية نرصد جانبًا من خطابات الزعيم الراحل محتوى ومعنى وتحليلا، وكيف طغى حضوره عليها.لا تزال خطب “ناصر” مثار بحث ودراسة، فقد كان يستخدم ألفاظا محددة فى خطاباته، التى وصلت لحوالى ١٣٦٢ خطبة مقروءة ومسموعة ومرئية فى الفترة من 1952 وحتى 1970، استخدم فيها لغة الجسد للتعبير عن حلمه الذى راوده فى القومية العربية وتحرير الشعوب من الاستعمار.
خطاب المنشية.. سأموت من أجلكم!
يعد خطاب المنشية أشهر خطاباته ذلك الذى ألقاه فى يوم 26 أكتوبر 1954 فى ميدان المنشية بالإسكندرية بمناسبة عيد الجلاء وهو الخطاب الذى تعرض فيه لمحاولة الاغتيال بحادث سُمِّى: “حادث المنشية” جاء فيه:
“أيها المواطنون: يا أهل الإسكندرية الأمجاد.. أحب أن أقول لكم ونحن نحتفل اليوم بعيد الجلاء.. بعيد الحرية.. بعيد الاستقلال، أحب أن أقول لكم -أيها الإخوان- أحب أن أتكلم معكم عن الماضى وعن كفاح الماضى.. أحب أن أعود إلى الماضى البعيد. إننا إذا كنا نتكلم معكم اليوم فإنما نتكلم لنسير إلى الأمام بجد وبعزم، لا بتهريج ولا بهتاف، ولا يريد جمال مطلقًا أن تهتفوا باسمه، أننا نريد أن نعمل لنبنى هذا الوطن بناءً حرًا سليمًا أبيًا، ولم يبن هذا الوطن فى الماضى بالهتاف، وأن الهتاف لجمال لن يبنى هذا الوطن، ولكنا -يا إخوانى- سنتقدم وسنعمل.. سنعمل للمبادئ.. وسنعمل للمبادئ، وسنعمل للمثل العليا؛ بهذا سنبنى هذا الوطن، وأرجوكم أن تصغوا إلىَّ.
وأنا إذا كنت أتكلم معكم اليوم فى الاحتفال بهذه الاتفاقية، وفى الاحتفال بهذا الجلاء، وفى الاحتفال بهذه الحرية؛ فإنما أريد أن أذكركم بالماضى وبكفاح الماضى.. بكفاحكم أنتم وبكفاح آبائكم وبكفاح أجدادكم، أريد أن أقول لكم لقد بدأت كفاحى وأنا شاب صغير، من هذا الميدان، فى سنة ١٩٣٠ خرجت وأنا شاب صغير بين أبناء الإسكندرية أنادى بالحرية وأنادى بالكرامة لأول مرة فى حياتى، وكان هذا من هذا الميدان.
وأنا إذ أتواجد بينكم اليوم لا أستطيع أن أعبر عن سعادتى، ولا أستطيع أن أعبر عن شكرى لله حينما أتواجد فى هذا الميدان، وأحتفل معكم أنتم يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم فى الماضى.
فى تلك اللحظة دوت ثمانى رصاصات متتالية تجاه الرئيس، وبعد فترة من الفوضى يجيء صوت الرئيس قائلا:
فليبق كل فى مكانه، أيها الرجال: فليبق كل فى مكانه.. وكررها عشر مرات، ثم قال: أيها الأحرار: فليبق كل فى مكانه، دمى فداء لكم، حياتى فداء لكم، دمى فداء مصر، حياتى فداء مصر.
هذا جمال عبد الناصر يتكلم إليكم -بعون الله- بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليه وعلى حياته.. حياتى فداء لكم، ودمى فداء لكم، أيها الرجال، أيها الأحرار:
إن جمال عبد الناصر ملك لكم، وإن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم، ها هو جمال عبد الناصر.. ها هو جمال عبد الناصر بينكم، أنا لست جبانًا، أنا قمت من أجلكم، ومن أجل حريتكم، ومن أجل عزتكم، ومن أجل كرامتكم.
أيها الناس: أنا جمال عبد الناصر، منكم ولكم، دمى منكم ودمى لكم، وسأعيش حتى أموت مكافحًا فى سبيلكم وعاملًا من أجلكم، من أجل حريتكم وكرامتكم ومن أجل عزتكم.
