العبودية الطوعية وتأخر مجتمعاتنا العربية !!
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن العبودية الطوعية في مجتمعاتنا العربية وحتما لن تكون الأخيرة، فالعبودية الطوعية مصطلح ظهر لأول مرة في كتابات الفيلسوف والمحامي والقاضي والكاتب الفرنسي إتيان دي لابويسيه منذ ما يقرب من خمسة قرون، وهو مؤسس الفلسفة السياسية الحديثة في فرنسا، وأول من أوجد النظرية الفوضوية، ولد لابويسيه في ( 1 نوفمبر 1530 ) وتوفي في ( 18 أغسطس 1563) عن عمر لم يتجاوز 33 عاما..
كان لابويسيه مولعا بالشعر والأدب، لكن تظل مقاله في العبودية الطوعية التى كتبها وهو فى الثامنة عشر من عمره من أهم أعماله، إن لم تكن الوحيدة التي اشتهر بها ليس خلال حياته القصيرة لكن بعد وفاته.. وفي عام 1835 تم نشر النص منفردا منسوبا لصاحبه لابويسيه.
المواطن المستقر
هاجم لابويسيه النظام الملكي المطلق فى مقاله العبودية الطوعية ووصفه بالطغيان ودعا لمكافحة الديكتاتورية، وقد ربط لابويسيه الطاعة بالهيمنة، وهى العلاقة التي كونت مع مرور الوقت النظرية الفوضوية، والتي تدعو لإيجاد حلول للتخلص من الهيمنة والانصياع ورفض دعم الطاغية، وبذلك أصبح لابويسيه أحد أقدم دعاة العصيان المدني والمقاومة بلا عنف، وهى ما نتج عنها ذلك الشعب الفرنسي الذي يرفض الهيمنة والانصياع للحاكم مهما تحققت له من سبل الرفاهية.
أما العبودية الطوعية فتنطبق على شعوبنا العربية تماما كما طرحها لابويسيه خاصة عندما يؤكد أنه عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتلائم وتتكيف مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه المواطن المستقر، وهذا المواطن المستقر لا يشتبك مع واقعه، وغير قادر على النقد، ولا يهتم بالشأن العام، ولا يتدخل فى الأمور السياسية، وخاضع ومنصاع طوال الوقت لهيمنة السلطة الحاكمة، وغير قادر على المعارضة أو المقاومة.
يعيش المواطن المستقر في عالم خاص به، وتنحصر اهتماماته في ثلاثة أشياء هى: الدين ولقمة العيش وكرة القدم، بعيدا عن هموم الوطن وقضاياه ومشكلاته، وإذا كان المواطنون المستقرون هم الغالبية العظمى من سكان مجتمعاتنا العربية الذين ارتضوا بالعبودية الطوعية، فهم بذلك يشكلون العائق الحقيقي أمام أى تقدم ممكن، ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج هذا المواطن المستقر من عالمه الضيق، إلى عالم أكثر رحابة.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.