جمهورية الفيمنست.. تأسست من أجل المساواة مع الرجال.. انتهت بالتطرف وهدم الأسرة.. وفرنسا شرارة الدعوة
فى وقت تتزايد فيه نسب الطلاق بوتيرة متسارعة داخل المجتمع المصرى لأسباب واهية، حتى صارت نسبة الطلاق فى مصر أعلى من غيرها فى العالم أجمع، تتعاقب علينا بعض الأصوات الشاذة والآراء المتمردة والدعاوى المحرضة التى تستهدف -بقصد أو دون قصد- لضرب ما تبقى من استقرار الأسرة المصرية فى مقتل.. برامج تليفزيونية، مقالات صحفية، منشورات إلكترونية وغيرها مما تيسَّر من وسائل النشر تُروِّج لمفاهيم وأفكار بائسة تناهض فطرة الله التى فطر الناس عليها
وكلمة «فيمنست» التى شاعت مؤخرًا تعبيرا عن هذا التيار تعنى «النسوية» وهى الحركات النسائية التى تتبنى مجموعة من النظريات الاجتماعية والفلسفات الأخلاقية القائمة على فكرة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، دون الانتباه لما أقرته السماء من نصوص مقدسة، أو الأرض من أعراف راسخة، لذا وصف الأزهر الشريف أصحاب هذه الأفكار بالمتنطعين المفسدين.
وربما لا تكون حركات «الفيمنست» حديثة النشأة كما يعتقد البعض، ولكن يمتد عمرها إلى أكثر من مائة عام، ولكنها تعاظمت بشكل أكثر شراسة فى السنوات الأخيرة فى ظل تنوع وتعدد وغزارة الوسائل الإعلامية من إذاعة وتليفزيون وسوشيال ميديا، وهو ما يعتبره المراقبون الموجةَ الرابعة من الحركات النسوية، بعدما سبقتها ثلاث موجات أخرى، ولكن الموجة الأخيرة تبدو فى جميع تفاصيلها شديدة التطرف.
فى السطور التالية ..نرصد جانبًا من هذه الظاهرة التى يراها كثيرون طعنة فى ظهر المجتمع المصرية لا تستهدف خيرًا، بل إن إثمها فى كل الحالات أكبر من نفعها، وتأثيرها السلبي، وكيفية مواجتهها وتقزيمها وإجهاضها فى مهدها؛ لا سيما أنها تهدد السلم والأمن الاجتماعي.
نشأة النسوية
وبالعودة إلى التاريخ، نجد أن المصطلح ارتبط أساسًا بالفكر الغربى ووضع المرأة فى ذلك المجتمع، حيث تطورت الحركة النسائية فى المجتمع الغربى لأكثر من قرنين من الزمان، فكانت حركة «الفيمنست» تحمل العديد من الفلسفات المتناقضة، فمنذ 1791 حتى العام 1920 كانت تطالب بحقوق المرأة، ومع بدايات القرن الحادى والعشرين اتخذت الحركة شكلا مغايرا من التحرر غير المقيد بكافة أنواعه.
البداية فرنسية
وبدأت الحركة النسائية «الفيمنست» فى الغرب عندما نشرت أوليمب دو جوج، فى فرنسا عام 1791 إعلان حقوق المرأة والمواطنة، الذى طالب بالمساواة بين المرأة والرجل فى التعليم وأمام القانون والعمل، وعندما قُدم إلى الجمعية الوطنية الفرنسية تم رفضه بالإجماع، وفى العام التالى قدّمت البريطانية مارى وولستونكرافت أطروحتها «دفاعًا عن حقوق المرأة»، ردًّا على الفيلسوف جان جاك روسو، الذى كان يقصر الحقوق الطبيعة على الرجل دون المرأة، حين قال روسو: وجدت المرأة للرجل، وأن من يتحدثون عن المساواة بين المرأة والرجل يتحدثون بكلام تافه.
انتشر تيار «الفيمنست» فى القرن العشرين للمطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل وإلغاء الفوارق بينهما فى كل المجالات، وقد انتشر هذا التيار وتوزع فى مختلف أنحاء العالم، حيث طوعت الفكرة فى إطار ما يسمى بالنسوية متعددة الثقافات الكونية، فنشأت تيارات متعددة أيديولوجيًّا ومن بينها حركات نسائية، ليبرالية، جذرية، اشتراكية، السوداء الأفريقية والأمريكية.
فى الولايات المتحدة الأمريكية، انطلقت حركة «الفيمنست» امتدادًا للحركات النسوية الغربية، ومع حرب الاستقلال الأمريكية وتحرير العبيد، أعلنت مجموعة من النساء إعلان عام 1848 وطالبن بالمساواة، ثم أفَلَت الحركة النسوية لمدة أربعة عقود من 1920 حتى 1960 فبعد حصول النساء على حق التصويت خفتت أصواتهن.
وفى سبعينيات القرن الماضى ظهرت حركة الفيمنست المتطرفة، التى تتمركز أهدافها فى إعادة صياغة المجتمع وتفكيك منظوماته ولا سيما الأسرة، واعتبرتها مؤسسة دينية يجب الثورة عليها، وهدم العلاقة السائدة والمتحيزة للذكور.
واتجهت الحركة النسوية «فيمنست» إلى التطرف مع نشوء حركة النسويات الفوضويات التى استحضرت أفكار إيما جولدمان، وتبنت مبدأ أنه من غير الممكن تحرير المرأة إلا عن طريق هدم منظومة الأسرة والملكية الخاصة وتقويض سلطة الدولة بكاملها، وقد لاقت أفكار هذه الحركة رواجًا فى أوروبا أكثر من الولايات المتحدة.
