"جوجل المتطرف".. الإخوان والسلفيون يحتكرون محركات البحث في معركة الوعي
أثار الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف الدكتور أسامة الأزهري قضية مهمة بتأكيده على الهوى السلفي والمزاج الإخواني لمحرك البحث "جوجل"؛ بسبب ما يتضمنه من فتاوَى عديدة تتصادم مع الإسلام الوسطي.
"الأزهر" عبر تصريحات متلفزة.. حذَّر الرأي العام من الاعتماد على الشبكة العنكبوتية في الحصول على الفتوى الشرعية والرأي الديني السليم؛ بدعوى أن التيارات الدينية المتطرف تنبهت مبكرًا لخطورة هذا السلاح، واهتمت بإنشاء مواقعَ عديدة لها؛ بهدف الترويج لأفكارها وقناعاتها التي تميل في مُجملها إلى الغلو والتشدد.
ورغم وجاهة طرح "الأزهري" إلا أنه في الوقت نفسه يحمل في طياته اتهامًا مباشرًا للمؤسسات الدينية الرسمية والجهات ذات الصلة بالتقصير في التواجد في الفضاء الإلكتروني وترك الساحة مباحة لتيارات واتجاهات دينية متشددة لم تفوت الفرصة وفرضت وجودها؛ ومن ثمَّ كان تأثيرها ولا يزال كبيرًا ولا يمكن تغافله أو تجاهله أو التقليل منه لا سيما أن معظم الناس يعتمدون على الإنترنت في الحصول على ما يريدون من معلومات.
والسؤال متعدد المحاور الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا قصَّرت المؤسسات الدينية الرسمية في أن تُعظم من وجودها في الفضاء الإلكتروني، وهل هي قادرة بما تملكه من مال وعلم على الاعتراف بالخطأ وتعويض أخطاء الماضي بعيدًا عن حالات الطاووسية والنرجسية للقائمين عليها وتكرار الخطأ الذي يشي بالعجز وقلة الحيلة وحب الذات، وهل تستسلم التيارات المتشددة في هذه المعركة وتتنازل عن وجودها إلكترونيًا، بعدما تنازلت عن وجودها واقعيًا؟
جوجل والإخوان
ولنبدأ بجماعة الإخوان التى دخلت غمار التحرير الإلكترونى مبكرًا، وذلك بتأسيس مواقعَ لها على الشبكة العنكبوتية فى عام 1998 وكان يحمل اسم "الدعوة"، وتم تسجيله وقتها باسم شركة "داتا كوم" بولاية شيكاغو الأمريكية، ومع بداية عام ٢٠٠٠ تأسس موقع "الشاهد ٢٠٠٠"، وأطلقته مجموعة إخوانية تحت اسم "الشاهد للدراسات السياسية والإستراتيجية "، ووصفت نفسها بـ"مجموعة مراقبة انتخابات مجلس الشعب" آنذاك، واستمر حتى عام 2002.
كما أطلق الإخوان موقع "الإسلام هو الحل" فى فبراير ٢٠٠٠، على يد الإخوانى أبو عدنان، كما دشنوا موقع "حقائق مصرية" عن طريق شخص فى كول فيلدج بنيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية.
واستمرت التجارب الإخوانية تتابع سواء بموقع “أمل الأمة”، أو “جماعة أون لاين” ومنصات أخرى خاصة بالنقابات المهنية، حتى وصلت إلى ذروتها بموقع “إسلام أون لاين” الذى تم تدشينه عام 2003، وأُسس على يد الشيخ يوسف القرضاوى، وخصص صفحات للفتاوى والرد على الاستفسارات.
التيار السلفي
أما التيار السلفى فى مصر فلم ينشط فى مجال تدشين المواقع الخاصة بهم لنشر دعوتهم بين المصريين إلا بعد أحداث 25 يناير 2011، حيث ظهرت تيارات وحرکات سياسية لم يكن لها وجود على الساحة السياسية المصرية، وظهرت مواقع التيار السلفى، وخاصة بعد أن أصبح التيار السلفى لاعبًا سياسيًّا فظهر حزب النور، والجبهة السلفية، وحزب الوطن، وحزب البناء والتنمية، وحزب الأصالة، وغيرها من التيارات السلفية، وهنا بدأ فى الاهتمام بتدشين المواقع ومنصات التواصل الاجتماعى بصفة خاصة، التى ساهمت فى نشر المعلومات حول القضايا والأحداث الجارية على الساحة المصرية.