ويمنعه أحد الرفاق من مواصلة الحديث حرصا على صحته فيقول: «سيبونى، فليقتلونى.. فليقتلونى.. فقد وضعت فيكم العزة والكرامة.. فليقتلونى.. فقد أنبت فى هذا الوطن الحرية والعزة والكرامة من أجل مصر ومن أجل حرية مصر، من أجلكم ومن أجل أبنائكم ومن أجل أحفادكم».
يا أهل مصر.. يا أبناء مصر قمت من أجلكم.. وسأموت فى سبيلكم.. فى سبيل حريتكم، وفى سبيل عزتكم، وفى سبيل كرامتكم.
يا أهل مصر الكرماء: أنا فداء لكم، وسأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم.. سأموت من أجلكم، إذا مات جمال عبد الناصر فأنا الآن أموت وأنا مطمئن؛ فكلكم جمال عبد الناصر.
أيها الرجال: سيروا على بركة الله.. والله يحمى مصر وأبناء مصر ورجال مصر. سيروا.. تمسكوا بالمبادئ، وتمسكوا بالمثل العليا، لا تخافوا الموت، فالدنيا فانية.سيروا على بركة الله.. والله معكم.. لن يخذلكم.. لن يخذلكم، فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبد الناصر، ولكنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وبكفاحكم، فكافحوا، وإذا مات جمال عبد الناصر فليكن كل منكم جمال عبد الناصر.. فليكن كل منكم جمال عبد الناصر متمسكًا بالمبادئ ومتمسكًا بالمثل العليا والسلام عليكم ورحمة الله.
خطاب الأزهر..مصر سوف تبقى مقبرة الغزاة
أثناء هجوم العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد ألقى الرئيس جمال عبد الناصر فى الثانى من نوفمبر 1956 خطابا بعد صلاة الجمعة من الجامع الأزهر قال فيه:
فى هذه الأيام التى نكافح فيها من أجل حريتنا.. حرية شعب مصر، ومن أجل شرف الوطن، أحب أن أقول لكم: أن مصر كانت دائمًا مقبرة للغزاة، وأن جميع الإمبراطوريات التى قامت على مر الزمن انتهت وتلاشت حينما اعتدت على مصر، ولكن مصر بقيت متماسكة متحدة متكاتفة، انتهى الغزاة.. انتهت الإمبراطوريات.. وبقيت مصر، وبقى شعب مصر.
واليوم أيها الإخوة ونحن نقابل عدوان الظلم والاستعمار الذى يريد أن ينتهك حريتنا وإنسانيتنا وكرامتنا، ونحن نقاوم هذا العدوان؛ نطلب من الله أن يلهمنا الصبر والإيمان، والثقة والعزم، والتصميم على القتال.
إننا اليوم نطلب من الله أن يقوى قلوبنا جميعًا ونفوسنا حتى ندافع عن وطننا. إن الموت أيها المواطنون حق على كل فرد منا.. إن الموت أيها المواطنون حق على كل فرد منا، ولكن إذا متنا.. يجب أن نموت بشرف، ويجب أن نموت بكرامة. وإننى أعلن باسمكم أننا سنقاتل.. سنقاتل ولن نسلم.. سنقاتل ولن نعيش عيشة ذليلة، مهما أخذوا فى غيهم، ومهما استمروا فى خطتهم العدوانية.
إن الموقف اليوم أيها المواطنون أحسن مما كان منذ يومين؛ لقد كانت المؤامرة الكبرى تنحصر فى سحب قواتكم المسلحة إلى الحدود لتشتبك مع إسرائيل، وترك مصر بدون جيشها؛ حتى يستطيعوا أن يفعلوا ما يريدون.
كل فرد من أبناء القوات المسلحة قاتل قتالا مريرا، وكل فرد من أفراد القوات المسلحة قاتل بعزم وإيمان وتصميم، كل فرد من أفراد القوات المسلحة كان يتجه إلى جبهة القتال؛ إلى حدودنا مع إسرائيل ليرد الغزاة الإسرائيليين. هذا هو الموقف الذى كنا فيه قواتنا المسلحة كلها تتحرك إلى الحدود، قواتنا المسلحة كلها تجابه إسرائيل.
فماذا حدث فى 30 أكتوبر؟ قدمت بريطانيا إنذارا بأننا لا بد أن نقبل احتلالها هى وفرنسا لأراضينا، وإذا لم نقبل فى ١٢ ساعة، سيقومون بتنفيذ ذلك بالقوة.
