ما حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد؟.. المفتي السابق يجيب
قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، أن شهر المولد النبوي الشريف هو تاج الشهور في كل الأعوام، «وأن يوم مولده صلى ﷲ عليه وآله وسلّم عيدٌ للإسلام» كما قاله العلامةُ ابنُ الجزَرِيِّ الإمام، مُقرِئُ ممالكِ الإسلامِ، وأن ليلةَ المولدِ عظيمةُ القدر، إذ هي أفضل من ليلة القدر، كما بيَّنه العلامةُ ابن مرزوقٍ عظم الله له الأجر، وقرّره من واحد وعشرين وجهًا في كتاب صنَّفه لهذا الأمر، ولذلك «فأفضل الليالي على الإطلاق ليلة المولد الشريف؛ لما ترتب على ظهوره صلى ﷲ عليه وآله وسلّم فيها من النفع العميم والخير العظيم» كما نص على ذلك البرهان الباجوري شيخُ الإسلام وعلّامةُ الأنام.
وأضاف المفتي السابق، كلما هبت نسائم يوم الميلاد، قام أهل المحبة والوداد، على قدم الاتباع والسداد، وساق الجد والاجتهاد، يحتفلون بهذا اليوم المشهود في كل البلاد، امتثالا لأمر رب العباد، حيث قال في كتابه ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ فكان لهم خير هاد، وسارع أهل الاستعداد للاستمداد، فهم يعلمون أن من خواصِّ عملِ المولدِ المذكورِ «الأمانَ التام في ذلك العامِ، وبُشْرى بتعجيلِ نيلِ ما يُبتغى ويرامُ، ولو لم يكن في ذلك إلَّا إرغامُ الشيطانِ، وسرورُ أهلِ الإيمانِ، لكفى».
أعلمـت أنك يا ربيـعُ الأولُ * تاجٌ على هــام الزمـان مُـكَلَّلُ مُستعذَبُ الإلمام مرتقَبُ اللِّقَا * كلُّ الفضائل حين تُقبِلُ تُقْبِلُ
مـا عـدتَ إلا كنتَ عـيدًا ثالثا * بل أنت أحلى في القلوب وأجمل شـرفًا بمـولد مـصطفًى لمـا بـدا * أخفى الأهلةَ نورُه المتهللُ
فضَلَ الشهورَ عُلًا وفاخرَها فإن * فخرَتْ بأطولها فأنت الأطولُ
وتابع: الحمد لله الذي أنار الوجود، بالمولد العليِّ لنبيِّ السعود، وسيدِ كلِّ والدٍ ومولود، سيدِنا محمدٍ الحامدِ المحمود، أصلِ النبوة والفتوة والكرم والجود، مَن أخذ الله له على الأنبياء المواثيق والعهود، الفاتحِ الذي بنوره افتتح اللهُ الوجود، والخاتمِ الذي به خُتمَت النبوةُ وتم المقصود، أرسله ربُّه رحمةً للعالمين فهو مصدرُ الخيرِ لكلِّ موجود، والنعمةُ العظمى التي بالنعم تجود، القاسمُ لما يعطيه مولاه وما لعطائه حدود، فلم تُمْسِ نعمةٌ أو تُصْبِحْ إلّا ومنه سببُها ممدود، ولا ظهَرَتْ فضيلةٌ إلّا وإليه سرُّها مردود، طاهرُ النسل فآلُه نجومُ السعود، وطيّبُ الأصل المتقَلِّبُ في أصلاب الرُّكَّع السجود، مِن الآباء والأمهات والجدود، نفحةُ الجود التي بها انفعل الوجود، والكلمةُ الطيبةُ التي منها سطَعَت الخليقةُ ولها ارتفعت البنود، والشجرةُ الأصلية التي بها اخضرَّ الورق وأينع العود، أصلها ثابت وفرعها سامق في ذروة سماء الصعود، الودودُ الذي به عُرِفَ الودود، والحبيبُ الذي لولاه ما بدا الوجود، والجوادُ الذي جودُه أصلٌ لكلِّ جود وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ذاته، ولا سَمِيَّ له في صفاته، تجلَّى بصَلاتِه على مَجْلَى كمالاتِه، وتدلَّى بصِلاتِه لنبْعِ فيوضاتِه، ليتحلَّى بوصالِه بابُ رحَماتِه، ويتملّى بجمالِه مَظْهَرُ تجلياتِه، وأشهدُ أنّ سيدَنا ومولانا محمدًا عبدُه ورسولُه الذي ختم به رسالاتِه، ومصطفاه الذي هو غايةُ نبواتِه، الواسطةُ الكبرى التي بها النبوةُ والرسالةُ للأنبياء والمرسلين، والوسيلةُ العظمى في نيل ولاية الأولياء والمقربين، والشفيعُ المشفَّعُ في الدنيا والبرزخ ويومَ الدين، فهو صخرةُ الكونين وغوثُ الخلائق أجمعين.
وأكد المفتي الابق، أن شكر النعمة واجبٌ على المخلوق لمولاه، وأعظمُ نعمِ الله على خلقه: رحمتُه ومَجْلَاه، القائلُ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»، والاحتفال بمولده شكرٌ لله على أعظم هداياه، قال العارف أبو العباس المرسي، قُدِّس سرُّه العلي: «الأنبياء لأممهم عطية، ونبينا لنا هدية، والعطية للمحتاجين، والهدية للمحبوبين» وقد سئل الإمام الألمعي، أبو زرعة العراقي، عن عمل المولد النبوي، وعن مدى استحبابه، وهل ورد فيه شيء عمن يُقتدَى به، فأجاب رحمه ﷲ، ونفعنا بعلمه وتقواه: «اتخاذ الوليمة وإطعام الطعام مستحب في كل وقت، فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبوَّة في هذا الشهر الشريف ولا نعلم غير ذلك عن السلف ولا يلزم من كونه بدعة كونه مكروهًا فكم من بدعة مستحبة بل واجبة» وقال الإمام الرباني، شهاب الدين القسطلاني: «فرحم الله امرأً اتخذ لياليَ شهر مولده المبارك أعيادا، ليڪون أشدَّ علةً على من في قلبه مرض وأعيا داء».
وأشار إلى أن الاحتفال بذكرى مولده من أفضل الأعمال وأعظم مظاهر الإحسان؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب لخير إنسان، ومحبة النبي أصل من أصول الإيمان فالفرح بالمولد المبارك للنبي الصادق الأمين، هو سمة المحبين الصادقين، وديدن عباد الله الطائعين، الذين لامتثال أوامره مسارعين، وإلى نسمات حبيبه مشتاقين، عملًا بقول الله تعالى في كتابه المبين: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.