وأكد بحث "معالجة مواقع التواصل الاجتماعى لقضايا السلفيين" للباحث محمد عبد السلام محمد أبو المعاطى بكلية إعلام جامعة القاهرة، أن المواقع الإلكترونية للسلفيين تجاوز عددها الآلاف، وكان بعضها فى "تويتر وفيس بوك" نشطة للغاية، لدرجة جعلت بعض أفراد التيار يصنعون محركًا للبحث خاصًا بتلك المواقع بعنوان "الباحث السلفي"، للتسهيل للوصول إلى مجموعة من الموقع السلفية، التى تستقطب طلبة الدراسات الإسلامية، ومنها مواقع باسم "الدعوة السلفية"، أكبر الجماعات السلفية فى مصر، وضمت (الجمعية الشرعية، وأنصار السنة، أو السلفية المدخلية الجامية، أو الجهادية).
وتولى الدعوة السلفية العلمية فى الإسكندرية اهتمامًا بتدشين المواقع عبر الإنترنت، فكان لديها موقعان رسميان هما موقع "صوت السلف"، ضم آلاف الفتاوى قبل أن تتم إزالته، بسبب التغيرات التى حدثت لفتاوى السلفيين بعد ثورة 2011، والخشية من أن تتخذ تلك الفتاوى ذريعة للهجوم عليهم بسبب تناقض مواقفهم.
والموقع الثانى "أنا السلفي" وأطلق قبل ثورة 2011 بأيم، واستمر بعدها، ليحل محل موقع "صوت السلف"، ويشرف عليه الطبيب السلفى ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، ومستمر فى إطلاق فتاويه حتى الآن. حيث يرى السلفيون المواقع الإلكترونية الوسيلة المناسبة لنشر دعوتهم، واستقطاب المصريين من الشباب.
كما أطلقت الدعوة السلفية "جوجل السلفي"، وهو محرك بحث، لا يعطى نتائج سوى ما يتعلق بالسلفيين فقط، ويعمل "جوجل السلفي" على سهولة البحث عن المسائل المنهجية أو العقدية أو الفقهية أو الفتاوى السلفية، ويتم استقائها من 80 موقعًا سلفيًا، فجوجل السلفى لا يعرض نتائج البحث إلا من المواقع السلفية دون غيرها.
داعش
أدرك التنظيم الإرهابى "داعش" أهمية الوصول للشباب فى مصر والعالم عن طريق تدشين آلاف المواقع الإلكترونية الخاصة بهم منذ عام 2013، ومن أهمها موقع "أعماق" منصتهم الرئيسية للإعلام، بالإضافة لمواقع جهادية أخرى، كما استخدم التنظيم وسائل التواصل الاجتماعى (تويتر وفيس بوك ويوتيوب).
فى عام 2014 فقط كان هناك ما يقرب من 90 ألف حساب خاص بـ"داعش" وأنصار الحركة، وبحلول 2015 كانت منصات التواصل هذه قد تعرضت لضغط دولى كبير دفعها إلى إزالة كل ما يتعلق بداعش، وحاول التنظيم حماية محتوياته السرية عبر حسابات تيليجرام، موقع جاست باست وغيره.
وبحلول عام 2016 حظر "تويتر" أكثر من 125 ألف حساب للتنظيم، فقرر "داعش" استخدام الإنترنت المظلم؛ الأكثر صعوبة فى التعقب وتصيد المتشددين.
الإفتاء والأزهر
وبرغم النشاط المتزايد للمواقع الإخوانية والسلفية عبر الإنترنت لاستقطاب المصريين، لكن المؤسسات الرسمية "الأزهر الشريف ودار الإفتاء" لم تنتبها لهذا الخطر الداهم إلا مؤخرًا؛ فقد بدأت دار الإفتاء فى تدشين خدمة فتاوى الإنترنت عبر موقعها الإلكترونى منذ عام 2000، لكنها كانت تخصصه للإفتاء فقط دون غيرها من القضايا.
وفى عام 2015، ومع انتشار الفكر التكفيرى والإرهابى بين بعض الشباب المصريين، قامت دار الإفتاء بإنشاء هيئات ومراصد تابعة لها؛ حيث أنشأت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم عام 2015، ومرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة 2014، ومرصد الإسلاموفوبيا 2015، ومرصد الجاليات المسلمة فى العالم 2016، ومركز سلام لدراسات التطرف.
أما الأزهر صاحب الفكر الإسلامى الوسطى فقد بدأ فى تدشين موقعه الخاص بمشيخة الأزهر مع عام 2000 ميلادى، لكن الموقع اهتم بأخبار الأزهر ورابطة الأزهر الشريف فى العالم، وأنشأت جامعة الأزهر موقعا خاصا بها اهتمت فيه بالوافدين والكليات والمعاهد الخاصة بالجامعة، لكنها لم تنتبه للفكر التكفيرى أو مخاطبة الجماهير عن طريق نشر ما يهمهم من قضايا.
فى عام 2015 أدرك الأزهر أهمية مخاطبة المصريين والعالم فدشن "مرصد الأزهر"، لمكافحة الفكر والتنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية مثل "داعش"، وعدم وصولها إلى عقول الشباب.
نقلًا عن العدد الورقي…،