هذا يا إخوانى لا يقبله الشرف، ولا تقبله العزة، ولا تقبله الكرامة، وأنه لخير لنا أن نموت جميعًا دفاعًا عن وطننا لنكتب سجلًا فى تاريخنا، ولنضع أسسًا لمستقبل وطننا، عن أن نقبل طوعًا احتلال بريطانيا وفرنسا لجزء من أراضينا.
قامت قواتنا الجوية يوم ٣٠ و٣١ بالسيطرة على أرض المعارك فى سيناء، وفى القتال يوم وأسقطنا ١٨ طيارة من إسرائيل؛ تلت السلاح الجوى الإسرائيلى.. وكان أفراد القوات الجوية يعملون ليل نهار.. أفراد القوات الجوية.. إخوانكم فى القوات المسلحة كانوا يعملون باستمرار وكان الطيارين مسيطرين على أرض المعركة، خسرنا طيارتين، استشهد اتنين من طيارينا فى هذا القتال، ولكن وفقنا الله.
إيه اللى حصل يوم 31 الساعة ٦؟ وجهت قيادة بريطانيا وفرنسا إنذار لمصر تانى بأنها ستقوم بتدمير الأغراض العسكرية، وكان هذا يعنى بالنسبة لنا أن الإنذار البريطانى - الفرنسى بدأ فى التنفيذ، ويبدأ بالغارات الجوية التى أنذروا بها، ثم يتلوه غزو أو عدوان.
إذن احنا بعد الغارة الأولى اللى حصلت بقينا بنحارب فى جبهتين.. جبهة إسرائيل على الحدود، وجبهة الاستعمار الإنجليزى-الفرنسى فى الداخل؛ اللى بيهدد باحتلال القنال.
وكان لا بد من اتخاذ قرار سريع حاسم، كان لا بد من إحباط خطة العدو، كان لا بد من أن احنا نعرف.. إيه غرضنا؟ إيه الغرض بقى من وجود القوات المسلحة معزولة فى سيناء، حينما تصل إلينا قوات إنجليزية - فرنسية وما تجدش قوات مسلحة تقاومها؟ كان لا بد من اتخاذ قرار خطير وهو لا بد من أن إحنا نوحد الجبهتين، لا بد أن إحنا نحرم بريطانيا وفرنسا من أنهم يفصلوا القوات المسلحة المصرية فى سيناء عن الشعب. وأصدرت أوامر للقائد العام للقوات المسلحة بسحب جميع القوات الرئيسية المصرية من صحراء سيناء إلى غرب قنال السويس؛ حتى تكون جنبًا إلى جنب مع الشعب لملاقاة العدوان البريطانى-الفرنسى المنتظر.
وحدنا الجبهة بتاعتنا، جميع قواتنا المسلحة دلوقت تم انسحابها من صحراء سيناء، وتركت وحدات انتحارية لليهود هناك. كل قواتنا الأساسية رجعت، موجودة فى منطقة القنال، وموجودة فى منطقة الدلتا، واحنا دلوقت مستنيين الإنجليز ومستنيين الفرنساويين، قواتنا المسلحة مش معزولة زى ما كانوا متصورين.
ولهذا أنا باعتبر أن قرار الانسحاب وتنفيذه الناجح.. ناجح أكثر مما كنت أتصور.. بحمد الله، طبعًا فيها بعض الخسائر؛ لأن طيران فرنسا وطيران بريطانيا بيشتغل ضد القوات المسلحة فى سيناء؛ بالإضافة طبعًا إلى طيران إسرائيل، ولكن رغم هذا صممت القوات على أن تنفذ الأوامر وتعود إلى غرب قنال السويس. النهاردة قبل ما آجى كان آخر جزء من هذه القوات الرئيسية وصل إلى منطقة القنال.
الجيش سيحارب.. الأوامر للقوات المسلحة بالقتال حتى الموت، الشعب.. وأنا شفت امبارح والنهاردة كتائب التحرير والحرس الوطنى؛ متطوعين أكثر من الأعداد اللى احنا طالبينها، حتحارب جنبًا إلى جنب مع الجيش، فى أى مكان حنحارب؛ من بيت لبيت، ومن قرية لقرية.