وكان لبعض الفيمنست المستقلات رأى آخر، حيث رفضن فكرة اللجوء إلى الحكومة لتحقيق مطالبهن، فطالبت «نسويات الأمازون» بنموذج «المرأة القوية» ودعون لأخذ حقوقهن بالقوة، بينما الفيمنست صاحبات الميول الأنثوية «السحاقيات»، دعين للتحرر.
زادت مطالبات «الفيمنست» مع القرن الحادى والعشرين، فطالبن بأن يكون لهن الحق فى الإجهاض، دون أن يكون للزوج أو الأب رأى أو حق فى ذلك، وأن المرأة هى الوحيدة التى لها لحق فى تقرير ذلك.
الفيمنست فى مصر
أما أول ظهور لبوادر حركة نسوية فى مصر فكان عام 1919فقد شهد هذا العصر نهضة ثقافية وانفتاحا فكريًّا نتيجة للبعثات العلمية إلى أوروبا عمومًا وفرنسا خصوصًا، فتأثر مفكرو عصر النهضة العربية بفكر فلاسفة عصر التنويريين الغربيين، وبرزت أسماء كتَّاب ومفكرين ساهموا بالدفع نحو تحرير المرأة عبر التعليم والعمل ورفع الحجاب، وكان من أهم تلك الأسماء كاتبان هما: رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين.
لكن مصر لم تشهد فى بدايات القرن العشرين حركة نسوية واحدة، بل حركات متنافرة متعارضة، وكان لحركة هدى شعراوى دور فى التغيير الذى طرأ على أوضاع المرأة، والتحول الذى مر به المجتمع المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين، أما أول مؤشر لظهور الحركة النسائية فى مصر، من خلال ملك حفنى ناصف، التى قدمت مطالب النساء فى أول اجتماع قومى عام1919 ، ودعت لزيادة الفرص التعليمية والمهنية للنساء، وفتح مدرسة طبية للنساء.
وكانت أول مظاهرة سياسية عامة تشارك فيها السيدات المصريات عام 1919، حيث نظمت أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطانى، وفى عام 1923 أسست هدى شعراوى «الاتحاد النسائى المصري» وكان من أهم أهدافه كما ورد فى مذكراتها: رفع مستوى المرأة الأدبى والاجتماعى للوصول بها إلى حد يجعلها أهلاَ للاشتراك مع الرجال فى جميع الحقوق والواجبات، أول من استخدم كلمة «النسوية» الفيمنست علنًا فى سنة 2391.
فى عام 1925 أصدرت هدى شعراوى مجلة باللغة الفرنسية اسمها «المصرية» لسان للحركة النسوية التى ترأسها، وقامت بخلع الحجاب لأول مرة عند عودتها من مؤتمر للمرأة فى روما عام 1923 أمام جمع من مستقبليها.
وفى عام 1942 تأسست اللجنة الوطنية للطلبة والعمال بعضوية إنجى أفلاطون وانتخبت لطيفة الزيات رئيسة للجنة، لتجمع بين مطالب تحرير النساء والتحرر الوطنى، وأصدرت درية شفيق مجلة بنت النيل فى عام 1945 لتكون مجلة نسائية، موجهة للنساء المصريات والعربيات، ثم أسست اتحاد بنت النيل عام 1949.
أحدثت ثورة 1952 تغييرات فى الحراك النسوى «فيمنست»، ليصبح الحراك جزءًا من مشروع الدولة الوطنى ممثَّلًا فى كيان رسمى واحد؛ بتوجيه ورقابة الدولة، وقامت الدولة بإتاحة التعليم المجانى والعمل للنساء من مختلف طبقات المجتمع، وتم منع الجمعيات النسائية التى كانت تنشط فى مجال حقوق المرأة من أى نشاط سياسى أو غيره اقتصر نشاطها على المجال الخيرى فقط.
وبأمر من الرئيس جمال عبد الناصر فى عام 1966 تمّ استبدال اسم «الاتحاد النسائي» بجمعية هدى شعراوى، وتم تشكيل الاتحاد النسائى المصري الذى أصبح المؤسسة الحكومية الرسمية التى ترعى النشاط النسوى، وحرص نظام عبد الناصر على تقديمها كجزء من برنامج الدولة الاجتماعى والسياسى والشعبى آنذاك.
وجاء المؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذى عُقد فى القاهرة فى عام 1994 ليقدم دفعة للحراك النسوى فى مصر، ووضع قضايا النساء على قمة الأولويات الوطنية.
وظهر ما يُعرف بالحقوق الإنجابية للنساء، ومجموعة العمل لمناهضة ختان الإناث وغيرها، وخلق شبكات ومجموعات ضغط وحملات وتحالفات على الصعيدين المحلى والدولى بشأن حقوق النساء، والتمييز ضد النساء حتى فى ظل الاتفاقيات الدولية.
ظهرت عام 2012موجة نسوية جديدة تشكل عناوين التحرش الجنسى، الاغتصاب، الجسد كوصمة عار، أبرز القضايا التى تناقشها، كما ظهر مصطلح الأم العزباء، وقد أخذت من وسائل التواصل الاجتماعى منصة لنشر هذه الأفكار.
نقلًا عن العدد الورقي…،