حنقاتل.. أنا هنا فى القاهرة ضد أى غزو سأقاتل معكم.. أنا هنا موجود فى القاهرة، ولادى موجودين معكم فى القاهرة، ما طلعتهمش بره، ومش حاطلعهم بره، حنقاتل - لآخر نقطة دم.. لن نسلم أبدا.
خطاب تأميم قناة السويس. لا أحد يفرض على مصر شيئًا
فى السادس والعشرين من يوليو 1956 ألقى الرئيس جمال عبد الناصر خطابا فى الاحتفال بالعيد الرابع للثورة وهو الخطاب الذى أعلن فى نهايته تأميم قناة السويس شرح فى خطابه كيف وضع البنك الدولى بإيعاز من أمريكا وبريطانيا العراقيل ضد الموافقة على تمويل بناء السد العالى فقال:
إن إسرائيل بدأت تتبع أساليب حرب العصابات الذى كانت تتبعه قبل 48، وما حدث فى فلسطين كان عملية إبادة لم تهدف إبادة فلسطين وحدها لكنها تهدف إبادة القومية العربية كلها، فالصهيونيون يعلنون أن وطنهم المقدس يمتد من النيل إلى الفرات، من هنا كان لازم نطلب سلاح ندافع به عن أنفسنا علشان منبقاش لاجئين زى أهل فلسطين وهم فى حماية بريطانيا تحت الانتداب.
جبنا السلاح بدفع الثمن فقط دون قيد أو شرط، فجاءتنا رسالة أن مستر الآن يحمل إنذار من الحكومة الأمريكية أرسله دالاس يحمل تهديدا ويمس العزة المصرية ونصحنى الأمريكان بقبول الرسالة وأنا هادئ الأعصاب، فقلت مندوبكم إذا جاء المكتب واتكلم كلمة سأطرده برة المكتب وحاطلع أعلن الشعب أنكم أردتم أن تهينوا عزته، وسنقاتل جميعا لآخر قطرة من دمائنا ولو قطعت أمريكا المعونة سأعلن للشعب وجاء مستر الآن لكن لم يفتح بقه بكلمة وسمع وجهة النظر المصرية.
انتهت قصة السلاح وبدأت قصة السد العالى، ولما كنا رسمنا طريقا للتنمية وزيادة الدخل القومى لأننا نزيد كل سنة نصف مليون، وجدنا أن مياه النيل تتجه ناحية البحر وتهدر كل سنة فقلنا نستفيد منها، وكان هناك مشروع قديم للسد العالى درسناه وجدناه حايدينا أرض خصبة وكهرباء، فقابلنا عقبة التمويل.
اتصلنا بالبنك الدولى واحنا مشتركين فيه بـ10 ملايين دولار من فلوسنا، قالنا فيه عقبات بسبب إسرائيل والإنجليز، ولما تسووا مشكلاتكم معاهم نتفاهم فكان واضح أن المساعدة مرفوضة، وانتهى بأن البنك الدولى مستعد يدينا 200 مليون دولار لكن بعد 5 سنوات من بدء تنفيذ مشروع السد وأنه لن يدفعهم مرة واحدة بشرط رضاء الإنجليز والأمريكان عننا وأنهم لازم يوافقوا على برامج الاستثمار فى بلدنا، وإلا نعقد اتفاقات مع الغير، وجدت أن العملية أصبحت فخ للسيطرة علينا وعلى استقلالنا الاقتصادى فرفضنا كل الشروط لأنهم كانوا عايزين يورطونا فى البناء وبعدين نقف فى منتصف المشروع.
فى نفس الوقت جاءت روسيا تعرض المساعدة بقروض طويلة الأجل دون أى شرط وأعلنت الحكومة الأمريكية أنها عرضت المساعدة ومصر رفضت وطالب أعضاء الكونجرس برفض المعونة.
وجدت أن دخل قناة السويس يبلغ 35 مليون جنيه أى 100 مليون دولار بناخد منها مليون جنيه فقط وهى شركة مساهمة مصرية فقلنا التاريخ لن يعيد نفسه أيام الخديو إسماعيل حين باع حصتنا فى القناة بسبب الديون، لذلك وقعت اليوم قرار من الرئيس جمال عبد الناصر ووافقت الحكومة على القانون فأعلن عبد الناصر على الهواء قرار تأميم قناة السويس.
نقلًا عن العدد الورقي…،